عبدلي محند اقران يكتب: سلسلة مسارات الإستحمار الوطني (1) ..مدرسة الفتوة و البلطجة

profile
محند امقران مدير مكتب شمال إفريقيا لموقع 180 تحقيقات
  • clock 18 أبريل 2023, 9:38:56 ص
  • eye 479
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ استقلالنا الشكلي و نحن في تيهان بحثا عن منظومة تربوية و مدرسة متأصلة و معبرة عن الوجدان الجزائري مساهمة في بناء إنسان ما بعد الإستدمار الفرنسي .

الأكيد أن بناء مثل هذه المنظومة يتطلب فكرا تنويرياوعقلانيا متبصرا ،واعيا بالرهانات التي يمكن أن تحيط بهذا المشروع الوطني المستدام ، وهي رهانات سلطوية داخلية ،ورهانات مرتبطة بالمستعمر الذي لم يخرج كلية و إنما ترك آثارا جلية على مجتمع منهك بالفوضى و الحرمان و الكبت و الصدمات المتتالية و رهانات إقليمية بفعل فضاءات الإنتماء المختلفة متوسطية ،إفريقية،عربية،و معسكرات الشرق و الغرب .هي جزء من مؤشرات و عوامل كان من المفروض أن تؤخذ بعين الإعتبار ، لأن المهم هو كيف نتوجه نحو منظومة  تربوية و مدرسة تحضر للمواطن الجزائري المرجو .لأجل ذلك فالمقاربة يجب أن تكون علمية ،إجتماعية،تربوية لأن هذه المنظومة كما قلت آنفا كان يجب أن تكون محصلة كل العوامل السابقة ، و مبنية على أسس علمية صحيحة مستقاة من علم الإجتماع التربوي و علم الإجتماع المدرسي ،أي أن مخابر البحث العلمي و الرصد الإجتماعي و الجامعة عموما هي نواة هذا المشروع لأنه على إرتباط وثيق بمشروع المجتمع المنشود 

بغض النظر على كل النعرات السياسية و السلطوية و صراع النخب و التيارات المختلفة  ، فالإجماع  الوطني حتى و إن كان في ظاهره متوجها نحو بناء الدولة المستقلة و المجتمع النهضوي الجديد ، إلا أنه سنوات فقط بعد الاستقلال سقط مشروع المنظومة التربوية في فخ التجاذبات ،سواءا نخبوية كانت أم سياسوية. مازاد الطين بلة هو تدخل أطراف لاشأن لها و لا تتوفر على أدنى خبرة علمية و تجربة مهنية في المجال التربوي ،التعليمي،المدرسي و هذا بفعل التراجع الرهيب لدور مخابر البحث العلمي الجامعة عموما، وبداية إتساع رقعة المقاربة الشعبوية على المقاربة العلمية ،التنويرية، العقلانية في التربية و التعليم 

لقد أدى تنافر النخبة ،إلى رهن مستقبل أجيال بكاملها .وبعيدا عن لغة الشعارات و الخطابات السياسية العرجاء و الجوفاء التي تتغنى في كل مرة بالأصالة و الوطنية و العظمة ، بأسلوب مقيت و ممل حد الغثيان 

فإن تجربة بناء مدرسة جزائرية و منظومة تربوية جزائرية قد شابتها خيبات  كثيرة و لعل البعض لا يوافقني الرأي فالعديد من الكفاءات الجزائرية هي نتاج هذه المنظومة ،لكنها كذلك نتاج تلاحمهامع التجارب العلمية في بلدان المهجر 

 لا أريد أن أطيل عليكم في السرديات و الكرونولوجيات التاريخية لمنظومة تربوية و مدرسة كان يمكن أن تكون منارة للعلم و المواطنة الفعالة الذكية و ركيزة لمجتمع يؤمن بالعلم و ب "اقرأ"التي بني عليها دين الدولة و الغالبية الساحقة للمجتمع الجزائري

إن صراع النخب و تغييب دور المثقف و تشجيع دور الإداري المحدود تكوينا و تجربة على حساب أهل الاختصاص قد أدى بالمنظومة إلى أن تكون مرتعا لكل من هب و دب و ما آل إليه الوضع ينبؤنا بالمزيد من الخيبات المستقبلية

غياب النظرة العقلانية المبنية على أسس علمية ،قد أدى إلى بلورة مناهج تدريسية بعيدة كل البعد عن القيم الوطنية و الغايات العلمية و التنويرية للنهوض بالنشأ

قلة الإهتمام بدور المعلم و الإطار التربوي من الناحية العلمية و التكوينية أدى إلى تراجع دور المعلم بعد أن كان قدوة ، أصبح غير محمي من الناحية المهنية أضف لذلك الوضعية الإجتماعية المتدهورة لسلك المعلمين و الأساتذة  في الأطوار الثلاثة الأولى 

قلة الإهتمام بالمدرسة كمؤسسة تربوية تعليمية تنشيطية و غياب الأنشطة التكميلية كالنشاطات الثقافية و الفنية و الرياضية و ظهور نشاط مواز لدور المدرسة ألا و هو دروس الدعم من القطاع الخاص الذي أصبح نشاطا تجاريا محضا بدون أسس علمية و تربوية 

غياب شبه كلي لجمعيات أولياء التلاميذ بفعل إستقالة الأولياء و بالتالي أصبحت المدرسة مكانا للتلقين السيء و إجترار المعلومات التي أتى عليها الزمن .هذا الغياب للأولياء و للمجتمع  المدني أدى بالمدرسة لتكون عرضة لمخاطر إجتماعية و آفات تسللت إليها بفعل الخيبات و التراكمات السلبية 

ظاهرة الاعتداء على الأساتذة و تنامي آفة العنف المدرسي بكل أشكاله ،تعاطي المخدرات و غيرها من المهلوسات ،الإختطاف،و آخرها ظاهرة الوخز بالإبر ،كلها عوامل تدل على أن المدرسة أصبحت دون دعم و غير محمية و عرضة لمخاطر قد تنسف بما تبقى لها من رسالة 

غياب الشراكات بين المدرسة و المجتمع المدني بكل بنياته الهادفة لتنشيط هذا الفضاء عن طريق النوادي العلمية ،السياحية و البيئية. هو عامل آخر من عوامل الإستقالة الجماعية و الشرخ الكبير الحاصل بين المجتمع و المدرسة 

 كل هذه العوامل ساهمت في تحويل هذا الفضاء الذي كان بإمكانه أن يكون فضاءا علميا تنويريا إلى فضاء تتقاذفه الإديولوجيات و الشعبويات المختلفة مما أدى لتحويل "منظومتنا " و مدرستنا إلى مدرسة للفتوة و البلطجة 

ما عليكم إلا التوجه لأقرب مدرسة ،لتلاحظوا الأمر خاصة على سلوك التلاميذ ،الذي يغلب عليه طابع العنف على حساب الكياسة و الإنضباط و النشاط الإيجابي .الأكيد أنه لا يجب أن نلقي باللوم على التلاميذ و النشأ فهو ضحية لهذا التوجه و لانسحاب الأسرة من تربية النشأ و إحاطته بوسائل التمكين الإجتماعي المهمة في التربية الأسرية 

لا يمكن للوضعية الحالية إلا أن تزداد سوءا و ترهن ماتبقى من أمل لدى بعض من  الكفاءات الوطنية .إن التوجه نحو التغطية على الوضعية بالخرجات الفلكلورية  للمسؤولين و الإشهار لبرنامج المنح المدرسية و إعانات الدخول المدرسي التي لا تصل في و قتها إن و صلت أصلا و تضخيم النتائج في الإختبارات الرسمية و التباهي برقمنة المدرسة و بالتوجه نحو مدرسة ذكية هي أمور واهية لا سند علمي عقلاني و ميداني لها.

 للخروج من هذه الوضعية المأساوية و بالنظر لغياب رؤية حقيقية لمثل هذه المنظومة فالأجدر التوجه نحو الطاقات الجامعية و الكوادر الجمعوية التي بإمكانها ممارسة الإبداع النضالي المسؤول و التأسيس لمبادرة و طنية جادة و مسؤولة ،فالجامعة و المجتمع المدني ورغم ضآلة الإمكانيات إلا أن شراكتهما في هذا المسعى يمكن أن تحدث الأثر ا لحميد على مستوى التوعية و التحسيس بضرورة النهوض بهذا القطاع ،مثل هذه الشراكة يمكن أن تؤسس لفكر جامع مانع يرمي لما يلي: 

أولا: التوجه نحو شراكات بين الجامعة،المجتمع المدني و الهيئات الوصية كخطوة لإحداث التقارب و التشاور 

ثانيا: التوافق على أرضية وطنية للنهوض بالمنظومة التربوية و المدرسة و هذا ب: تكثيف البحث و الإستشراف و تمويله.

تكوين كوادر المجتمع المدني و مرافقته في النشاطات و الخطوات الميدانية 

التأسيس لثلاثية تشاورية و مستدامة مبنية على الأسس العلمية ،السياقات الإجتماعية و الثقافية السائدة

ثالثا: تكثيف الجهود للحد من العامل الإديولوجي و السياسوي في هذا التوافق الوطني 

رابعا:  التوجه نحو شبكات إقليمية و عالمية لإستقاء التجربة و الخبرة في ميدان الإصلاح التربوي و المدرسي 

خامسا : التوجه نحو الإستثمار في المكتسبات الوطنية من تراث  ،ثقافة تعدد لغوي و التفتح على العلوم بمقاربة عقلانية 

سادسا: تعزيز دور المواطنة الفعالة و الذكية في التنمية الإجتماعية و في المنظومة التربوية قاطبة 

سابعا:  إعادة ربط المدرسة بالحياة و بالأسرة  و المجتمع بطريقة تفاعلية و تعزيز دور جمعيات أولياء التلاميذ و إصلاح نظمها و إطعامها بتجارب من جمعيات و مؤسسات تشتغل على التنشيط العلمي و الإجتماعي 

ثامنا:التأسيس لشراكات تفاعلية تعنى بالمدرسة و التربية ،تكون همزة وصل و ضغط إيجابي بين الهيئات الرسمية ،التوجهات الوطنية و الفعاليات على المستوى المحلي و الوطني  لإحداث الإستدامة في الرؤية و المشورة

يتبع 

2 هرطقات على أبواب الجامعة


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)