الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: مقاومة وكفاح الكادر الطبي في غزة - مستشفى كمال عدوان نموذجًا

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 29 ديسمبر 2024, 11:10:36 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مدخل إلى المشهد الإنساني في غزة

عندما تجتمع قسوة الاحتلال مع الحصار الخانق والفقر المدقع، تتجلى مأساة غزة كواحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العالم. وسط الدمار، نجد شعلة أمل تتوهج من خلال كفاح الكادر الطبي الذي يخوض معركة غير متكافئة لإنقاذ الأرواح في ظل ظروف مستحيلة. مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع يعد نموذجًا صامدًا للمقاومة الطبية التي لم تنحنِ أمام رياح الحصار أو أمطار الشتاء المرعبة.

مستشفى كمال عدوان: صرح في وجه المحنة

يقف مستشفى كمال عدوان في محافظة شمال غزة شاهداً على صمود أهل القطاع، وميدانًا للبطولة اليومية التي يخوضها الأطباء والممرضون تحت القصف والحصار. هذا المستشفى، الذي يعد ملاذًا للسكان في المناطق الشمالية، يعمل بطاقته القصوى رغم قلة الإمكانيات وانقطاع الكهرباء والموارد الأساسية.

الدكتور حسام أبو صفية، مدير المستشفى، يمثل نموذجًا للقيادة الطبية تحت النار. في ظل غياب المعدات الحديثة، ونقص الأدوية، وعدم توفر الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، أدار أبو صفية وزملاؤه هذا الصرح الطبي كأنهم في معركة حقيقية، لا تُسمع فيها إلا صرخات الجرحى والأطفال وأنين المرضى الذين تقطعت بهم السبل.

د. حسام أبو صفية: طبيب الإنسانية وأسير الحرية

لا يمكن الحديث عن مستشفى كمال عدوان دون ذكر الدكتور حسام أبو صفية، الذي لم يكتفِ بإدارة المستشفى، بل جعل من نفسه نموذجًا حيًا للطبيب الإنسان. يروي شهود عيان قصصًا لا تُنسى عن جهوده في إنقاذ الجرحى وسط القصف، وقيامه بعمليات جراحية معقدة على ضوء المصابيح اليدوية عندما تنقطع الكهرباء.

لكن هذه المواقف الإنسانية لم تشفع له أمام الاحتلال، الذي استهدفه بشكل مباشر. خلال إحدى جولات العدوان على غزة، اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى كمال عدوان واعتقلته، في مشهد يعكس أقسى درجات الظلم والتعدي على الإنسانية.* رجل ما هزته دولة نووية، ولا أخافته دبابات فولاذية، يضطر للذهاب لمصيره بقدميه الحافيتين، وكل حبة تراب تحتها تقبل ملامسه.*
‏صورة خذلان ملياري مسلم، صورة هوان 450 مليون عربي، صورة تآمر كوكب كامل على بقعة صغيرة اسمها "غزة".
* ولسان حال طبيب الإنسانية د. ⁧‫#حسام_أبو_صفية‬⁩

‏أمشي على جمر المخاطر حافيا
‏وتــثــور أشواقي فأكتم مـابــيـا

‏من أجل ديني قد هجرت دياريــا
‏وتركت أهلي في البــلاد بواكيــا

‏ أسره كان رسالة واضحة من الاحتلال: استهداف ليس فقط المقاومين بالسلاح، بل أيضًا أولئك الذين يقاومون بسماعة الطبيب وأدوات الجراحة.

الكادر الطبي في مواجهة القصف والجوع والشتاء القارس

الشتاء في غزة ليس كغيره من فصول العالم؛ فهو كابوس مضاعف يزيد معاناة الناس أضعافًا. البرد القارس يدخل إلى المنازل المهترئة، والمياه تغمر الشوارع والملاجئ المؤقتة، بينما يحاصر الجوع المرضى في المستشفيات. وفي هذه الظروف، يُجبر الكادر الطبي على العمل في بيئة تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، فضلاً عن الطب.

الأطباء والممرضون في مستشفى كمال عدوان يقدمون الخدمات الطبية لآلاف المرضى يوميًا، رغم قلة الموارد وانقطاع الكهرباء الذي قد يستمر لساعات طويلة، مما يهدد حياة الأطفال في الحضّانات والمرضى في غرف العمليات. ورغم كل هذا، تجدهم يبتسمون في وجه المرضى ليخففوا عنهم ألمهم، ويكتمون معاناتهم الشخصية ليواصلوا مسيرة العطاء.

معاناة أهل غزة بين المرض والجوع والبرد

الشتاء في غزة يأتي محمّلاً بالمعاناة. اللاجئون الذين هُدمت منازلهم بسبب القصف يلجأون إلى مدارس أو مخيمات لا تقيهم من البرد القارس. الأطفال يمرضون بسبب سوء التغذية، والنساء يعانين من نقص الرعاية الصحية، وكبار السن يواجهون صعوبة في الحصول على أدويتهم.

أما في المستشفيات، فالقصص لا تقل مأساوية. انعدام الوقود يؤدي إلى توقف مولدات الكهرباء، مما يهدد حياة المرضى في غرف العمليات ووحدات العناية المركزة. المرضى ينتظرون لساعات طويلة لتلقي العلاج بسبب الأعداد الهائلة التي تفوق قدرة المستشفيات على الاستيعاب.

رسالة للعالم: غزة تستغيث

إن قصة مستشفى كمال عدوان والكادر الطبي فيه ليست مجرد قصة معاناة؛ إنها رسالة للعالم بأسره بأن غزة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة. مقاومة الأطباء ليست بأيديهم فقط، بل بقلوبهم وعزيمتهم التي ترفض الانكسار.

غزة اليوم بحاجة إلى دعم إنساني عاجل: مساعدات طبية، وقود لتشغيل المستشفيات، مواد غذائية، وأغطية لتقي الناس من البرد. إن الصمت الدولي أمام هذه المأساة يعد مشاركة ضمنية في الجريمة الإنسانية التي ترتكب بحق أهل القطاع.

خاتمة

إن صمود الكادر الطبي في غزة، بقيادة أطباء أمثال الدكتور حسام أبو صفية، هو درس للعالم في الإصرار والأمل. هؤلاء الأبطال لا يحملون أسلحة، لكنهم يحملون رسالة أسمى؛ رسالة الحياة في وجه الموت. غزة اليوم تحتاج إلى دعمنا جميعًا، ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال. لنكن صوتًا لهؤلاء الذين يقفون على خط النار ليحموا آخر ما تبقى من كرامة الإنسانية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)