الداعية الشيخ خالد سعد يكتب.. نداء إلى أهل سوريا: لا تكرروا أخطاء الآخرين

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 12 ديسمبر 2024, 8:56:17 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الحمد لله الذي جعل الجهاد في سبيله ذروة سنام الإسلام، وأمر بالعدل وأقام به السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم التنزيل: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للعالمين، والذي علَّمنا أن نصرة المظلوم واجب، وأن السكوت عن الظلم هلاك للأمة، فقال صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا." قالوا: يا رسول الله، كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم." 


يا أهل سوريا الأبطال، يا من كتبتم بدمائكم أروع صفحات النضال في سبيل الحرية والكرامة، يا من أثبتم للعالم أجمع شجاعتكم وإصراركم على إسقاط الظلم وتحقيق الحرية والكرامة، هذه كلمات من قلب محبٍ لكم، محذرٍ من عدو يتربص بكم ومن تجربة خاضها غيركم، ولكنهم لم يحسنوا إدارتها، فكانت سببًا في انتكاس ثوراتهم وعودة الظلم أشد مما كان إن ما تعيشونه اليوم هو لحظة فارقة في تاريخ أمتنا الإسلامية جمعاء. فيجب عليكم ان تعلموا أن الثورات لا تكتمل إلا باستئصال جذور الطغيان والفساد، لأن ترك الظالمين دون حساب سريع وحاسم هو خيانة للشهداء، وتفريط في الأمانة التي تحملتموها.

الثورات العظيمة لا تكتمل بإسقاط الطغاة فقط، بل بإزالة جذورهم وفلولهم الذين تربوا في مدارس الاستبداد وظلوا عبيدًا للطاغية. هؤلاء هم الذين يعرفون كل مفاصل الدولة ومخابئ السلطة؛ إن تُركوا بلا حسابٍ رادع، فسيتحينون الفرصة للعودة والانقلاب عليكم، مستخدمين ثغرات القانون والدساتير التي وضعوها هم لحماية أنفسهم.
محاكمة الظالمين: واجب شرعي ومطلب ثوري قال الله تعالى:"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"(سورة المائدة: 33)


فالظالمون الذين عاثوا في الأرض فسادًا، وقتلوا الأبرياء، وشردوا النساء والأطفال، لا يجوز أن يُتركوا دون عقاب. محاكمتهم ليست انتقامًا شخصيًا، بل هي تطبيق لشرع الله وحق المظلومين.قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوُدِّعَ منهم" (رواه أحمد).
 

وما أبلغ قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إنما تُقَام الحدود ليكف الناس عن المعاصي." محاكمة الظالمين واجبة حتى لا يظن المفسدون أنهم فوق القانون، وحتى لا يتجرأ غيرهم على السير في طريقهم.

أخطاء المصريين والتونسيين: دروس وعِبَر

لقد شاهدتم ما حدث في مصر وتونس وغيرهما؛ بعد أن ثارت الشعوب وأسقطت الرؤوس الكبرى، تُركت فلول الأنظمة البائدة دون محاكمة عادلة وسريعة. تُركوا ليعيدوا تنظيم صفوفهم، وليستغلوا القوانين التي كتبوها بأنفسهم، والقضاء الذي تحكموا به لعقود. فماذا كانت النتيجة؟

في مصر، عاد النظام القديم متخفيًا في عباءة جديدة، وانقلب على الثورة وأعاد عجلة الظلم والاستبداد بانقلاب عسكري مجرم استغل فيه رجال الأعمال الفاسدين والإعلاميين المنافقين الذي عملوا على تزييف الحقائق وتزويرها والقضاء الفاسد الذي تربى على الطبقية والمحسوبية والرشوة والشرطة التي تستعبد الناس وتفرض عليهم الاتوات وقادة الجيش الذين يظنون أنهم أصحاب البلد وان الشعب خادم عندهم .

وفي تونس، لا يزال النظام السابق وأدواته يعيقون مسيرة الشعب، مما حال دون تحقيق الأهداف الكبرى للثورة.


محاكمات ثورية لا تقبل التهاون

يا أهل سوريا، لا تجعلوا قوانين الطغاة ودساتيرهم سيفًا يُرفع عليكم بدعوى "العدالة"، فإن العدالة الحقيقية هي محاكمة الظالمين والمفسدين بسرعة وحزمٍ بما يناسب جرائمهم. هؤلاء الذين قتلوا الأبرياء، وشردوا الملايين، ودمروا البلاد، لا يستحقون محاكماتٍ بطيئة تُعطيهم فرصة التلاعب بالمشهد والهرب من العقاب.


إن المحاكم الثورية ضرورة لحماية الثورة واستقرارها، فهي ليست انتقامًا أعمى، بل عدالة رادعة تقتص للمظلوم وتضمن عدم تكرار المأساة، قال الله تعالى:"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (سورة البقرة: 179).

القصاص من الظالمين حياةٌ للأمة، فهو يردع الطغاة، ويحفظ كرامة الشهداء، ويحقق العدل الذي قامت الثورة من أجله.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة”، إن إقامة المحاكمات الثورية ضرورة لحماية الثورة، وهي ليست انتقامًا أعمى، بل هي عدالة رادعة تحفظ حق الشعب، وتمنع عودة الظلم تحت أي مسمى.



الحذر من ترك الفلول دون حساب


قال الله تعالى:"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (سورة الأنفال: 25).

إن ترك رموز النظام البائد دون محاسبة يُعرّض الثورة لفتنة كبرى، حيث سيجمعون صفوفهم، ويتآمرون لإعادة حكمهم الجائر. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المؤمن كَيِّس فَطِن، لا يُلدغ من جحر مرتين" (رواه البخاري).


الحذر من الانقلابات


إن لم يُحاسب المجرمون سريعًا، فسيتجمعون كالذئاب الجائعة، وسيبدأون في التآمر عليكم. سيستخدمون المال الذي نهبوه منكم، والعلاقات التي كوّنوها، والقوانين التي وضعوها ليعيدوا إنتاج أنفسهم. وحينها، ستجدون أنفسكم أنتم في السجون والمعتقلات، وستعود المشانق تُنصب للأحرار بدلاً من الطغاة.

 

خطوات لحماية الثورة


1. تشكيل محاكم ثورية فورية: تُدار بأيدٍ نزيهة من القضاة والشرفاء، تُحاسب كل من تورط في سفك الدماء ونهب الثروات.

2. إلغاء القوانين والدساتير القديمة: التي كانت أداةً في يد النظام البائد، واستبدالها بقوانين جديدة مستمدة من مبادئ الثورة وقيم العدالة.

3. منع الفلول من العودة للحياة السياسية: بأي شكلٍ من الأشكال، لأنهم يمثلون الخطر الأكبر على الثورة.

4. إعادة بناء المؤسسات: على أسس وطنية سليمة، بعيدًا عن أي تأثير أو سيطرة لأتباع النظام السابق.


5. التوعية الشعبية: لتحذير الناس من مخططات الفلول وإفشال أي محاولاتٍ لإعادة إنتاج الظلم والاستبداد.

 

كلمة أخيرة


قال تعالى "وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ" (سورة النساء: 104).


وإنكم أصحاب قضية عادلة، وثورتكم أمانة في أعناقكم. لا تسمحوا للظالمين أن يستغلوا ثغرات القانون أو ضعف الحزم لإعادة إنتاج الظلم. كونوا يقظين، واستلهموا من تاريخ أمتكم دروسًا في الحزم والعزم، إن الله ناصر من ينصره، فلا تخذلوا دينكم ولا دماء شهدائكم.


يا أهل سوريا، إن الله منحكم فرصةً عظيمة لتطهير بلدكم من الظلم، فلا تضيعوها بالتهاون أو التساهل. كونوا يقظين، ولا تدعوا أعداء الثورة يتسللون بينكم. اجعلوا من تجربتكم درسًا يُحتذى به في تحقيق الحرية والكرامة.


لقد قدمتم أغلى ما تملكون من أجل هذه الثورة، فلا تسمحوا لمن خانوا الوطن وأجرموا في حقكم أن يستفيدوا من تضحياتكم. اجعلوا العدالة شعاركم، والحزم منهجكم، حتى تبنوا سوريا التي تستحقونها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)