خالد سعد يكتب : ازدواجية المعايير في التعامل مع الضحايا.. الحق والباطل بين عدل الله وظلم البشر

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 20 فبراير 2025, 2:45:33 م
  • eye 66
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

الحمد لله العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة، الحكيم الذي جعل الدنيا دار ابتلاء ليتميز فيها الصادق من المنافق، ويمتحن بها المصلحون والمفسدون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد:

فإن من أعظم ما يُظهر حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل هذه الدنيا محلاً للصراع بين الحق والباطل، والعدل والظلم، والنور والظلام. فمن تأمل أحوال الأمم والحضارات عبر التاريخ، رأى أن العدل الإلهي قائم، وأن الظلم مهما علا صوته فهو إلى زوال، ولكن العبرة ليست بزوال الظلم فحسب، بل بكيفية تعامل المؤمنين معه، وموقفهم منه، ومدى استعدادهم للثبات والصبر.

ازدواجية المعايير: مشاهد تُبكي القلوب

لقد كشف الله سبحانه وتعالى حقيقة الظلم الذي يتعرض له المستضعفون في الأرض من خلال المواقف المتكررة التي تُظهر ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية. نرى اليوم كيف يُعامل الضحايا وفق تصنيفات غريبة لم يعرفها العدل يومًا، فهناك قتلى يستحقون الحزن والحداد، وقنوات إعلامية تُسخَّر لنقل معاناتهم، ومؤسسات دولية تتسابق لإدانة الجناة، وهناك على الجانب الآخر قتلى لا بواكي لهم، جثث تُلقى في الشوارع، وأشلاء تُركل بالأقدام، ومجازر تُرتكب دون أن تتحرك ضمائر "المدافعين عن الإنسانية".

إنها نفس الجريمة، نفس المشهد الدموي، لكن التعامل مختلف، والاستنكار انتقائي، والحقوق تُمنح للبعض وتُسلب من الآخرين. هذه هي معايير العالم الذي يرفع شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، لكنه في الواقع يطبقها بميزان المصالح والسياسة.

المنظمات الإنسانية: بين الشعارات والحقائق المُرّة

منظمات تدعي الحياد، لكنها لا تُحرك ساكنًا حين يكون الضحية من المسلمين أو من الشعوب المستضعفة، بينما تُقيم الدنيا ولا تُقعدها إذا كان القتيل من الفئة التي تخدم مصالح القوى الكبرى. كم من مرة رأينا الازدواجية الفاضحة في تعاطي المؤسسات الدولية مع القضايا العادلة، وكيف يتم تبرير الجرائم حين تُرتكب بحق أمة بعينها، بينما تُعد جرائم كبرى حين يكون الجاني طرفًا آخر.

ولنأخذ مثالًا على ذلك: المجازر التي تُرتكب في فلسطين، حيث تُدمر البيوت على رؤوس ساكنيها، ويُقتل الأطفال والنساء بدم بارد، دون أن يتحرك العالم لإنقاذهم أو إيقاف العدوان، بينما نجد تحالفات عسكرية تتشكل بين ليلة وضحاها حين يُمس طرف من الأطراف التي تحظى بحماية القوى الاستعمارية.

حكمة الله في هذه الازدواجية

لقد شاء الله أن تكون هذه الدنيا دار امتحان وابتلاء، ليظهر فيها المنافقون والمتخاذلون، وليُعرف فيها الصادقون والمجاهدون. فهذه الازدواجية في المواقف هي جزء من سنن الله في التمحيص والاختبار، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214).

فالظلم وإن كان مؤلمًا، إلا أنه يكشف الحقائق، ويزيل الغشاوة عن العيون، ويُعرف الناس بحقيقة أعدائهم وحلفائهم، وهو في الوقت ذاته ابتلاء لمن يحملون راية الحق، فإما أن يثبتوا ويواصلوا طريقهم، وإما أن يتخاذلوا ويضيعوا في دروب الاستسلام.

الدروس المستفادة: ماذا يجب علينا؟

إن هذه المشاهد والمواقف الجائرة تعلمنا دروسًا عظيمة، لا بد أن نستوعبها وننقلها للأجيال القادمة:

1. إدراك حقيقة الصراع: هذا الصراع ليس بين دولٍ متنافسة أو بين شعوب متناحرة، بل هو صراع بين الحق والباطل، بين أمة تحمل رسالة الله، وأمم ترفضها وتحاربها.
2. الثبات وعدم اليأس: مهما اشتد الظلم ومهما تكالبت القوى الكبرى، فإن النصر بيد الله وحده، ولابد للمسلم أن يثق في وعد الله، فقد قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 5).
3. المواجهة لا الاستسلام: إن الظلم لا يُرفع بالاستنكار وحده، وإنما يُرفع بالمقاومة، وبنشر الوعي، وببناء الأمة القوية القادرة على حماية حقوقها والدفاع عن كرامتها.
4. التربية على العزة والإيمان: علينا أن نربي أبناءنا على العزة، وأن نغرس فيهم قيم الجهاد والكرامة، وأن نُعلمهم أن هذه الدنيا ليست دار راحة، وإنما دار كفاح وصبر وثبات.
العدل قادم لا محالة

يا أمة الإسلام، لا تيأسوا من عدل الله، فالمعركة لم تنتهِ، والباطل مهما انتفش فهو إلى زوال، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء: 18).

إن هذا الظلم والتمييز الفاضح ليس إلا مرحلة من مراحل الصراع بين الخير والشر، ولكن العبرة بمن يثبت حتى النهاية. فاصبروا وصابروا ورابطوا، فإن وعد الله حق، وإن النصر قريب بإذنه تعالى.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)