- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د. رفيق إبراهيم أبو هاني يكتب: قضيتنا الفلسطينية في أبعادها الاستراتيجية
د. رفيق إبراهيم أبو هاني يكتب: قضيتنا الفلسطينية في أبعادها الاستراتيجية
- 13 أغسطس 2022, 1:40:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من الواضح أن أي معالجة لمسألة سياسية تحتاج للتفكير العميق على المستوى الاستراتيجي ، إذ لا يمكن النظر فقط لما يجول حولنا من أحداث، ثم نغرق في تفاصيلها ، وتجدنا بعد ذلك نفقد التخطيط الاستراتيجي، الذي يمثل صمام الأمان لأي مسألة مستقبلية، حتى ولو كانت في قضايانا الحياتية الاجتماعية والمعيشية والتجارية وغيرها من قضايا الحياة، التي تحتاج للتفكير المستقبلي، وكما يقولون من لم يخطط للنجاح فإنه يخطط للفشل ، فما بالنا لو كان هذا الأمر يتعلق بأهم موضوع في حياة شعبنا الفلسطيني؟
وهذا ما يعبر عنه قول الله تبارك وتعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) وعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا " وتحدث المفكر الاستراتيجي توماس كارليل قائلا : " لا شيء أكثر ضررا من العمل دون بصيرة "
والسؤال الرئيسي هنا في هذا المقال : كيف نحافظ على ديمومة ثورتنا من التوقف والضياع ؟ وكيف نصل للنصر الموعود، ونحرر وطننا فلسطين المباركة من دنس الصهيونية الحاقدة بأقل التكاليف وأقصر وقت ؟
وجواب هذه الأسئلة يحتاج منا للتفكير الاستراتيجي بأبعاده الأربعة، والتي ذكرها المفكر الاستراتيجي الأمريكي ( دولاند نوشترلين ) الذي قسم الأبعاد الاستراتيجية لأي دولة إلى أربعة أبعاد أو مستويات، وهي كما يلي :
أولا - مستوى الحفاظ على البقاء : وهذه إذا لم تتحقق فسيؤدي إلى دمار شامل فوري لواحد أو أكثر من الجوانب الرئيسية للمصالح الوطنية الجوهرية .
ثانيا – المستوى الحيوي : وإذا لم يتحقق فسيترك عواقب فورية على المصالح الوطنية الجوهرية.
ثالثا – المستوى المهم : وإذا لم يتحقق فسيؤدي إلى أضرار ستؤثر في نهاية المطاف في المصالح الوطنية الجوهرية .
رابعا – المستوى الهامشي : إذا لم يتحقق فسيؤدي إلى أضرار لا يتوقع لها أن تؤثر في المصالح الوطنية الجوهرية .
ومن خلال التمعن في هذه المصطلحات الذي تحدث بها المفكر نوشترلين الذي عاش في بداية القرن العشرين نجد أن الفقه الإسلامي قد سبق وتحدث عن مستويات المصالح ، فنجد مثلا الفقيه المسلم الإمام الشاطبي رحمه الله تحدث عن مراتب المصالح، وهي( الضرورات والحاجيات والتحسينات ).
فالضرورات: هي التي تتعلق بالحفاظ على البقاء، وتمثلت بالضرورات الخمس : ( الدين والنفس والعقل والنسل ، والمال ) فلو أصاب أحدها خللا فسيتعرض المجتمع المسلم للضياع والاندثار ، وهذا ما عبر عنه المفكر الأمريكي بالمستوى الأول ( مستوى الحفاظ على البقاء ).
وتحدث عن الحاجيات: وعرفها بأنها التي تقي من المشقة، بحيث لو حدث بها خلل فسيجد الشخص حرجا وضيقا في حياته، وهي مستوى ثاني يلي الضرورات الذي عبر عنه المفكر السابق ذكره بالمستويين الحيوي والمهم ...
ثم ختم الحديث عن مراتب المصالح بالتحسينات، أو ما يمكن أن نسميه حاليا بالكماليات ، وهي التي عبر عنها المفكر الأمريكي بالمستوى الهامشي، وهو آخر المستويات الاستراتيجية أهمية بحيث يمثل الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها...
ومن خلال ما سبق من بيان لمستويات وأبعاد التخطيط والتفكير الاستراتيجي؛ فإنه ينبغي على المخطط الاستراتيجي في قيادة شعبنا الفلسطيني، أن ينتبه لهذه المستويات الأربعة حسب تقسيمات المفكر الأمريكي، أو الثلاث حسب تقسيمات الإمام الشاطبي ...
إن قضيتنا الفلسطينية تحتاج من المفكرين الاستراتيجيين حاليا أن يغوصوا في أعماق التخطيط الاستراتيجي، والبحث والتدقيق، ويجعلوا جل اهتماهم حاليا في المستوى الأول الذي يمثل الحفاظ على البقاء الثوري حاضرا في ظل التهديدات الاستراتيجية في المنطقة، والتي يبتغي العدو من خلالها القضاء على مشروعنا الوطني والإعلان عن إفلاس مشروعنا الثوري حاشا وكلا ، بحيث تبقى حالة المشاغلة لهذا العدو وأن يبقى مستنفرا وخائفا ، وهذا يحتاج لتكتيك حرب العصابات، الذي يعبر عنه الخبراء العسكريون بحرب البرغوث والكلب ...
ومن الضروري أيضا الانتباه للمستوى الثاني والثالث ( الحيوي والمهم ) الذي يمثل البحث عن سبل العيش الكريم للشعب الفلسطيني، وهذا لا بد فيه الجد والاجتهاد لإيجاد سبل الدعم من الشعوب العربية والإسلامية، فمن الواجب عليها أن تسند ظهر الشعب الذي يدافع عن الأمة العربية والإسلامية، فمن غير المعقول أن يبقى الدعم العربي والإسلامي محصورا في الجانب العاطفي فقط، فالدعاء والحزن وحدهما لا يكفيان ...
وأما المستوى الأخير، وهو المستوى الهامشي كما عبر عنه المفكر الأمريكي، فمن المبكر الحديث عنه، ويمكن تأجيله في هذه المرحلة ؛ فغيابه لن يؤثر جوهريا على المصالح الوطنية الجوهرية في هذه المرحلة ، وإن سنحت الفرصة له فليكن .
إن إدارة المعركة حاليا سياسيا وأمنيا وعسكريا يجب أن تخرج من المعطف الشعبوي والعفوي، فالمرحلة خطيرة، وعدونا الصهيووووني يتمدد في المنطقة كالأفعى الأناكوندا، ناعمة في حركاتها وضارية في هجماتها، فانتبهوا واسألوا الله السداد .
والله ولي التوفيق ،،،
لواء دكتور / رفيق إبراهيم أبو هاني
الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية