الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: "الثورة السورية: مسؤوليات المرحلة وأمانة بناء المستقبل وفق الشريعة". الواجب على الثورة السورية في المرحلة القادمة

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 11 ديسمبر 2024, 4:22:50 م
  • eye 163
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

منذ اندلاع الثورة، شهدت سوريا تحولات شديدة التعقيد أثرت على مختلف جوانب الحياة، سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا. فمع اشتداد الصراع وتصاعد العنف، انخرطت العديد من الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، مما أدى إلى تعقيد المشهد بشكل غير مسبوق. وعلى مدار السنوات، اتسعت الفجوة بين مكونات المجتمع السوري بسبب الانقسامات الأيديولوجية والطائفية والسياسية، مما جعل مهمة استشراف المستقبل أكثر صعوبة.

 

يتطلب تحقيق أهداف الثورة السورية تجاه النظام البائد وأذنابه، الشعب السوري المهجر، وإقامة دولة تقوم على العدل والمؤسسات بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية رؤى وخطوات مدروسة. ويمكن تقسيم هذه الواجبات إلى عدة محاور وهي .

 

1. تجاه النظام البائد وأذنابه

أولًا: السعي لتحقيق العدالة

من الواجب العمل على محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الشعب السوري من خلال محاكم عادلة تضمن الحقوق وفق الشريعة الإسلامية ومبادئ القانون. قال الله تعالى:
{وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59]،
وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" [أخرجه أبو داود والترمذي].
مع ضرورة أقامة محاكم ثورية عاجلة  لردع من تسول له نفسه ان يفكر في ظلم الشعب وخيانة الامانه التي وكلت اليه وحتى يشعرالمظلومين بشىء من الراحة وشفاء لما في صدورهم  كما قال تعالى 
( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم )
قال الشيخ السعدي رحمه الله :( وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين واعتنائه بأحوالهم حتى أنه جعل من المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم)
كما أن جمع الأدلة وتوثيق الجرائم لتقديمها للهيئات المحلية والدولية يعتبر من مقتضيات إقامة العدل الذي أمر الله به:


{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
ثانيًا: تعزيز وحدة الصف الثوري
لا يمكن للمعارضة تحقيق أهدافها دون توحيد الجهود والابتعاد عن الصراعات الداخلية والفرعية التي يستغلها النظام البائد. قال تعالى:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]،
وقال النبي ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" [رواه البخاري ومسلم].
ثالثًا: التخلص من بقايا النظام وأذنابه
يجب اجتثاث شبكات النظام المتغلغلة في المناطق المحررة وتجفيف مصادر دعمه المالي والسياسي والعسكري. قال تعالى:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113].


2. تجاه السوريين المهجرين


أولًا: تهيئة الظروف لعودتهم الآمنة

إقامة مناطق آمنة ومستقرة تضمن الكرامة والعدالة للسوريين الراغبين في العودة ضرورة ملحة. قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].

ثانيًا: توفير الدعم المعيشي والنفسي

الرسول ﷺ قال: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" [رواه مسلم].
ثالثًا: إعادة بناء الثقة
تعزيز التواصل مع المهجرين من خلال خطاب يعبر عن همومهم ويدعوهم  للعودة والمشاركة في بناء مستقبل سوريا. قال النبي ﷺ:
"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله" [رواه مسلم].
---
3. تجاه إقامة دولة المؤسسات والقانون بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية

أولًا: صياغة رؤية وطنية جامعة
وضع دستور إسلامي عصري يوازن بين تطبيق أحكام الشريعة ومتطلبات بناء دولة حديثة. قال تعالى:
{فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ} [ص: 26].
ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

ثانيًا: إنشاء مؤسسات الدولة
تأسيس مؤسسات فعالة في القضاء، التعليم، الأمن، والخدمات العامة. قال النبي ﷺ:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" [رواه البخاري ومسلم].
ثالثًا: تعزيز الحكم الرشيد الموافق للشريعة الإسلامية 
وتطبيق مبدأ الشورى  واحترام إرادة الشعب في اختيار قياداته من ذوي الكفاءات ووضع أهل التخصص في مجال تخصصهم . قال تعالى: 
{وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. وقال رسول الله اذا وسد الأمر إلى غير اهله فانتظر الساعة .
---
4. تجاه الداخل السوري


أولًا: رأب الصدع بين السوريين
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].
وقال النبي ﷺ: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا" [رواه البخاري ومسلم].
لذلك، فإن المصالحة بين جميع مكونات الشعب السوري ضرورة لضمان السلم الأهلي المصالحة مع الجميع الا من تلوثت يداه بالدم .
ثانيًا: تعزيز الأمن والاستقرار
إعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية في المناطق المحررة، مع تدريب كوادر محلية لضمان الأمن الداخلي.
---
5. تجاه المجتمع الدولي


أولًا: تحقيق الاستقلال السياسي

قال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
ويجب تجنب التبعية لأي جهة دولية، مع الحفاظ على علاقات دبلوماسية تخدم مصلحة الشعب السوري.
ثانيًا: التأكيد على الشرعية الثورية
تقديم الثورة كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، واستثمار الجهود الدبلوماسية لدعم قضايا الثورة في المحافل الدولية.
---
خلاصة
الواجب على الثورة السورية يتطلب خطة شاملة تقوم على توحيد الجهود، محاسبة النظام البائد، دعم السوريين المهجرين، وإقامة دولة مؤسسات تحكمها الشريعة الإسلامية، مع تحقيق التوازن بين القيم الإسلامية ومتطلبات بناء دولة حديثة تلبي تطلعات الشعب ونرجوا الله لهم التوفيق والسداد وأن يعينهم الله على هذه التبعية الثقيلة حتى يكونوا مثالا يحتذى به . واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)