- ℃ 11 تركيا
- 9 يناير 2025
دلاوي نصر الدين يكتب: عودة دونالد ترامب في الذكرى الرّابعة لاقتحام الكابيتول
دلاوي نصر الدين يكتب: عودة دونالد ترامب في الذكرى الرّابعة لاقتحام الكابيتول
- 8 يناير 2025, 9:38:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في يوم الأربعاء 6 يناير 2021، و في سياق رفض دونالد ترامب لنتائج الانتخابات الرّئاسية الأمريكيّة التي أُقيمت في نوفمبر 2020، و بعد خطابه النّاري،في ذلك اليوم، و دعوته إلى التّوجه إلى مبنى الكابيتول،و هو مقرّ السّلطة النّيابية في العاصمة واشنطن، اقتحمت جموع كبيرة من أنصاره مبنى الكونجرس، لمنع تصديق هذه الهيئة على فوز جو بايدن، في الانتخابات الرّئاسية الأمريكيّة الأخيرة.و في ساعات قليلة وجدت أمريكا نفسها على الحافّة، بسبب إرادة رجل واحد رافض لنتائج الانتخابات الرّئاسية، هو دونالد ترامب.
اقتحام مبنَى الكابيتول الذي تابعه العالم،على المباشر، و الذي استمرّ أكثر من ثلاث ساعات،في هذا اليوم التّاريخي، و ما صاحبه من تمرّد و صدام،و أعمال تخريب واسعة و إتلاف، و ما خلّفه من إصابات و قَتلى هو وثيقة للتّاريخ ذات دلالات.و هذا الاقتحام،بآثاره و مظاهره، يؤكّد أنّ العنف،عمومًا،و العنف السّياسي،خصوصًا، ظاهرة عابرة للقارّات، و ليست لصيقة بدول العالم الثّالث، و قد تكون ضحيّتها حتّى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، و هي أكبر الدّيمقراطيات استقرارًا في العالم.
دونالد ترامب،إذن، الذي يستعدّ لاستلام مهامّة الرّئاسيّة،في 20 جانفي القادم، ظاهرة عنيفة غير مسبوقة في السّياسية الأمريكيّة المعاصرة.و ظاهرة العُنف و العدوان،عمومًا، من القيم الثّابتة في السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة.و قد كانت بادية،بقوّة، في عهدة الرّئيس بوش الابن الذي أقام سلوكه السّياسي على هذا العُنف و العدوان، و اتّخاذ الكذب و الاتّهام و التّلاعب و التّزوير وسيلةً و غاية...فغزا العراق و حطّمها، و احتلّ أفغانستان و مزّقها، و زرع الموت و الانقسامات، و الدّمار و الفوضى و الأحقاد.
و لكنّ الجديد مع دونالد ترامب، أنّه فتح الباب،على مصراعيه، و شجّع،بخطابه و مواقفه، على ممارسة هذا العُنف السّياسي، ضدّ المؤسّسات السّياسية الرّسمية،داخل أمريكا نفسها.و قد خلَّف هذا العُنف قَتلى و إصابات، و مخاوف كبيرة و تخريب.و لم يصبح ترامب منبوذًا، أو مَكروهًا فتراجع عن شَحْن أنصاره و تَهْييجهم، إلاّ لأنه أسّس لسابقة خطيرة، حين نَقل هذا العُنف السّياسي الأصيل في السّياسة الخارجيّة، إلى داخل المجتمع الأمريكيّ، و وجّهه ضدّ مؤسّساته الرّسمية التي كانت تُعرف بصلابتها المعهودة، و صلاحيّتها الظّاهرة، و مقاومتها للاهتزاز.
و يمكن القول،بناء على ما تقدّم، أنّ من « إنجازات » دونالد ترامب،في عهدته السّابقة، أنّه جعل هذا العُنف السّياسي الأمريكيّ،المتجذّر في السّياسة الخارجيّة، واقعًا ملموسًا،داخل الولايات المتّحدة نفسها، و صَيّره مشهدًا حيًّا، ضحيّتُه هذه المؤسّسات السّياسية الرّسمية التي كانت،و لا تزال، تُزكّي العُنف السّياسي،و كلّ أنواع العنف، ضدّ شعوب العالم، و ضدّ الحكومات الشّرعية، و تشجّع عليه،بطريقة أو أخرى، و تُصَدّره و تُنمِّيه.
و بعد أربع سنوات من انتهاءعهدة ترامب الرّئاسية الأولى، يتهيّأ،هذه الأيّام، لاستلام مهامّه،في عهدة جديدة،في 20 جانفي القادم.و السّؤال الذي يُطرح قُبيل تنصيبه رئيسًا للولايات المتّحدة هو: هل تغيّر دونالد ترمب،بعد هزيمته في رئاسيّات سنة 2020، و بعد رحلته الطّويلة بعيدًا عن السّلطة و الأضواء، فأصبح أكثر اتّزانًا، و أصبح سلوكه أكثر انضباطًا و تلاؤمًا، مع مقتضيات الوظيفة الرّئاسيّة، أم إنّ عهدته الجديدة ستكون،كسابقتها، مسرحًا لاستعراضاته المبتذلة، و حَلَبة يتباهى فيها بممارسة كلّ أنواع العنف اللّفظي و المعنويّ و البذاءات ؟
كلّ الدّلائل تشير إلى أنّ الرّجل لم يتغيّر، و أنّه قد بدأ يُرْغِي و يُزْبِد، و أنّ الطّبع غالب على التّطبع.و من هذا القَبيل تهديدُه،الشّهر الماضي،بفتح أبواب الجحيم،في الشّرق الأوسط، إذا لم يَعُد المحتجَزون،لدى حماس، إلى أهليهم قبل تنصيبه رئيسًا في 20 جانفي القادم.
و الحقّ أنّ هذا التّهديد، ليس سوى فقاقيع كلاميّة تدلّ على ترنّح السّياسات الأمريكيّة التي بدأت تفقد سيطرتها الأحاديّة على العالم، في وسط أوضاع عالميّة مضطربة، تتّجه معالمها نحو التّعددية القطبيّة، و الانعتاق من الهيمنة الأمريكيّة.
ثمّ إنّ الشّرق الأوسط،و هو موضوع التّهديد، قد شبّ عن الطَّوق.و أكبر معالم التّغيير فيه حدَثان كبيران.الحَدث الأوّل: هو عمليّة طوفان الأقصى التي حقّقت معادلة توازن الرّعب في الصّراع ضدّ الكيان الإسرائيليّ، و كانت إيذانًا ببداية تآكل،و انحسار الدّور الوظيفيّ للكيان الصّهيوني،في المنطقة العربيّة،و إعلامًا بأنّ حاضر هذه المنطقة، و مستقبلها لن تقرّره إسرائيل،و لن يكون،بعد اليوم، في مُكْنتها.أمّا الحدث الثّاني فهو تحرير سوريا،و سقوط الحكم الطّائفي الدّموي الذي كان حارسًا للكيان الصّهيوني، و كانت جلّ سياساته، بيع سوريا في المزاد الرّخيص.وهذا التّحرير هو زلزال كبير، سيغيّر كثيرًا من تضاريس الوضع القديم، و يوشك أن يقلب الموازين السّائدة، و يغيّر في مَنحَى السّياسات القائمة، و في طبيعة المحاور و التّحالفات.