- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
دلاوي نصر الدين يكتب: الصّهيونية: هل يمكن التّعايش معها ؟
دلاوي نصر الدين يكتب: الصّهيونية: هل يمكن التّعايش معها ؟
- 1 ديسمبر 2024, 11:17:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الصّهيونية: النّشأة و التّطور
الصّهيونيّة،لغةً، هي مصدر صناعيّ عربيّ للكلمة العبريّة خطًّا: ציונות و نُطقًا: تْسِيُونيت التي يكون مُقابلها الأنجليزيّ: Zionist، و مُقابلها الفرنسيّ: Sioniste.
و قد وردت كلمة صَهْيون،في العهدَين القديم و الجديد، بمعانٍ مختلفة كالحِصْن أو المدينة،أو هي الهضبة التي بُنيت عليها القدس القديمة، كما يدّعي اليهود.
و نجد استعمالاً لكلمة صَهيون،في روسيا سنة 1881، عند جمعيّة ( خوفيفي تْسِيُون ) نُطقًا للجملة العبريّة خطًّا חובבי ציון أيْ: ( أحبّاء صهيون ) التي انتشرت،أيضًا، بين اليهود في الولايات المتّحدة و في أروبّا.و كانت هذه الجمعيّة تستهدف منع اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، و تحقيق حلم التّخلص من الحياة في المَنفى، و الاستعداد للعودة إلى صَهْيون، أيْ إلى فلسطين كما يدّعون.
و قد كانت هذه الجمعيّات كلّها، أساسًا للحركة السّياسية الصّهيونيّة العالميّة التي وُلدت في المؤتمر الصّهيوني الأوّل الذي دعا إليه تيودور هرتزل ( 1860– 1904 )، في مدينة بالBâle بسويسرا، في 29/8/1897.و كانت إحدى أهداف هذه الحركة الصّهيونيّة،هي إقامة وطن قوميّ لليهود،في فلسطين، يَضْمنه القانون العامّ.
و تذكر المصادر أنّ ناثان بيرنبوم ( 1864-1937 ) Nathan Birnbaum، هو أوّل من صاغ مصطلح الصّهيونيّة،في عام 1890، و أسهب في الحديث عن » العِرْق اليهوديّ ».و كان يهاجم فكرة الاندماج، أيْ اندماج اليهود في غيرهم من الأمم و الشّعوب.و في عام 1884، نشر كتابه ( مرض الاندماج ) و هو من النّصوص الأولى التي ساهمت في تطوير الأفكار الصّهيونية التي تبنّاها،في ما بعد، تيودور هرتزل و طوّرها.و قد انضمّ ناثان بيرنبوم إلى صفوف الحركة الصّهيونية في مؤتمرها الأوّل،عام 1897، و تبنَّى أفكارها.و لكنّه سرعان ما ابتعد عنها،في عام 1898، و التحق بالحركات الدّينية اليهوديّة الأرثوذكسيّة، و أصبح من دعاة فكرة القوميّة في الشّتات، أو ما يسمّيه بعض الباحثين بالصّهيونية الثّقافية،و هي تناقض فكرة الصّهيونية السّياسية التي تتزعّمها الحركة الصّهيونيّة العالميّة، و التي تستهدف إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين.
و قد كتب تيودور هرتزل في مذكّراته،تعليقًا على انعقاد المؤتمر الصّهيوني الأوّل، سنة 1897: « اليوم في مدينة بال، قمتُ بتأسيس الدّولة اليهوديّة.لو قُلتُ هذا الكلام علَنًا، لضحك النّاس منّي.و لكن ممكن بعد خمس سنوات، أو بعد خمسين سنة بالتّأكيد سَيفْهم الجميع ».و يضيف: «...يجب أن نكون جزءًا من جدار دفاعيّ لأوروبّا،هناك في آسيا، أيْ قاعدة أماميّة للحضارة ضدّ البربريّة.و كدولة محايدة، يجب أن نَبقى على اتّصال مع كلّ أوروبّا، و هذا الاتّصال هو الذي يضمن وجودنا و بقاءنا ».
و قد وجدت هذه الحركة الصّهيونيّة العالميّة مناسبة لتجسيد أهدافها،مع وَعد بلفور عام 1917.و هذا الوعد هو،في الأصل، رسالة وجّهها آرثر بلفور ( 1848- 1930) وزير الخارجيّة البريطانيّ،آنذاك، إلى اللّورد والتر روتشيلد ( 1937-1868 )
زعيم الجالية اليهوديّة البريطانيّة، و هو مصرفيّ صهيونيّ، يؤكّد له فيها التزام الحكومة البريطانيّة بإنشاء وطن لليهود في فلسطين.
هل يمكن التّعايش مع الصّهيونية في فلسطين و في العالم العربي ؟
قد يكون في هذا السّؤال نصيب كبير من الاستفزاز لا يُقبل،بعد احتلال إسرائيل لفلسطين، و تهجير أهلها و ارتكابها للإبادة الجماعيّة،في غزّة، و بعد جرائمها في الضّفة الغربيّة، و عدوانها الوحشيّ على لبنان.و لكنّ هذا الاستفزاز ليس مقصودًا البتّة،و إنّما جيء بهذا السّؤال،في هذا العنوان، ليكون مدخلاً لترتيب بعض الأفكار ذات أهمّية و بال، و التّأكيد على أفكار أخرى تكاد تكون كالبديهيّات، توضع منظَّمة في نقاط محدّدة، بشيء من الكثافة و التّركيز.
1- إنّ الأمر الأوّل الجدير بالذّكر و التّأكيد، أنّ إسرائيل دولة صهيونيّة، و أنّ الصّهيونية هي حركة استعماريّة استيطانيّة، وُلدت في رَحم الظّاهرة الاستعماريّة الحديثة، و نشأت و ترعرعت في أحضان الاستعمار الغربيّ الحديث، و أنّ دولة إسرائيل،القائمة على الصّهيونية، هي كيان مصطنع و دولة محتلّة، زُرعت زَرعًا في فلسطين بالقوّة و القهر، و بتواطؤ غربيّ منذ بدايات القرن الماضي، و قد تمّ التّمكين لهذا الكيان المحتلّ في 15 ماي 1948.و قد تجدّد التّأكيد على هذا الوضع الاحتلاليّ، في القرار الأخير للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة،في 18 سبتمبر 2024، بعد فتوى طلبتها من محكمة العدل الدّولية، بشأن الآثار القانونيّة لسياسات إسرائيل، وممارستها في فلسطين.و بناء على هذه الفتوى، طالب قرار الجمعيّة العامّة الأخير، إسرائيل بإنهاء احتلالها غير القانونيّ للأراضي الفلسطينية فورًا.و يدعو القرار إسرائيل،أيضًا، إلى الالتزام بالقانون الدّولي، و سحب قواتها العسكريّة، و إيقاف جميع الأنشطة الاستيطانيّة، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي المحتلّة، وتفكيك الجدار العازل الذي بنته داخل الضّفة الغربية المحتلّة،و الذي يشكّل عملاً غير قانونيّ، يستلزم مسؤوليّة دوليّة، و ذلك في موعد لا يتجاوز 12 شهرًا.
2- عندما يجيء ذكر الوجود الصّهيوني،في فلسطين المحتلّة،منذ 76 سنة ، فإنّ قائمة طويلة من الهمجيّة و الوحشيّة، و الإبادة الجماعيّة و الجرائم البشعة، و التّطهير العرقي و القتل المنظَّم، و التّعذيب و التّنكيل، و النّفي و الاغتيالات، و اغتصاب الأرض و التّوسع الاستيطاني، و الهدم و التّدمير، و التمييز العرقيّ و الفصل العنصريّ، و الحقد و الانتقام، و الحصار و التّجويع، و القتل الهمجيّ الوحشيّ للحوامل و الرّضع و الخِداج، و الأطفال و النّساء، و الفظائع المرتكبة ضدّ المدنيّين العزّل،و استهداف المستشفيات، و طواقم النّجدة و الإسعاف، و قصف التّجمعات الشّعبية و المخابز و الأسواق، و تدمير كلّ المرافق الحيويّة، و عناصر البنية التّحتية التي توفّر الخدمات الأساسيّة للسّكان...و هذا السّلوك الهمجيّ،الممتدّ في الزّمان و المكان، هو نتيجة التّطبيق الحرفيّ، لمنظومة القيم الصّهيونية التي تتبنّى التّجريد المنهجيّ للفلسطينيّين من إنسانيّتهم، و هي التي أشار إليها،في عدّة مناسبات، جدعون ليفي Gideon Levy، و هو صحافيّ إسرائيليّ من المعارضين للسّياسات الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيّين.
أمّا في لبنان فإنّ جرائم الصّهيونية في تصاعد و ارتفاع كالقتل الجماعيّ، و استهداف المدنيّين و المستشفيات و طواقم الإسعاف، و القتل الأعمى بتفجير أجهزة الاستدعاء و الهواتف اللاّسلكية، و الاغتيالات الهمجيّة، و قصف المنازل و البيوتات الآمنة، و تدمير البنَى التّحتيّة و المرافق الحيويّة...كلّ هذه الفظائع في فلسطين و لبنان،و في عموم المنطقة العربيّة، هي دلائل و شواهد تؤكّد،مرّة و مرّات، أنّ العصابات الصّهيونية المحتلّة لفلسطين، قد فاقت في همجيّتها و وحشيّتها همجيّة عصابات المغول،من قبل، و همجيّة النّازيبن الألمان في العصر الحديث.
3- و قد تمتدّ الهمجيّة الصّهيونية إلى فضاءات آمنة مخصّصة،ابتداءً، للتّنافس النّبيل و التّعارف و الاجتماع، فتحوّلها عنفًا و أحقادًا و صدامات، كما حدث يوم الخميس 7 نوفمبر الماضي، في مدينة أمستردام،بهولندا، التي احتضنت منافسة رياضيّة أروبية.فقد قامت مجموعات من المناصرين الصّهاينة الهمجيّين،وصلوا إلى المدينة لتشجيع ناديهم الكرويّ، بترديد شعارات عنصريّة معادية للعرب و الفلسطنيّين، و تمزيق الأعلام الفلسطينيّة الموضوعة على البنايات، و شرفات المنازل.و قد بدأ استفزاز مجموعات المناصرين الهمجيّين للجمهور الهولنديّ،داخل الملعب، حين رفضوا الوقوف دقيقة صمت حدادًا على ضحايا فيضانات فالنسيا الإسبانيّة،و قاموا بالهتاف و إشعال الألعاب النّارية، خلال تلك الوقفة الإنسانيّة، و هي،في الأصل، تعبير إنسانيّ عفويّ تلقائيّ عن التّعاطف،و التّضامن و المواساة.
4- خلاصة و استنتاج
إنّ كلّ الهمجيّات الصّهيونيّة،في صورها المختلفة، التي يتابع العالم،منذ أكثر من سنة، فصولها الدّمويّة، و مشاهدها المُرعبة، و الابادة الجماعيّة في غزة، و في الضّفة الغربيّة و عموم فلسطين، و العدوان الوحشيّ على لبنان و اليمن، و استهداف سيادة سوريا و العراق و إيران، و مسلسل الاغتيالات الدّموية التي صاحبت نشأة الكيان الصّهيونيّ و تمدّده،و إهانة هيئة الأمم المتّحدة و التّطاول على أمينها العامّ، و الاستخفاف بمواقفها و قراراتها، و الاعتداءات المتكرّرة على قوّات اليونيفيل الأمميّة في جنوب لبنان و استهدافها، وتفكيك هيئة الأنروا،و هي هيئة أمميّةلإغاثة و تشغيل اللاّجئين الفلسطينيّين، داخل فلسطين و في الشّتات...كلّ هذه الهمجيّات و صورها البشعة تؤكّد، مرّة أخرى، أنّ الصّهيونيّة المنفلتة من كلّ القيود و الأعراف، و المتحلّلة من كلّ القيم و الالتزامات، هي ظاهرة وحشيّة فاقت في وحشيّتها و همجيّتها النّازية الألمانيّة، و الفاشية الإيطاليّة.و كلّ أولئك يُثبتت،أيضًا، أنّ الصّهيونيّة هي تهديد للأمن و السّلم في المنطقة العربيّة، و هي تهديد للأمن و السّلم في العالم كلّه، و أنّ استئصالها من المنطقة العربيّة، و تطهير الأرض العربيّة من هذا الوباء المستوطن هو واجب دينيّ، في المقام الأوّل، لا يسقط بالتّقاعس و التّسويف، و لا يؤجَّل بالمهادنة والتّطبيع. و هو أيضًا، واجب إنسانيّ كبير، و مهمّة إنسانيّة نبيلة، حصيلتُها تحقيق الأمن و ضمان السّلم في العالم.