عماد توفيق عفانة يكتب: الموقف الفلسطيني من قضية اللاجئين … من وجهة نظر صهيونية

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 24 أكتوبر 2022, 8:35:55 ص
  • eye 717
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

اعتبر الموقف الفلسطيني الأساسي قبل اتفاق أوسلو، فكرة “العودة”، على أهميتها، جزءاً من فكرة تحرير فلسطين بكاملها، في حين استند حل مشكل اللاجئين، بحسب النظرة التي كانت رائجة لدى الأكثرية العظمى من الفلسطينيين، إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، من خلال إزالة كيان العدو وإنشاء دولة فلسطينية.

وكان من شأن تحرير فلسطين بكاملها إن يفسح تلقائياً، أمام عودة جميع اللاجئين. وقد تم التعبير عن نمط التفكير هذا في الميثاق الفلسطيني لسنة ١٩٦٤.

أما الميثاق الفلسطيني المعدل لسنة ١٩٦٨، فقد نص صراحة، في البند ٩، على أن العودة” تشكل هدفاً للكفاح المسلح: “أهداف هذا الكفاح هي تحرير الوطن، العودة إليه، تقرير المصير والسيادة في فلسطين”.

ابتداءً من مرحلة معينة، اتضح للفلسطينيين أن حل مشكلة اللاجئين على أساس العودة إلى منازلهم وأراضيهم الموجودة في فلسطين 1948 يشكل الحافز الأساسي الذي يغذي استمرار الكفاح الفلسطيني والكفاح العربي الشامل ضد صميم وجود كيان العدو.

 وبمرور الأعوام، ومع تزايد حدة الإحباط داخل منظمة التحرير، وصلت القيادة الفلسطينية إلى أن “العودة” باتت أقل واقعية، وأنه أصبح ثمة حاجة أيضاً إلى تصحيح البرنامج الفلسطيني الاستراتيجي.

وهكذا، وتمشياً مع ذلك، تبنى المجلس الوطني الفلسطيني، في حزيران/يونيو ١٩٧٤”، البرنامج السياسي الموقت” ذا النقاط العشر، الذي نص صراحة على أن “حق العودة” (وببدو أن المجلس الوطني استخدم هذا التعبير أول مرة) يأتي في طليعة الحقوق الفلسطينية.”

غير أن تأكيد “حق العودة” ووضعه في مقدم المطالب والتطلعات الفلسطينية ترافقا مع تخلي منظمة التحرير والمجلس الوطني عن فكرة تحرير فلسطين بكاملها، وبداية نظرة أيضاً تجاه عودة لا تشمل بالضرورة المنازل والأراضي الأصلية.

يكتسب الفلسطينيون “حق العودة” – بحسب تفسيرهم الخاص – وكما ذكرنا آنفاً، بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤) (الصادر بتاريخ ١١ كانون الأول/ديسمبر ١٩٤٨، الذي نص في البند ١١ على “وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذي يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، وفقاً لمبادئ القانون الدولي.

ومن المثير للاهتمام أن الدول العربية – مصر، العراق، لبنان، السعودية، سوريا واليمن – صوتت ضد القرار، مع أن تحفظها لم يكن مرتبطاً، على وجه التحديد، بالبند المتعلق بعودة اللاجئين، وقد صوت كيان العدو أيضاً ضد القرار، بينما أيدته الولايات المتحدة.

ومع أن النظام الدولي لم يتخذ منذ سنة ١٩٤٨ أي قرار يعدل قرار الجمعية العامة رقم ١٩٤، فإنه قد نشأت قناعة دولي متزايد بأن هذا القرار أصبح، ويصبح مع الوقت متقادماً وغير قابل للتطبيق بصيغته القائمة.

كذلك طرأ تحول على النظرة الفلسطينية إلى فكرة “العودة”، وأصبحت محدّدة، من الآن فصاعداً، ببضعة قيود:

• أولاً، تنازل فلسطيني عن الصفة المطلقة لحق العودة، والاعتراف بإمكان استبدال هذا الحق بالتعويضات، وقد حظي إمكان اللجوء إلى هذا الخيار بموافقة ومباركة المؤسسة السياسية الفلسطينية.

• ثانياً، حتى لو سُمح بعودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة 48 ،فقد بات من الواضح للمؤسسة الفلسطينية أن هذه العودة ستكون مشروطة بالتزامهم واجب العيش بسلام مع جيرانهم”، وأنه سيكون عليهم الإذعان لسلطة القانون الصهيوني والاعتراف بسيادة إسرائيل المطلقة.

• ثالثاً، إن الموقف المبهم من مفهوم “العودة”، كما عبرت القيادة الفلسطينية عنه، قد تجنب تحديد المكان الذي ستتحقق هذه العودة فيه.

وهكذا، على سبيل المثال، تحدث قادة من أمثال نبيل شعث وفيصل الحسيني وزياد أبو زياد، بل إنهم كتبوا صراحةً عن هذا الحق باعتباره عودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية عندما تنشأ.

ومع أن المؤسسات الوطنية التابعة للمجلس الوطني الفلسطيني لم تقر هذه الصيغة في أية مرحلة أو في أي مكان، فإن الصيغة المبهمة للقرارات لا تتعارض مع تفسيرها بهذا المعنى.

• هناك نقطة أُخرى تندرج في سياق أوسع، وتتعلق بمجال الحل السياسي وبنية العلاقات المتوقع قيامها بين الكيان الفلسطيني والأردن.

فمنذ الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت في الجزائر (شباط/فبراير ١٩٨٣ (، تتردد الدعوة إلى أن يتم في المستقبل (وعلى الأرجح، فقط بعد أن يقام الكيان الفلسطيني ذو السيادة) إقامة علاقة كونفدرالية بين “دولة فلسطين المستقلة والأردن.”

ومن شأن علاقة كهذه – إذا اشتملت على حدود مفتوحة واتفاق بشأن الجنسية ومرجعية قضائية واحدة، بل اتحاد اقتصادي معين بين الكيانين – أن تدفع الكثيرين في الفلسطينيين في الأردن، إن لم يكن معظمهم، إلى تفضيل البقاء في أماكنهم وعدم الانتقال والاندماج في مناطق الضفة الغربية أو القطاع.

وستكون لذلك، في المستقبل، دلالة مهمة للغاية؛ ذلك بأن أكبر التجمعات الفلسطينية في الشتات (أكثر من 4 مليون نسمة) موجود في الأردن، ويتمتع هؤلاء السكان الفلسطينيون بجنسية أردنية كاملة.

ولدى تناولهم هذا الموضوع، يقلص بعض السياسيين الفلسطينيين المطلعين المشكلة الكبرى المتعلقة بأكثر من سبعة ملايين فلسطيني يقيمون في “الشتات” يطالبون، نظرياً على الأقل، بحق العودة إلى منازلهم وأراضيهم) إلى مشكلة ملحّة وفعلية تتعلق بنحو الف٣٥٠ لاجئ فقط، أي بتجميع اللاجئين الذين كانوا يقيمون في لبنان قبل ان يهاجر نحو نصفهم، الذين يعيشون كلهم تقريباً في أوضاع متردية جداً.

ويرفض لبنان، لاعتباراته الخاصة، كل حل سياسي يُبقي هؤلاء الفلسطينيين في أراضيه ويُلزمه استيعابهم كمواطنين لبنانيين بكل معنى الكلمة.

إن الوضع في التجمعين الكبيرين الآخرين الواقعين خارج فلسطين – سوريا والأردن – مختلف وأقل إلحاحاً وحدّة.

وفيما يتعلق بسوريا، فإن عدد اللاجئين بالنسبة إلى مجمل السكان ضئيل (٤,٢ % تقريباً)، معظمهم يزاول العمل بصورة منتظمة، وليس لدى الاقتصاد ولا مع السوريين صعوبة في استيعابهم كمواطنين عاديين، نظرياً وعملياً.

 أما الصعوبة، فهي سياسة، إذ إنه ما لم يتم التوصل إلى اتفاق صهيوني – سوري ثنائي، فإن موافقة دمشق على التنازل حيال هذه المسألة أيضاً غير واردة. لم يبقى بعد الثورة السورية اعداد مهمة من الفلسطينيين بعد ان هجر اغلبهم إثر القتل والدمار الذي لحق بهم بومخيماتهم.

أما فيما يتعلق بالأردن، فالمشكلة مزدوجة، من جهة، يقيم في أراضيه تجمع لاجئين من سكان المخيمات يبلغ تعداده نحو 4 مليون نسمة.

ويسعى الأردن، لو استطاع إلى ذلك سبيلاً، للتخلص من هذا العبء الديموغرافي وتحسين التوازن الداخلي الدقيق لسكان المملكة.

وأخيراً، لا يجوز أن ننسى اللاجئين المقيمين اليوم داخل حدود قطاع غزة والضفة الغربية. وبناءً على معطيات الأونروا، فإن عدد هؤلاء اللاجئين (بمن فيهم سكان القدس الشرقية) يبلغ نحو ستة ملايين لاجئ.

وإذا أغلق أمام هؤلاء اللاجئين إمكان العودة إلى الأراضي الفلسطينية بصورة قاطعة، فلا بد من أن يعطي الكيان الفلسطيني إعادة تأهيلهم في أراضيه مكانة الأولوية.

وليس محتماً أن تكون هناك صعوبة في استيعاب ودمج اللاجئين المقيمين اليوم في الضفة الغربية، إذ إن أغلبيتهم مستخدمة ومندمجة، بطبيعة الحال، في الاقتصاد المحلي، وكل ما سيتطلبه حل مشكلتهم هو حملة بناء كبرى بهدف إخراجهم من مخيمات اللاجئين.

أما الحال في قطاع غزة فمختلفة؛ فهنا سيتطلب الأمر، بلا شك، عملية استثمار ضخمة لدعم

الاقتصاد المحلي.

وإلى جانب ذلك، فحينما يُسمح للفلسطينيين بحرية الحركة بين جزأي الكيان المنفصلين (بين الضفة الغربية وقطاع غزة)، فمن المعقول أن تتحكم قوانين السوق، العرض والطلب، في كل ما يتعلق بحركة العمال بين هذين الجزأين.

إن الفلسطينيين على المستوى القيادي والمستويات الشعبية، ليسوا على استعداد اليوم للتحدث عن إعادة توطين اللاجئين داخل حدود الدول العربية المجاورة.

ومع ذلك، في الإمكان أن نفترض أنه بعد إقامة الدولة الفلسطينية، سيكون في وسع كل فلسطيني – سواءً مارس حقه في العودة أو لم يفعل – أن يتمتع بجنسية وجواز سفر فلسطينيين، حتى لو فضّل مواصلة العيش في دولة عربية أُخرى كمواطن دائم.

إن أغلبية اللاجئين الفلسطينيين يدرك أن العودة إلى فلسطين 48، ليست واقعية (وبالتأكيد ليس بأعداد مهمة).

وهم يدعون أن الأغلبية العظمى من اللاجئين لا تنوي ممارسة هذا الحق على الإطلاق. ويقوم الحل الذي يقترحونه، في الدرجة الأولى، على ضرورة الاعتراف بحق اللاجئين في العودة، علماً بأن التطبيق الفعلي [لحق العودة] سيتم، في جزئه الأكبر، داخل المناطق التي احتلها العدو سنة ١٩٦٧، أي في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وطبعاً مع منح اللاجئين تعويضات عن الممتلكات التي خلفوها.

إننا لا نملك طريقة للتحقق من مدى صدق تقديرات هذه الجهات الفلسطينية؛ وبكل تأكيد، لا يجوز أن نتجاهل إمكان أن تكون الغاية الأساسية من هذه الأقوال هي تهدئة المخاوف الصهيونية.

وفي هذه المرحلة، يبدو أن الأغلبية العظمى من اللاجئين مستمرة في ادعاء حقها في العودة إلى منازلها داخل فلسطين 49، وتطالب السماح لها بممارسة هذا الحق، متجاهلةً الزمن الذي مضى، وما حدث على الأرض فعلاً منذ سنة ١٩٤٨

ولا نعلم، إطلاقاً، ما إذا كان هذا الموقف قاطعاً حقيقياً، أم أنه ناجم عن “عملية غسل دماغ” تعرض اللاجئون لها، ولا يزالون، بهدف التأثير في الحل السياسي المستقبلي.

وفي جميع الأحوال، حاشا أن نفترض أنه لو مُنح اللاجئون حق الاختيار الحر بين العودة إلى داخل فلسطين 48 وبين ممارسة “حق العودة” داخل الدولة الفلسطينية العتيدة، لتنازلت الأغلبية فعلاً عن ممارسة “حقها” في العودة إلى مجال “الخط الأخضر”.

شلومو غازيت/ عن مركز يافي للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة تل أبيب

التعليقات (0)