- ℃ 11 تركيا
- 28 ديسمبر 2024
فؤاد بكر يكتب: عندما يصبح المشروع أكبر من القضية... ما الحل إذا؟
فؤاد بكر يكتب: عندما يصبح المشروع أكبر من القضية... ما الحل إذا؟
- 27 ديسمبر 2024, 2:56:30 م
- 187
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
بعيدا عن لغة التخوين والقاء التهم التي اعتدنا أن نشهدها في المشهد الفلسطيني، والتي ليست جديدة وانما تعود الى عشرات السنوات الماضية، وبينما تختلف وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية أو بين شرائح المجتمع سرعان ما يتحول الامر الى خلاف حاد، ويمتد إلى نزاع واشتباك مسلح في بعض الاحيان، ويكون ذلك بسبب التعصب لمشروع أو برنامج سياسي محدد أو طريقة تعبير عن حق، قد يعتبرها الطرف الاخر استفزازا له وربما طعنا به. وفي ظل تعدد المشاريع السياسية وغياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة التي نأمل أن نصل لها يوما، يبقى الهدف واحد وتبقى البوصلة واحدة وهي نيل الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية وانهاء الاحتلال عن اراضيه، والسؤال المطروح كيف لتعدد هذه المشاريع أن تصبح رسالة غنى للشعب الفلسطيني؟
ليس المقصود بالسؤال هنا البقاء على حالة الانقسام، ولا حتى ادارة الانقسام، ولكن تحويل الانقسام من نقطة الضعف إلى نقطة قوة على طريق انهائه وتبني الاستراتيجية الوطنية الموحدة، بما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية في حواراتها السابقة، والتي التزمت بها جميع الفصائل الفلسطينية ولم ينفذ منها شيئا على الاطلاق، وهذا يدل على ان جوهر الخلاف لا يعود الى اهمية انهاء الانقسام فقط، ولا كيف ننهي الانقسام، بل السؤال الذي يجب طرحه كيف يمكن الاستفادة من قوة الطرف الاخر لمصلحة القضية الفلسطينية؟
ومن ابرز القضايا التي يمكن ان توضح هذه المسألة، هو الخلاف على شكل المقاومة الذي يلبي المرحلة الحالية، حيث يرى البعض أن المشروع السياسي المتعلق بالمفاوضات والمواجهة اللاعنفية مع الاحتلال الاسرائيلي هو الطريق الوحيد لنيل حقوق الشعب الفلسطيني، ويكون ذلك بالاعتماد على "المقاومة السلمية" والتي منها المقاطعة، القانون، الدبلوماسية،... وأما الطرف الاخر فيعتبر ان المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة، ويستند في ذلك الى تجارب التاريخ وتمرد اسرائيل على القرارات الدولية.
حينما ينظر كل طرف إلى تحقيق مشروعه السياسي فقط، بالتأكيد سينظر له الطرف الاخر بالخيانة والتخريب عليه، فعلى سبيل المثال، من يرى ان المفاوضات وحدها هي الحل، سيعتقد ان اي طرف يرفض هذه المفاوضات هو خائن ومخرب على مشروعه السياسي ولا يريد مصلحة الشعب الفلسطيني. وعلى العكس، من يعتقد ان المقاومة المسلحة وحدها هي الحل سينظر الى من يفاوض بأنه خائن ومتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني. لكن عندما نطرح كيف يمكن الاستفادة من قوة الطرفين، هنا بالتأكيد ستبدأ ملامح الاستراتيجية الوطنية الموحدة، حيث لا يجب ان نبحث عن اي مشروع محق أكثر في الوقت الحالي، والاستخفاف بمشاريع الطرف الاخر ورؤيته السياسية لمجريات الاحداث، بل أن نبحث عن الحق ليس مع من هو الحق، لأن ذلك يثبته الميدان واختلاف التجارب على ارض الواقع.
من يؤمن بالمفاوضات على سبيل المثال، انها السبيل الوحيد لنيل الحقوق وانهاء الاحتلال ويتمسك بنقاط قوة الطرف الاخر وما يمتلكه من قدرات، لتحسين موقعه التفاوضي، يصبح التفاوض من مبدأ قوة لا من مبدأ ضعف، وعندما ينظر الطرف الذي يعتمد فقط على المقامة المسلحة، ان المقاومة المسلحة وحدها لا تكفي لنيل الحقوق الوطنية وانهاء الاحتلال، بل يجب ان تتسلح ببرنامج سياسي واضح المطالب والمعالم، وان المفاوض يتسلح بقدرته وقوته، ويعتمد عليه في حال عدم الوصول الى نتيجة مرضية، ستخلق عندها الثقة بين الطرفين، ويتكاملان مع بعضهما البعض، وهكذا لم نكن قد أدرنا الخلاف بل قمنا بتحويل الخلاف من نقاط الضعف الى نقاط القوة، ووضعنا اللبنة الاولى في بناء الخطة الاستراتيجية الوطنية الموحدة، والتي تبدأ بإجتماع الاطار القيادي الموحد للقيادة الفلسطينية بجميع فصائلها.
ختاما، يقول رئيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين القائد نايف حواتمة أن البندقية اذا لم تكن مسلحة ببرنامج سياسي تصبح قاطعة طريق، ويقول غسان كنفاني إذا فشلنا بالدفاع عن القضية فعلينا تغيير المدافعين عن القضية وليس تغيير القضية، وهنا البيت القصيد، عندما يفشل أي برنامج سياسي بالتأكيد ستفشل معه المقاومة لعدم قدرتها على تحقيق مطالبها وأهدافها، وعندما تفشل المقاومة، لن يعد للبرنامج السياسي اي قوة لتغيير الامر الواقع، وفي حال تجاوزنا المصالح الفئوية الضيقة، وتحدثنا عن مشاريع سياسية مجردة من الشوائب، هل سيقتنع الطرفان يوما بأن القضية أهم من المشروع، وان التكامل هو الطريق الوحيد لانهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة لنيل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه؟