- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د. عبد الستار الجميلي يكتب: في هجاء الحاكم.. ومديح المواطنين
د. عبد الستار الجميلي يكتب: في هجاء الحاكم.. ومديح المواطنين
- 22 فبراير 2024, 3:37:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في علمي التاريخ والاجتماع السياسي على مدى الأزمان البشرية المتعاقبة، هناك قطبان بينهما جدار لا يلتقيان إلا عبر الثقوب أو الهدم: الحاكم، فردا أو جماعة (وهي أقلية في كل الأحوال).. والمواطنون الذين يُسمَّون في قاموس الحاكم بـــ"المحكومين"، تعبيراً تراثياً مستقراً مترسخاً في جذر السلطة عن علاقة السيد الحاكم بالعبد المحكوم.
وقصة العلاقة بينهما، محكومة بعلاقة صراعية مؤبدة، وسرمدية لا تنتهي.
ومن أبرز تجليات هذه العلاقة الصراعية المأساوية، هي الدساتير المعاصرة التي تضمَّنت كذبتين تتكرران على الدوام، أولهما: الشعب مصدر السلطات، وثانيتهما: الديمقراطية تجسيدا لإرادة الشعب.
وفي ذات الدساتير حقيقة واحدة وصدقاً واحداً، هما معاً: الحاكم، سواء كان فردا أو جماعة محاصصية متخيلة أو حزبية، وحده الآمر الناهي، وهو الدولة والنظام معا، ومصدر السلطات جميعاً.
وما بين الحكام والمواطنين جدار عازل، يرتفع يوميا على مدى وإتساع التاريخ َ الإنساني.
المواطنون المنصوص كذباً في الدساتير على أنهم مصدر السلطات، ليس لهم من الدولة والنظام إلا يوماً واحداً أو يومين كل أربع سنوات أو أكثر حسب أكاذيب/نصوص الدساتير، يتم جمعهم بالخداع أو الرشوة أو التخويف أو التجويع أو بعث وإستنهاض الغرائز والأساطير الإجتماعية والسياسية، ليُفرض عليهم إنتخاب الأميين واللصوص والجلادين والمهرجين وذوي العقد النفسية، الذين يملأون وعودهم الإنتخابية بأحدث ما تنتجه ماكينات وآليات الكذب والخداع، ثم ينتهي دور وكورس المواطنين الديكوري على مسرح تراجيكوميديا مذبح إرادتهم المسلوبة.
والاستثناء إذا ما جاء به الصندوق من خارج اللعبة، إما يُدجَّن ويُشترى وإذا ما صَمدَ يُحيّد معنويا أو مادياً.
أما الديمقراطية التي اخترع مقطعيها الإغريقيين(ديموس: الشعب، وكريتوس: الحكم أو السلطة) الحكام الإغريق وهم يلهون ويلعقون شفاههم بسادية مريضة على مرأى الدم للمواطنين الأسرى والعبيد والمهمشين وهم يتصارعون من أجل حياة يتم إزهاقها (بينيا) إما في نفس اليوم أو موعدها في يوم آخر، وهم يهتفون لقاتلهم الحاكم: ( نحن الذين نوشك أن نموت، نحييك)، اخترعوها تزييفا على أنها(( حكم الشعب)).
وأضاف إليها أحد جناة الديمقراطية الأمريكية الدموية (إبراهام لنكولن 1809- 1865) على أنها ((حكم الشعب من قبل الشعب من أجل الشعب)) على اختلاف الترجمات، بينما هي في تطبيقها العملي وتجربتها التاريخية، مسرحية ليوم واحد أو أكثر بيوم أو يومين، يتولى من خلال شرعية هذا اليوم الزائفة حاكم واحد أو حكام أحاديين موزعين على السلطات بكيفية يتفنن من خلالها المستبدون في استدامة الطغيان والقهر والخوف وابتلاع الدولة والنظام والمال العام وحياة وحقوق وحاجات المواطنين، ويصرخون كجهنم (هل من مزيد)؟
ويتفنّنون في بناء قصورهم وأبراجهم علواً وزينةً، وفي خيلاء الملبس والمشي والوجاهة والاستعلاء والأعوان والمركبات الفارهة، وسبل اللهو والترف، والحرص على إختراع أو استيراد كل وسائل وطرق الموت والقمع والتكميم، وإخصاء العقل والإرادة، والقتل الرحيم لمن يحتضرون لتسليم الروح على أبواب الفقر والأرصفة.. ويتفنّنون في العطايا للمنظرين والمحلّلين والمبررين والفقهاء والوعاظ الذين يسترسلون في تجميل القبح ليل نهار، ليسكبوا دم وعرق المواطنين في بئر الحاكم ونشوته المستدامة بخمر السلطة.
وصدق أفلاطون حين أكد في كتاب (الجمهورية)، بأن الديمقراطية هي أسوأ الأنظمة السياسية بعد النظام الإستبدادي.. لأن كلاهما سلب لإرادة الشعب، وتجريده من مصدريته للسلطات كافة.
لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه تراجيدياً: متى يتمكن المواطنون من إنتزاع وإستعادة مصدريتهم للسلطة ثورياً بالمعنى التاريخي للمراحل الكبرى في المسار الإنساني، وليس بالمعنى المجاني الضيق السائد؟
عبر بلورة نظام سياسي شعبي، يكون فيه المواطنون سادة أنفسهم وأوطانهم وثرواتهم ومستقبلهم ومصيرهم، بديلا للديمقراطية النيابية التي تمَّ ترويضها وتحويلها إلى غطاء جديد للإستبداد والطغيان والفساد الجماعي والإحتلال والتموضع والتبعية والإستغلال ووحدانية السوق والمال والهيمنة، من قبل الجماعات والأحزاب والطوائف والأثنيات والملل والنحل والكتل العائلية والقرابية، والرأسمالية الليبرالية الصهيونية الشاذة والمتوحشة.