-
℃ 11 تركيا
-
25 مارس 2025
فؤاد بكر يكتب: مديرية الهجرة وذاكرة السمكة الذهبية
فؤاد بكر يكتب: مديرية الهجرة وذاكرة السمكة الذهبية
-
25 مارس 2025, 9:28:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مقدمة:
مع استمرار الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد قطاع غزة تحت ما يسمى بـ "قوة وسيف"، يتضح أن هذا الاسم يأتي امتدادًا لمعركة "السيوف الحديدية" التي أطلقتها إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وكذلك عملية "السور الحديدي" في الضفة الغربية، والتي لا تزال مستمرة وسط تعتيم إعلامي شديد. وحتى الآن، لم تحدد إسرائيل أهدافًا واضحة لهذه العمليات، سواء كانت تهدف إلى الضغط على حركة حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، أم أنها جزء من خطة أوسع للسيطرة على غزة وتهجير الفلسطينيين منها.
القانون الدولي بين التهجير الطوعي والترحيل القسري
يميز القانون الدولي بين التهجير الطوعي والترحيل القسري، ويضع إطارًا قانونيًا لحماية حقوق الأفراد الذين يتعرضون لأي من هاتين الحالتين. اذ يحدث التهجير الطوعي عندما يختار الأفراد أو الجماعات مغادرة مناطقهم أو بلادهم بمحض إرادتهم. وقد يحدث ذلك لأسباب متنوعة مثل البحث عن فرص اقتصادية أو هروب من الأوضاع البيئية أو السياسية. ووفقًا للقانون الدولي، يُشترط أن يكون التهجير الطوعي قرارًا نابعًا من رغبة الأفراد دون ضغط أو تهديد. وفي حال كان هناك تهجير طوعي، يجب أن يتم وفقًا لإجراءات قانونية واضحة تحفظ حقوق الأفراد، مثل توفير الحماية القانونية والمساعدة اللازمة لهم في أماكن الإقامة الجديدة.
أما الترحيل القسري، فهو عملية إجبار الأفراد أو الجماعات على مغادرة أراضيهم أو بلادهم، وغالبًا ما يكون نتيجة للتهديدات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية. يُعتبر الترحيل القسري انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويُعد جريمة في العديد من الحالات. اذ تعتبر اتفاقية جنيف الرابعة (1949) ان الترحيل القسري للأشخاص في الأراضي المحتلة محظورًا، ويجب على القوة المحتلة عدم نقل أو إبعاد الأشخاص بالقوة. وينطبق هذا الحظر على المدنيين في الأراضي المحتلة، خاصة في ظل الاحتلال العسكري. وينص الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز إبعاد أحد عن وطنه دون مبرر قانوني"، مما يعني أن أي عملية ترحيل قسري تتعارض مع حقوق الإنسان، وتحدد المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص المشردين داخليًا مبادئ الأمم المتحدة في كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يضطرون إلى ترك ديارهم داخل بلدانهم. وتشدد هذه المبادئ على ضرورة توفير الحماية القانونية للمشردين وضمان عدم الترحيل القسري.
مديرية التهجير وتوسيع المستوطنات
وفي ظل مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" على إنشاء مديرية خاصة لهجرة الفلسطينيين من غزة بشكل "طوعي"، يبدو أن الهدف النهائي أصبح أكثر وضوحًا، خاصة أن هذه المديرية تخضع مباشرة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وتعمل على تنسيق الجهود الحكومية لتسهيل خروج الفلسطينيين. وهذا يؤكد أن ما تسميه إسرائيل "هجرة طوعية" ليس إلا عملية تهجير قسري مخطط لها، تنفذ عبر الضغط العسكري وحرب التجويع، وهو ما تعكسه طبيعة الإشراف المباشر لوزارة الدفاع ووزير الأمن يسرائيل كاتس.
ويتزامن إنشاء مديرية "الهجرة الطوعية" مع موافقة "الكابينت" على توسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، عبر فصل 13 منطقة عن المستوطنات القائمة، تمهيدًا للاعتراف بها لاحقًا كمستوطنات مستقلة. ويهدف هذا الإجراء إلى فرض واقع جديد يجعل توسع المستوطنات أمرًا طبيعيًا، ما يقوض حل الدولتين. وبهذا، ارتفع عدد المستوطنات المعترف بها رسميًا من قبل إسرائيل إلى 140 بعد أن كانت 127 مستوطنة غير شرعية.
وتواصل إسرائيل الترويج لمقولة مفادها أن "العربي لا يفهم إلا عندما تؤخذ أرضه"، في إشارة إلى توجهها نحو إعلان رسمي بضم الأراضي الفلسطينية، وليس فقط السيطرة الفعلية عليها. وتستند في ذلك إلى عقيدتها الأمنية التي وصفها وزراء في حكومة الاحتلال بأنها "استراتيجية رصينة"، ما يفسر عودة إيتمار بن غفير للحكومة بعد مغادرته احتجاجًا على اتفاق وقف العدوان على غزة، والذي تم بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة.
ذاكرة السمكة الذهبية
كما أن اعتماد إسرائيل على ما تسميه "ذاكرة السمكة الذهبية" للقضاء على المقاومة الفلسطينية لم يحقق أهدافه، حيث تعتقد الحكومة أن إقالة رئيس الشاباك الإسرائيلي ستساعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في استعادة الأسرى، إلى جانب إقالة المستشارة القانونية والقضائية للحكومة لمنع أي نقاش حول التداعيات الاستراتيجية للإبادة الجماعية. ومع استمرار الاحتلال والسيطرة على غزة، تواجه إسرائيل تحديات اقتصادية وبشرية متزايدة، إضافة إلى فقدان فرص التطبيع مع السعودية.
ذاكرة السمكة الذهبية لا تنطبق على الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يتذكر المجازر الإسرائيلية منذ أكثر من 76 عامًا. بل كانت هذه الجرائم دافعًا أقوى لتمسكه بأرضه، مهما اشتدت الظروف المأساوية. فتهجير الفلسطينيين عام 1948 لم يحل معضلة إسرائيل أو يطمس تاريخها الدموي، إذ لا يزال اللاجئون متمسكين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها، رغم محاولات إسرائيل المستمرة للقضاء عليهم حتى خارج وطنهم، كما تجلى في المجازر التي ارتكبتها في لبنان منذ 40 عامًا.
خاتمة
وبناءً على قراري "الكابينت" بشأن تهجير الفلسطينيين والاعتراف بالمستوطنات، يتضح أن إسرائيل انتقلت من الإبادة الجماعية إلى الإبادة السياسية للهوية الفلسطينية. فبعد فشلها في تحقيق أهدافها بالحرب، تلجأ الآن إلى أساليب الضغط السياسي والتجويع والتضييق الإنساني لفرض رؤيتها، بما يتماشى مع مشروع ترامب 2020، الذي جرى تعديله ليصبح أشد ظلمًا منذ توليه ولايته الثانية في 2025.
مهما سعت إسرائيل إلى تنفيذ مشاريع استيطانية وخطط لتهجير الفلسطينيين، بغض النظر عن مسمياتها أو نتائجها، سيظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بأرضه رغم كل الضغوط. فالهوية تولد مع الإنسان ولا يمكنه التخلي عنها، مهما اندمج في مجتمعات أخرى أو حصل على جنسيات مختلفة. والدليل الأبرز على ذلك أن الفلسطينيين في الشتات لا يزالون يحملون هويتهم بفخر ويواصلون النضال من أجل قضيتهم.








