عبود مصطفي عبود : في شارع الحمرا ٣-٣

profile
عبود مصطفى عبود كاتب وناشر
  • clock 1 أبريل 2021, 11:28:19 ص
  • eye 1101
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قلت لها: احكي.

قالت: يا أستاذ لماذا ترغب في سماع قصتي؟ وليه حابب تقلب عليا المواجع.

قلت: تصورت أن الحكي سيزيح عن قلبك هموم ثقال.

قالت: باختصار عائلتي كلها أبيدت في الصراع الدائر في سوريا، وكل أطراف الصراع قتلوا عائلتي، وفررت إلى هنا، وليس لي عمل، لذا أقرأ الكف، لأتحصل على ما يعينني على الحياة.

قلت: لماذا اختصرت الحكاية في بضعة كلمات، كنت أريد أن أتعرف عليك أكثر.

نظرت إلى السماء فبدا جمالها براقا وهي تقول: ليتني أقدر على الحكي، أنا أرغب في ذلك جدا، لكنني لا أقدر على الأقل الآن.

قلت لها: على فكرة قصتك في جانب منها تشبه قصة سامية محمود، على الأقل حياتك في بيروت..

ضحكت بصوت مرتفع وظهرت غمازتيها قائلة: أوعى تكون فاكر نفسك محمود يس.

أجبتها: لا لا إطلاقا، لا أشبهه ولا أعيش في بيروت وحيدا ومفلسا وأرغب فيمن تؤنس وحشتي، أنا هنا في مهمة علمية، سأنتهي منها خلال يومين وأعود إلى وطني، لكن منذ رأيتك شيئا ما جذبني إليك، وزاد هذا الشيء بعد أن قرأتي لي الكف.. على فكرة

أنا سعيد جدا إنك شاهدت الفيلم وفهمتي سريعا من أقصد بسامية محمود.

ابتسمت في حياء قائلة: في بيروت هذه الأيام مئات من سامية محمود، سوريات ولبنانيات.. الحال سيء جدا يا أستاذ، سامية محمود كانت تحصل على راتب ٣٥٠ ليرة في الشهر وكانت تشتكي، الآن زجاجة المياه الصغيرة سعرها ٥٠٠ ليرة.

جلسنا معا مدة طويلة قد تكون تزيد عن ساعتين، تكلمنا في الفن والأدب، وسمعت منها بعض النكات، أبهرتني بأسلوبها في الحكي، وضحكاتها الرنانة، لكن أجمل ما لفت نظري جمال عينيها وهي تبتسم في خجل، وللأسف استأذنتني في الرحيل.

وتحركت أنا أيضا للحاق بموعد هام في الدار العربية للعلوم، جلست مع ثامر شبارو نتحدث، وأنا أفكر فيها، طاف بي ثامر في الدار ورأيت العناوين الجديدة، والمطبعة، وأطلعني على كل جديد في عالم النشر في لبنان، شكرته على كرم الضيافة وحسن الاستقبال وتركته، قررت الذهاب إلى الروشة مشيا، قبل العودة للفندق، تذكرت أن لدي موعد لزيارة المتحف الوطني، وطريق الشام، وفي الليل دعوة للعشاء.

فكرت في الاعتذار عن ذلك كله لكنني تراجعت، وعدت للفندق للراحة والاستعداد لباقي البرنامج.

أخذت حماما باردا، ونمت بضع دقائق حتى الساعة الرابعة عصرا، استيقظت على مكالمة من الدكتورة بينيلا، قالت فيها أنها جهزت بعض الأشياء تود أن أحملها معي لصديقتها في القاهرة الدكتورة هبة مصطفى وهي صديقة لكلينا، أتفقت معها أن تمر علي في الفندق في السابعة قبل تحركي لأستلم منها هذه الأمانة.

ارتديت ثيابي، وصليت وقررت التجول في شارع الحمرا وتناول الغدا في مطعم (أبو نعيم)، والتمشية قليلا، حتى يحين موعد الدكتورة بينيلا، بعد ذلك أتحرك لاستكمال برنامج اليوم، كان الجو لطيفا في مطعم ( أبونعيم) والطعام لذيذا، خرجت من المطعم وذهبت إلى دار النهار، ومنها إلى مكتبة أنطوان، ثم مكتبة بيسان، وأخيرا قررت العودة، في بهو الفندق رأيتها واقفة مع فتاة الفندق، التي ابتسمت عندما رأتني قائلة الأستاذة سامية كانت تسأل عنك، شكرت الفتاة،ثم تنحيت بها جانبا في صالة الفندق وقلت لها لماذا تسألين عني، حسبت أننا لن نلتقي مرة أخرى، قالت: لأنني شعرت معك بالأمان وهو الشعور الذي أفتقده منذ سنوات، لذا جئت إلى الفندق وسألت عنك وقلت للموظفة اسمي سامية، اسم بطلة الفيلم، وكنت سأترك معها هذا المظروف لك، لكن من حسن الحظ أنني قابلتك لأعطيه لك بنفسي.

أخذت المظروف قائلا: وعلى ماذا يحتوي؟

قالت في أسى: على سامية الحقيقية، فيه ستجد حكايتي ومأساتي وصوري وكل شيء.. خذه واحتفظ به، وعدني أن تكتب حكايتي كاملة يوما ما.

أخذت المظروف قائلا: أعدك.

لمحت شبح ابتسامة على وجهها وهي تقول: لقد وعدتني بأمر آخر قبل هذا .. هل تذكر؟

أشرت بعيني وأنا أقول نعم أذكر.

مدت يدها لي مصافحة، قائلة: أتمنى أن أراك مرة أخرى، لو عدت إلى بيروت مرة أخرى ابحث عني، ورحلت.

بعد عودتي للقاهرة قرأت حكايتها أكثر من مرة وأستعد لأرويها في كتاب، وأتمنى أن أراها مرة أخرى.




هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)