- ℃ 11 تركيا
- 4 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: رسالة إلى السيد أحمد الشرع
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: رسالة إلى السيد أحمد الشرع
- 1 يناير 2025, 1:27:37 م
- 366
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أحمد الشرع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يتجلّى في عظمته كل يوم بأمر وشأن فقال سبحانه وتعالى كلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، مالك الملك، القائل :
"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
أما بعد:
فهذه رسالتي ونصيحتي إلى القائد العام السيد أحمد الشرع، راجيًا من الله أن يجعلها معينًا له على أداء الأمانة التي تحملتها، ومسؤولية القيادة التي ألقيت على عاتقك.
فلقد توليتم قيادة وطن له تاريخ عريق وحضارة خالدة، بلدٍ كان عبر العصور منارة للعلم والثقافة، وملتقى للحضارات، وموئلاً للإيمان والعزة. سوريا، هذه الأرض المباركة التي عانت الكثير من الجراح والآلام، تنتظر منكم اليوم عهدًا جديدًا يعيد إليها روحها وقوتها ومكانتها بين الأمم. لقد دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً من الدماء والدموع والتهجير. ملايين فقدوا أحبابهم أو منازلهم، وملايين أخرى تتطلع اليوم إلى الأمل بمستقبل أفضل. مسؤوليتكم الأولى هي أن تكونوا عونًا لهذا الشعب الصابر، وأن تعملوا بكل إخلاص لرفع المعاناة عنهم، ورد الحقوق إلى أصحابها، وبناء وطنٍ يعيش فيه الجميع بأمان وعدل ومساواة.
ولذلك فإني أوصيك ب:-
1. تقوى الله في السر والعلن
أوصيك بتقوى الله تعالى في كل أحوالك، فهي وصية الله لجميع عباده، من الأنبياء والمرسلين إلى عامة المؤمنين. قال الله تعالى:
"وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ"
فاجعل مخافة الله هي البوصلة التي توجهك في قراراتك، فبتقوى الله تُحفظ الدول، وتثبت الأقدام، وتُحقق النصر على الأعداء.
2. الاقتداء برسول الله ﷺ
إن أعظم قدوة للقائد المسلم هو رسول الله ﷺ، فهو النموذج الأكمل في القيادة والإدارة. قال الله تعالى:
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"
كان النبي ﷺ رحيمًا بأصحابه، حازمًا في أموره، لا تأخذه في الله لومة لائم. كان يُشاور أصحابه ويستمع إليهم. قال الله تعالى:
"وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ"
فاقتفِ أثره في العدل والرحمة والحكمة، وكن قائدًا يتبع منهج النبوة في التعامل مع الأمة.
3. اجتثاث أركان الطغيان والفساد
إياكم أن تتركوا طاغوتًا ولا عونًا من أعوان الظلم ولا ركنًا من أركان النظام السابق إلا اجتثثتموه وأزلتموه، فهذا من أسس تحقيق العدل. قال الله تعالى:
"وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"
ولا تستقيم أمور الأمة إلا بإزالة الفساد من جذوره، حتى يتمكن العدل من الحكم، وينعم الناس بالأمن والاستقرار.
4. الحكم بالعدل وتجنب الظلم
فلا تحكم في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين. قال الله رب العالمين:"وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"
وقد قال النبي ﷺ:
"اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [رواه مسلم].
فكن رحيمًا بعامة الناس، وعدلاً في قضائك، وابتعد عن التحيز والمحاباة، فإن الظلم يُهلك الأمم.
5. الحزم مع الحكمة
إن القيادة تتطلب القوة من غير شدة، والحلم من غير ضعف. قال النبي ﷺ:
"اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِ، فَارْفُقْ بِهِ" [رواه مسلم].
واجعل بينك وبين الناس شعرة معاوية، بحكمته ودهائه، فيجمعون على حبك واحترامك، فيكونون سندًا لك.
6. إعمار البلاد وتطويرها
إصلاح البلاد وتوفير سبل العيش الكريم لأهلها أمانة عظيمة. قال الله تعالى:"هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"
وهذا يكون ب
أولاً: توفير سبل العيش الكريم
محاربة البطالة وخلق فرص عمل للشباب.
تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ضمان العدالة الاجتماعية.
ثانيًا: تطوير التعليم
إصلاح المناهج الدراسية.
بناء المدارس والجامعات.
تأهيل المعلمين وتشجيع البحث العلمي.
ثالثًا: تطوير النظام الصحي
بناء المستشفيات والمراكز الصحية.
دعم الصناعات الدوائية الوطنية.
تحسين ظروف الأطباء وتوفير التأمين الصحي للجميع.
رابعًا: تقوية الجيش وتعزيز الأمن القومي
تطوير الصناعات العسكرية المحلية.
توفير التدريب المستمر للجنود والضباط.
7. الحذر من الإرهاب الفكري والإعلامي
إياك أن تنساق وراء الإرهاب الفكري والإعلامي الذي يريد أن يُسيرك وفق أجندات خارجية. قال الله تعالى:
"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ"
كن واعيًا في التعامل مع وسائل الإعلام، ولا تسمح لأعداء الأمة بالتأثير في قراراتك.
8. التعامل مع الأقليات
أوصيك بالأقليات خيرًا ما داموا ينصاعون لحكمك ولم يحملوا السلاح ضدك. قال النبي ﷺ:
"مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [رواه أبو داود].
أما إن رأيت منهم خيانة فلا تتهاون في ردعهم.
9. اختيار الكفاءات
لا تولِّ المناصب إلا لمن تثق في أمانته وكفاءته. قال النبي ﷺ:
"إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"
فإن من أكبر الأسباب التي تخرب الديار وتهلك الأمم تزداد خيانة وليّ الأمر الّذي تسند الأمور إلى غير أهلها،فإذا اختير الجهلة أو الخونة أو الضّعفاء، كان ذلك دليلاً على خيانة الأمانة وضياعها .
10. مجلس الشورى
والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه.
فاتخذ مجلس شورى من أهل الخبرة والثقة، فالشورى من أعظم أسباب النجاح. قال الله تعالى:"وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ" وقال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم.
11. العلماء الصادقون
قرب العلماء الصادقين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وابتعد عن علماء السوء والمطبلين. قال النبي ﷺ:
"ويلٌ لأمتي من علماءِ السوءِ يتخذونَ هذا العلمَ تجارةً يبيعونها من أمراءِ زمانهم" فالعلماء الربانيون يصدحون بالحق، ولا تأخذهم فيه لومة لائم، فحفظوا للعلم هيبته وسلطانه، إذا أستشارهم الحاكم العادل وطلب نصحاً بذلوه، وإذا توعدهم الظالم ثبتوا على الحق وجهروا به، علموا أن الله خصهم دون سواهم بعلم علمه إياهم، وحملهم على عاتقهم أمانة عظمت معها مسؤوليتهم، فحفظوا عهد الله ببيان ما ولاهم إياه "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ" واحذر من علماء السوء أولئك الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها"، تلك الطائفة التي ما انفكت تعين على الباطل وتروج له بالصد عن سبيل الله وتحريف الكلم عن مواضعه وقطع الطريق التي تصل العباد بالله، والتي جعلها حكام السوء في كل زمان مطية لتزيين الشهوات وتبرير المنكرات.
ختامًا:
اجعل ربك قصدك وغايتك، وادعه أن يُوفقك ويهديك. قال الله تعالى:
"فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ" وفقك الله لما فيه خير الدنيا والآخرة، وجعلك سببًا في عز الإسلام والمسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.