تقرير إنساني مؤثر نُشر في The Observer، يروي ثلاثة من كتّاب مشروع "لسنا أرقامًا" (We Are Not Numbers) تفاصيل من حياتهم وتجاربهم في غزة

"لسنا أرقامًا".. كيف تصارع الأحلام القهر اليومي وتقاوم الحياة ركام العدوان بغزة؟

profile
  • clock 13 أبريل 2025, 3:18:40 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

في تقرير إنساني مؤثر نُشر في The Observer، يروي ثلاثة من كتّاب مشروع "لسنا أرقامًا" (We Are Not Numbers) تفاصيل من حياتهم وتجاربهم في غزة، وسط الحرب والحصار، حيث تصارع الأحلام القهر اليومي، وتقاوم الحياة ركام العدوان.

إيمان شوا: من طفلة مبهورة بالقصور إلى "جراحة" للمباني التاريخية

منذ أن كانت تسير إلى مدرستها الابتدائية، جذبت إيمان شوا المباني التاريخية الشاهقة في البلدة القديمة بمدينة غزة. تساءلت بفضول: "لماذا تختلف هذه البيوت عن بيوتنا؟"، لتبدأ رحلتها في اكتشاف تاريخ العمارة الغزية.

أجابت والدتها بتشبيه بليغ: "غزة مثل الإنسان، تبدأ صغيرة وتنمو وتشيخ. كذلك المباني، تولد بشكل وتتحول بمرور الزمن." هذا التشبيه كان كافيًا لإشعال شغف إيمان بالعمارة القديمة، خاصة قصر الباشا، الذي تقول الأسطورة إنه بُني حبًا بغزية أسر قلب السلطان الظاهر بيبرس.

حين شاهدت لاحقًا فيلمًا وثائقيًا عن علماء الآثار، بدأت ترى هؤلاء المختصين كـ"جراحين" يرممون أحجار التاريخ. ومن هنا وُلد حلمها بأن تصبح "جراحة مبانٍ تاريخية"، لتلتحق بكلية الهندسة المعمارية في الجامعة الإسلامية بغزة عام 2008.

ساهمت إيمان في جمع البيانات عن سكان المباني التاريخية لتحديد أولوية الترميم، وشاركت في مركز "إيوان" للتراث الثقافي، لكنها اكتشفت واقعًا مؤلمًا: غياب الموارد، ندرة الخبرات، وتحول الأولويات تحت نيران الحرب. فالحصار الإسرائيلي يمنع إدخال المواد اللازمة للترميم، فيما يُستخدم ما يتوفر منها لإعادة بناء ما دمّرته الغارات.

تقول إيمان بأسى: "إذا كانت الأرواح تصرخ ولا يسمعها أحد، فهل ستُسمع أحجارنا؟ غزة مدينة لا تحكي فقط تاريخ فلسطين، بل تاريخ الإنسانية."

واليوم، وبعد أن نزحت ثلاث مرات منذ بداية الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر 2023، لا تدري إيمان ما حلّ بالمباني التي عشقت ترميمها. كل ما تعرفه أن أكثر من 60% من مباني غزة دُمّرت، والباقي متصدع.

لبنى أبو هاشم: فتاة غزية تقود ثورة الهمبرغر

آماني شعت، شابة فلسطينية تبلغ من العمر 25 عامًا، قررت أن تفتح أول كشك شوارع تديره امرأة في غزة. أطلقت عليه اسم Salt3 Burger، وسرعان ما اجتذب الحشود والاهتمام الإعلامي.

بدأت رحلتها من محل فساتين أعراس، ثم سافرت إلى تركيا حيث عملت نادلة وطاهية، وتعلمت وصفات البرغر الغربي. لكن حين مرضت والدتها، عادت إلى غزة، وبدأت تبحث عن حلمها قربها.

وجدت كشكًا مهجورًا في شارع الرشيد، وأقنعت مالكه بأن يشاركها الحلم بدلًا من أن يسخر منها. رغم إحباطات المحيطين بها، قررت أن تثبت نفسها، مستندة إلى وصفتها الخاصة وسعرها المناسب للفقراء. "عندما يخبرني الزبون أن الطعام لذيذ، أنسى كل التعب"، تقول آماني بابتسامة.

لبنى نفسها غادرت غزة إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من الحرب، فيما لا يزال بقية أفراد عائلتها في القطاع.

آية زقوت: فنانة وطبيبة أسنان تنشد بيتًا وسط الركام

آية، 23 عامًا، أنهت دراستها في طب الأسنان في جامعة الأزهر، وكانت تحلم بافتتاح معرض فني يعرض أعمالها التي جمعتها خلال 10 سنوات، لكنها اضطرت للفرار من بيتها في شمال غزة بعد بدء الحرب.

سارت على الأقدام إلى الجنوب وسط نقاط تفتيش إسرائيلية، وشهدت مشاهد قاسية لجثث محروقة وأوامر مذلة برفع الأعلام البيضاء. تركت خلفها لوحاتها وكل أدواتها الفنية.

أجبرتها الظروف على التوقف عن التدريب العملي في طب الأسنان، وتُركت بلا جامعة ولا مشفى ولا مرسم. في لحظة ضيق، لم تجد سوى ورقة وقلم، فرسمت لوحة لامرأة تنظر إلى السماء من خلال شقّ على هيئة خريطة فلسطين. سمتها البحث عن وطن.

آية غادرت إلى مصر لاستكمال دراستها، بعد أن تعذّر على عائلتها تدبير تكاليف المغادرة، التي تبلغ نحو 30 ألف جنيه إسترليني. تركت عائلتها في قلب الدمار، تعيش هي في صراع داخلي بين النجاة والذنب.

تقول: "أنا باقية على حلمي بإنشاء معرض فني. لقد خسرنا كثيرًا، لكننا شعب تعوّد على البقاء. غزة، موطني، نحملك في قلوبنا رغم الألم، وسنعيد بناءك يومًا ما.

بين أحلام الطفولة، وروح المبادرة، وألم الفقد، تقف غزة شاهدة على جيل يصرّ على الحياة رغم الحرب. هذه القصص الثلاث هي جزء من سردية شعب بأكمله، لا يزال ينقش إنسانيته على جدران مهدمة، ويزرع الأمل في بيوت بلا سقف.

المصادر

الجارديان.. تقرير مترجم 

التعليقات (0)