- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
نصر القفاص : يعيد قراءة مذكرات الرئيس " المظلوم" محمد نجيب ١
نصر القفاص : يعيد قراءة مذكرات الرئيس " المظلوم" محمد نجيب ١
- 1 أبريل 2021, 11:18:53 ص
- 1381
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الحلقة الأولى
مقدمة : الذين يمارسون "البورنو السياسي"... يخرسون!! ....يقول حكيم صيني أن "الإنسان الخير هو من يلتف حوله الأخيار, ويلعنه ويحاربه الأشرار"!!
على هذه الأرضية أفهم التاريخ وأناقشه.. فإذا كان "الولد الذى حكم مصر" يدافع عنه محدودي الفهم والمعرفة.. فنحن لدينا شخصية أخرى, إرتدى الأشرار قميصها وحاولوا أن يجعلوا منه "قميص عثمان" هجوما على ثورة 23 يوليو وزعيمها الذى هو "جمال عبد الناصر" والمثير – وليس غريبا – أن تلك الشخصية كانت واجهة تلك الثورة.. أقصد "محمد نجيب" الذى كان رئيس الوزراء الثانى بعد 23 يوليو, وأول رئيس لمصر بعد أن أصبحت جمهورية.. والرجل كان ضابطا قبل أن يولد "عبد الناصر" وعاش بعد رحيله لسنوات طوال.. ثم كتب مذكراته, لتكون شهادة للتاريخ وكاشفة لشخصيته وفكره ومواقفه.
صدرت مذكرات "محمد نجيب" فى لحظة مريبة.. تم استخدامها لسنوات كسلاح غامض!! دون أن تلفت أنظار المؤرخين ولا المثقفين الجادين, حتى لو قرأوها.. وقد يكون لذلك أسباب أو معان, حتى جاءت لحظة فوجئنا فيها برفع راية "محمد نجيب" عالية خفاقة بدعوى تكريم رجل ظلمته الثورة وزعيمها.. فسر البعض ذلك بأنه يحمل معان الوفاء واحترام قيمة التاريخ.. ثم فوجئنا بأن ما يحدث كان موجة جديدة, تستهدف أعظم ثورات العصر الحديث.. والموجة الجديدة هدفها تعميق فكرة كراهية الثورات – أى ثورات – ثم التقليل من رموز العسكرية المصرية لحساب "خدم الملكية والاستعمار"!! ولنا أن نعلم حقيقة مهمة, وهى أن المنهج ذاته تم استخدامه ضد "أحمد عرابي" كرمز من رموز العسكرية المصرية الذين تم إجهاض مشروعهم جنينا.. حتى جاء "عبد الناصر" ليتمكن بقدرات فكرية عميقة, ورؤية واضحة للمستقبل فى ضوء فهم شديد الوعى للماضي.. من وصل ما بدأته تلك الرموز, وذلك جعله يبنى مشروعا ضخما للوطن يملك أدوات وإمكانيات لا يفهمها غير هذه النوعية من الرجال الوطنيين.
دعنا من "عبد الناصر" لأن الموضوع هو "محمد نجيب" الذى اخترت إعادة قراءته لكشف خبث القائمين على تشغيل ماكينات "تزوير التاريخ" ورأيت أن أفضل طريق لذلك هو أن أقرأ بصوت عال مذكرات "محمد نجيب" لأنها تحمل الرد الواضح على من يرفعون قميص "محمد نجيب"!! ورغم صعوبة ذلك لأسباب ستكشفها سلسلة حلقات "محمد نجيب الذى لا يعرفه المصريون"!! إلا أننى أقدمت على هذا العمل, وكلى أمل أن نعيد قراءة الرجل وحكايته باعتباره كان "جملة عابرة" فى تاريخ مصر.. ولكى يخرس الذين يمارسون "البورنو السياسي" فى وضح النهار!!
"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (1)
من هو اللواء "محمد نجيب" أول رئيس جمهورية لمصر بعد سقوط الملكية؟!
بعضنا – أو قل الأغلبية – لا يعرف غير أنه الرجل الذى ظلمته ثورة 23 يوليو!! وبعضنا وهم أقلية ضئيلة, قرأوا التاريخ ويعرفون الإجابة.
إذا حاولت أن تعرف "محمد نجيب" ودوره.. لا تجهد نفسك كثيرا.. أستطيع أن أدلك على كتاب "كنت رئيسا لمصر" الذى كتبه "محمد نجيب" نفسه.
لا تفزع إذا وضعت أمامك بعض عناوين شخصيته وأفكاره.. لا تندهش إذا قلت لك أنه كان – ومازال – السلاح السرى للهجوم على "جمال عبد الناصر" حيا وميتا!!
الرئيس "محمد نجيب" هو القائل: "كنت أول من أطلق الضباط الأحرار على التنظيم الذى أسسه جمال عبد الناصر.. وان أعتذر عن هذه التسمية.. فهؤلاء لم يكونوا أحرارا.. إنما كانوا أشرارا.. كان أغلبهم من المنحرفين أخلاقيا واجتماعيا"!!
الرئيس "محمد نجيب" قال فى مذكراته: "المثقفون وأصحاب النفوذ يتاجرون بمعاناة الشعب"!!
الرئيس "محمد نجيب" قال: "بعد حادث المنشية – محاولة اغتيال جمال عبد الناصر – بدأت مهزلة اعتقال ومحاكمة الإخوان فى جو من الضغط والإرهاب والسخرية بكل شئ.. سخرية بالقيم والمبادئ.. وحتى بكتاب الله!! وكانت مشاعري مع الإخوان, رغم أنهم تخلوا عنى وعن الديمقراطية!! كانت مسرحية لتحويل عبد الناصر إلى بطل شعبي.. ولكى يتم التخلص من القوة الوحيدة الباقية وهى الإخوان.. المسدس الذى تم إطلاق النار منه.. كان محشوا برصاص فشنك"!!
الرئيس "محمد نجيب" عاش ومات مؤمنا – كما جاء فى مذكراته – بأنه: "من المناسب أن تعيش إسرائيل فى المنطقة كدولة الفاتيكان.. فهى ببساطة أصبحت أمرا واقعا, وكانت مستعدة لأن تعيش كدولة صغيرة بين جيران كبار.. لكننا لم نكن مستعدين لذلك, ورفعنا شعار تحرير فلسطين للاستهلاك المحلى.. ولقد كنت مستعدا لقبول السلام مع إسرائيل, بشرط أن تقنع العرب بأنها مستعدة للحياة بينهم, ومستعدة تترك الأخرين يعيشون"!!
الرئيس "محمد نجيب" كتب فى مذكراته يقول: "السلطة العسكرية.. أو الديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيم سياسي .. لا تطيق كلمة واحدة ولا نفسا ولا حركة"!!
وقال الرئيس "محمد نجيب" فى مذكراته: "عندما فكرنا فى 11 فبراير عام 1954 فى تأسيس شركة الحديد والصلب, نصحنا الخبراء الأجانب بألا نفعل.. لأن التكلفة الاقتصادية للحديد والصلب لن تكون مجزية.. لكن عبد الناصر رفض النصيحة وأسعده الكلام الدعائي"!!
الرئيس "محمد نجيب" قال: "سر إحجام الأمريكان عن تقديم المعونة العسكرية لمصر, كان سببه وقوفهم مع عبد الناصر ضدي.. ليصبح مدينا لهم.. فهو كان على صلة وثيقة بالأمريكان.. وقرأت عن علاقته بالمخابرات الأمريكية"!!
الرئيس "محمد نجيب" كتب فى مذكراته: "المشروعات الضخمة التى أقيمت فى الستينات كانت بلا تخطيط.. كانت بلا كوادر تديرها.. كانت مبانى بلا معانى.. كانت دعاية لا ضرورة اقتصادية لها.. وسمعت أن أحد أهداف العدوان الثلاثي على مصر, هو إعادتي للحكم"!!
الرئيس "محمد نجيب" هو القائل فى مذكراته: "عبد الناصر فرط فى السودان, وترك لهم حلايب وشلاتين.. فهو فرط فى السودان وجرى إلى وحدة فاشلة بين مصر وسوريا.. وانتهى به الأمر إلى هزيمة يونيو 1967"!!
الرئيس "محمد نجيب" أكد: "كنت ضد قانون الإصلاح الزراعي لأنه سيفتت الرقعة الزراعية.. وأقنعني به شاخت الخبير الاقتصادي الألماني.. وافقت عليه متأخرا ثم أدركت أننى أخطأت فى ذلك"!!
الرئيس "محمد نجيب" قال فى مذكراته: "بعض رجال عبد الناصر جاءوا يطلبون منى أن أسامحهم.. قالوا لي أنه صدرت تعليمات لهم بقتلى وإخفاء جثتي فى حامض مركز, لكن ضميرهم استيقظ ورفضوا تنفيذ التعليمات"!!
الرئيس "محمد نجيب" قال: "تعذبت وأولادي داخل معتقل المرج – فيلا زينب الوكيل حرم مصطفى النحاس – وعشت أياما سوداء تعرضت فيها للإهانة"!!
الريس "محمد نجيب" ذكر بوضوح: "بعد أن انتهى عصر الإرهاب – يقصد بوفاة عبد الناصر – قال لي السادات عام 1971.. أنت حر طليق"!!
الريس "محمد نجيب" رفض أن يترك ما وصفه بالمعتقل – فيلا زينب الوكيل – طلب أن يستمر فيها.. عاش 13 عاما بعدها فى المعتقل نفسه بإرادته ومباركة "السادات" ثم "مبارك"!! وأوضح أن ورثة "زينب الوكيل" كسبوا قضية استعادة هذه الفيلا – المعتقل – سنة 1984, "فأعطاني الرئيس مبارك شقة أعيش فيها!! وحزنت أننى لم أتمكن من مواصلة حياتي فى هذا المكان"!!
الرئيس "محمد نجيب" نشر مذكراته عام 1984 لتحظى باهتمام ورعاية غير مسبوقين لأى كتاب طوال نصف قرن.. مئات الأخبار.. عشرات الموضوعات.. عشرات المقالات تتناول "الرئيس المظلوم" الذى ذبحته ثورة يوليو.. كانوا يرشقون "عبد الناصر" تحديدا بهذه السهام!! أربعة طبعات فى أول عام صدرت فيه هذه المذكرات.. كان يتم توزيعها مجانا على أناس بعينهم!!
كانت النتيجة عكسية.. لأن من يعرفون التاريخ, فهموا مغزى هذه الموجة الجديدة ضد "عبد الناصر" باستخدام مذكرات "محمد نجيب"
.. ومن هنا نبدأ فى إعادة قراءة هذه المذكرات, لأنها تحمل ملامح الصورة التى أرادوها من استخدام "محمد نجيب" لإطلاق النار على "عبد الناصر" أملا فى اغتياله ميتا بعد أن فشلت محاولات اغتياله حيا!!
مهم أن أشير إلى أن مذكرات "محمد نجيب" مازالت معروضة فى دور النشر, فقد تمت طباعتها لأكثر من عشرين طبعة.. ما كان يتم ترويجه منها, هو بكائياته على نفسه من الظلم الذى تعرض له.. كان يتم إخفاء أرائه الصادمة, وأكاذيبه الواضحة.. والتى بدأت ببعضها فقط.. لكن القراءة الهادئة بالتفصيل, تكشف أن الرجل كان مجرد "جملة عابرة" فرضتها الظروف ورؤية "جمال عبد الناصر" بأن يكون هناك ضابط كبير كواجهة للثورة.. وذلك تحدث عنه الريس "محمد نجيب" وقال: "عبد الناصر كان يريد اللواء محمد صادق رئيسا لتنظيم الضباط الأحرار.. لكن عبد الحكيم عامر أوضح له أن محمد نجيب كنز عظيم"!!
المزعج فى مذكرات "محمد نجيب" هو هذا التناقض الواضح جدا فى رواياته.. فهو يتحدث عن موقف ويذكر تفاصيله.. ثم يعود فى موضع آخر ويقول تفاصيل أخرى عكسها, ويغير رأيه إلى العكس.. ثم يقول أن ذلك سببه إيمانه بالديمقراطية.. فهو يعبر عن موافقته على أن يتم اتخاذ قرارات ومواقف باسمه, رغم عدم قناعته ورفضه لها.. لأنه ديمقراطى يذوب عشقا فى الحرية!! وفى كل الوقائع التى يدعيها وينسبها لنفسه, ستجد أنه تربى على الديكتاتورية.. لا يفهم غير الديكتاتورية.. وهذا ليس اتهاما له.. لكن مذكراته التى قدم فيها نفسه تؤكد ذلك, ولا تحتاج إلى جهد أو تأويل.. وتكشف سيرته – كما كتبها – أنه "رجل طيب" أو قل "مواطن صالح" ووصوله إلى رتبة اللواء فى الجيش تعكس منهج التعامل مع الجيش منذ تم حله بعد أن احتل الانجليز مصر عام 1882.
لا أحب أن أسبق الأحداث لفرض رؤيتى.. دون أن أنفى قراءتى وفق رؤيتى..
الحقيقة أن قراءة مذكرات "محمد نجيب" تكمن صعوبتها فى أنها تجعلك تضحك كثيرا.. وتفرض عليك أن تراجع ما سبق أن تحدث عنه, إذا عاد ليتذكره لارتباطه بحدث جديد.. فهو يدافع عن الملك "فاروق" ويكتب استقالته احتجاجا على إهانته يوم 4 فبراير عام 1942.. ثم يسهب فى الحديث عن الملك الفاسد النصاب الجاهل!! وهو يتحدث عن تسلق الأسوار من فيلا "حمد الباسل" إلى فيلا "مصطفى النحاس" ليعرض عليه قيادة انقلاب بالجيش للتخلص من الملك.. ثم يقول أن "النحاس" رفض ذلك لإيمانه بأن يكون الجيش بعيدا عن السياسة!! وهو يدعى أنه كان يغضب من "عبد الناصر" ويقوم بالصراخ فى وجهه.. كان يعنفه لكى يتعلم.. دون أن يرد عليه حتى بإبداء علامة غضب.. فهو يقول: "كان عبد الناصر يصمت ويطأطئ رأسه"!! وهو يدافع عن "الإخوان" طوال الوقت.. حتى بعد أن عرف تفاصيل اعترافاتهم ضده!!
نبدأ من أول صفحة فى مذكرت الرئيس "نجيب"
هو يقول: "لا أعرف بدقة تاريخ ميلادى"!! ثم يشرح السبب فى أن له ثلاثة تواريخ لميلاده.. التاريخ الأول استدل عليه من مفكرة والده الذى كتب فى 28 يونيو 1899 "نمرة واحد"!! "فتصورت أن هذا تاريخ ميلادى, حتى عرفت أن أبى تزوج قبل ارتباطه بأمى وأنجب منها أخى عباس".. ذلك جعله يتشكك فى تاريخ ميلاده.. أما التاريخ الثانى فقد قرره القسم الطبى فى الجيش وهو 19 فبراير 1902 لكنه يشك فى دقة ذلك.. هو يقول فيما كتب بمذكراته: "أطمئن أكثر للتاريخ الثالث وهو 7 يوليو 1902 حيث أكد لى أحد كبار العائلة أننى ولدت قبل أحد أقاربى بأربعين يوما.. وبالحساب يصبح تاريخ ميلادى.. هو التاريخ الثالث"!!
يأخذك بعد ذلك الرئيس "محمد نجيب" فى مذكراته إلى جذوره.. بداية من جده لأمه الذى كان ضابطا فى الجيش بالسودان.. ويحكى أن الثورة المهدية قتلت جده مع أشقاء جده الثلاثة – رضوان وشرف وأحمد – وكلهم كانوا ضباط!! ثم يحكى أن جدته اضطرت للعمل فى حياكة ملابس الدراويش للإنفاق على الأسرة.. ثم يحدثك عن خاله "عبد الوهاب" الذى هرب من الأسرة, وذهب إلى مصر وقابل الخديوى "عباس حلمى" الذى أمر بتعليمه فى المدرسة الحربية!! بعدها يحكى قصة والده وزواجه, ولن أسهب فى تقديمها حتى لا يتهمنى أحد بأننى أحاول السخرية من الرئيس الأول لمصر بعد إعلان نهاية الملكية!!
يقول بعد ذلك: "عاش والدى فى السودان حتى وفاته, وأنجب ثلاثة أبناء أنا أكبرهم.. والثانى على وكان لواء فى الجيش حتى ثورة يوليو, ثم أصبح سفيرا لمصر فى سوريا – لسنوات بعد عزل نجيب – والثالث هو الدكتور محمود إضافة إلى ستة بنات".. وكتب تفاصيل حياته من الطفولة, حتى توفى والده وعمره 13 عاما.. "بعدها دخلت مدرسة جوردن التى أشرف الانجليز على إدارتها, لتعليم أبناء السودانيين.. كانوا يمنعون المصريين.. لكنهم قبلونى كاستثناء لأن والدى كان من موظفى الحكومة السودانية"!!
بعد هذا التقديم.. كشف "محمد نجيب" عن نضاله ضد الانجليز دفاعا عن مصر, لدرجة أنهم عاقبوه بعشر جلدات على ظهره!!.. وتلك حكاية لطيفة.. يتبع