- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د. محمود لملوم يكتب: المهارات القيادية للقائد الرباني في سورة الإسراء (28/11)
نستكمل المهارات القيادية في سورة الإسراء..
د. محمود لملوم يكتب: المهارات القيادية للقائد الرباني في سورة الإسراء (28/11)
- 17 مايو 2024, 6:25:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
23. الاعتدال في المصروفات: يطلب القرآن من القائد الرباني ألا يتبع المنهجية المادية الغربية في الإدارة المالية للمنظمة؛ والتي تتحرك وفق قاعدة "الأرباح تعني تعظيم الإيرادات وخفض النفقات"، فهذه المنهجية إذا طبقت على إطلاقها ستسمح بالظلم في التعامل مع الموظفين بتقليل رواتبهم أو حوافزهم، أو في التعامل مع العملاء بتقديم جودة أقل من أجل ترشيد النفقات. ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا (29)﴾.
# فالاعتدال في الإنفاق يحفظ رأس المال المعرفي للمنظمة "الخبراء والعاملين"، ويرفع مستوى الجودة المطلوبة. فليس كل توفير فيه خير؛ فقد يكون الخير على المستوى المنظور مرصودا، ولكن على المستوى الإستراتيجي يدمر المنظمة ويخرجها من المنافسة.
# تأكيد: من البداهة أن زيادة الإنفاق بشكل كبير فيه أيضا عواقب وخيمة على المنظمة، والقائد الحكيم يوازن بين الحاضر ومتطلباته، والمستقبل وتحدياته.
.
24. تبارك الرزاق: عجيب القرآن عندما يطلب من القائد أن يزداد يقينه في رزق الله -سبحانه- فيعلمه أن ليست كل عوامل النجاح مادية، وليس كل أنواع الرزق أموال!! ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا (30)﴾.
# فالمنظمة المسلمة تتحرك بتوازن واعتدال وتعطي كل ذي حق حقه، وتؤمن بوجود عوامل غيبية فيها الخير العميم، وأن البركة سر من أسرار الله؛ إذا أنزلها سبحانه على الفقير أغنته، وعلى الضعيف أعانته، وعلى المريض شفته، وعلى الداعية وفقته، وعلى المجاهد صوبته، وعلى المنظمة سددتها، وعلى الدولة المسلمة جعلتها حضارة يقتدى بها في العالمين.
.
25. لا تقتل الموظفين: كعادة القرآن يعلمنا أن القيم والمبادئ أعلى من الحسابات المادية، ولنتذكر عندما عاتب سبحانه وتعالى نبيه ﷺ (عبس وتولى) وكان ذلك إعلاء لقيمة الإيمان، وقيمة المساواة، وقيمة الأخوة في الله، وقيمة فقه الأولويات، وقيمة ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم.
.
كذلك تأتيك سورة الإسراء لتعلي من قيمة الرحمة وتحمل المسؤولية مع الأبناء والأتباع فتحرم قتل الأبناء بتجويعهم أو حرمانهم مما يقوي أجسامهم ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا (31)﴾ وهذه مسؤولية عظيمة أمام الله ومطالبة بالرحمة بالضعفاء، ولا نخشى نقصان الرزق.
ثم تمتد قيمة الرحمة والمسؤولية عن الضعفاء إلى القائد الرباني ومعاملته مع أبناء المنظمة العاملين فيها من إخوانه الموظفين، فلا يقم بفصلهم وإنهاء خدماتهم لسبب ترشيد النفقات، أو لقلة إنتاجيتهم بسبب كبر سنهم، أو مرضهم بعد خدمتهم في المنظمة زمنا طويلا، فقد يكون لا مصدر آخر لرزقهم سوى راتب المنظمة. ولا يجوز لنا كقادة مسلمين أن نتشبه بالأنظمة الإدارية الغربية المادية التي تعتصر الموظفين حتى إذا أصيبوا تنهي خدماتهم،
فنحن نمتلك الرصيد الأعظم من الرحمة والشفقة والإكرام والتقدير، وهذا هو فعل المصطفى ﷺ عندما كان يضع على بطنه حجرين من شدة الجوع ويشارك الأتباع آلامهم، وهذه هي أخلاقيات الحبيب ﷺ وقِيَمَه القيادية، وهذه هي توجيهات السماء والتربية الإلهية؛ "الرحمة بالضعفاء"، قال ﷺ (الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ) صحيح الترمذي.
.
# يحضرني موقف عشته بنفسي مع أحد أصحاب الأعمال عندما انخفض الدخل لشركته بشكل كبير ولم يكن أمامه إلا تسريح إخوانه الموظفين؛ لكن تربيته الربانية جعلته يأتي بحل جديد وهو كالتالي:
1. جمع كل العاملين في شركته في اجتماع مفتوح.
2. عرض عليهم المشاكل المالية التي تواجه الشركة وظروف السوق.
3. أعلمهم أنه سيضطر للاستغناء عن خدمات 30% من الموظفين.
4. ثم اقترح عليهم خفض الرواتب بنسبة 30% والخفض يشمل راتبه الشخصي أيضا مقابل عدم الاستغناء عن زملائهم، أو الحل الآخر رواتب كاملة وفصل 30%.
5. وافق الجميع بالإجماع على خيار خفض الرواتب وبقاء زملائهم على رأس أعمالهم.
6. تحركت الشركة بروح وثابة جديدة بعد مشاركة الجميع في القرار، فكانت الابتكارات الجديدة والهمة العالية في الأداء، ثم اكتشاف فرص سوقية جديدة، مما مكّن الشركة من استعادة الريادة السوقية من جديد، بل؛ وارتفعت الرواتب للضعف ببركة الرحمة بالضعفاء والتوكل على رب الناس.
.