مخاوف أمريكية من "هجرة العقول"

تخفيضات ترامب تدفع العلماء للبحث عن وظائف في أوروبا

profile
  • clock 11 أبريل 2025, 5:15:39 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ديفيد دي ديجان شغوف بدراسة أسماك التونة. في العام الماضي، حصل على وظيفة أحلامه في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في ميامي لمواصلة أبحاثه. وبحلول يناير، كان قد استقر في وظيفته، وتلقى مراجعة إيجابية، وكان يستمتع بالعمل مع زملائه، حسبما قال.

ثم في منتصف فبراير، تلقى رسالة بريد إلكتروني تطلب منه إخلاء المبنى خلال 90 دقيقة فقط. تمت إقالته مع مئات آخرين في إطار تخفيضات وظيفية استهدفت الموظفين في فترة الاختبار، وذلك مع بدء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تقليص تمويل الجامعات والمؤسسات البحثية.

الآن، يتقدم دي ديجان لشغل وظائف في أوروبا.

يقول العالم الذي يدرس مخزون الأسماك لضمان استدامة صيد التونة: "أرغب في العمل في أي مكان يسمح لي بإجراء أبحاثي". وأضاف: "أنا متلهف لبعض الفرص القادمة من الاتحاد الأوروبي... والتي تزيد من إمكانيات قدومي إلى هناك". وُلد دي ديجان في إسبانيا، لكنه أمضى معظم حياته المهنية في الولايات المتحدة وأستراليا.

تقول إدارة ترامب إن خفض مليارات الدولارات ضروري للحد من العجز الفيدرالي والسيطرة على ديون الولايات المتحدة.

تأتي هذه التخفيضات في مجال البحث العلمي وسط صراع أوسع، حيث انتقد ترامب الجامعات لسياساتها المتعلقة بالتنوع، واتهم بعض المؤسسات بالفشل في حماية الطلاب اليهود من معاداة السامية.

أوروبا تسعى لاستقطاب العقول

أثارت هذه التهديدات لمستقبل الأكاديميين في جامعات مثل ييل وكولومبيا وجونز هوبكنز آمال القادة الأوروبيين في الاستفادة من هذا النزيف الفكري.

في مارس، وقّعت 13 دولة أوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا وإسبانيا، خطابًا يدعو المفوضية الأوروبية للتحرك بسرعة لجذب المواهب الأكاديمية.

وأعلن المجلس الأوروبي للبحث العلمي، وهو هيئة تابعة للاتحاد الأوروبي تموّل الأبحاث العلمية، عن مضاعفة ميزانية الانتقال المخصصة للباحثين المنتقلين إلى أوروبا إلى مليوني يورو (2.16 مليون دولار) لكل باحث. هذه الميزانية مخصصة لتغطية تكاليف الانتقال إلى مؤسسة أوروبية، بما في ذلك إنشاء مختبرات بحثية جديدة.

وفي ألمانيا، كشف اتفاق الائتلاف الحكومي عن خطط لاستقطاب ما يصل إلى 1000 باحث، وفقًا لوثائق المفاوضات التي اطلعت عليها وكالة "رويترز"، والتي تشير إلى الاضطراب الذي يشهده قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة.

وتحدثت "رويترز" مع 13 جامعة أوروبية ومعاهد بحثية أفادت جميعها بأنها شهدت زيادة في اهتمام الباحثين الأميركيين بالانتقال إلى أوروبا.

يقول جراي ماكدويل، من شركة "كابجيميني إنفنت" الأميركية للاستشارات الرقمية: "عدم الاستقرار التنظيمي، وخفض التمويل، والقيود على الهجرة، وانخفاض التعاون الدولي، كلها عوامل تخلق عاصفة مثالية لهجرة العقول".

من جهته، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الإدارة الأميركية تقوم بتحليل منح البحث العلمي، وتعطي الأولوية للتمويل في المجالات التي من المرجح أن تحقق عوائد للمواطنين الأميركيين أو تقدم إنجازات علمية مهمة. وأضاف أن تخفيضات NOAA جرى تصميمها بطريقة لا تؤثر على قدرتها على أداء مهامها.

هل تستطيع أوروبا سد الفجوة؟

جذب المواهب الأميركية إلى أوروبا لا يعتمد فقط على حسن النوايا، بل يتطلب تمويلًا كبيرًا.

لطالما تخلفت أوروبا عن الولايات المتحدة في الاستثمار في التعليم العالي.

في عام 2023، بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في الاتحاد الأوروبي عبر الشركات والحكومات والجامعات والمنظمات غير الربحية 381 مليار يورو (411 مليار دولار)، وفقًا لبيانات "يوروستات"، وهو المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، قُدّر إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في الولايات المتحدة بـ940 مليار دولار في نفس العام، وفقًا للمركز الوطني للإحصاءات العلمية والهندسية.

وتعتبر الجامعات الأميركية أكثر ثراءً بكثير من نظيراتها الأوروبية. فمثلًا، تمتلك جامعة هارفارد، وهي الأغنى في الولايات المتحدة، صندوق استثمار بقيمة 53.2 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة صندوق جامعة أكسفورد، الأغنى في بريطانيا، 8.3 مليار جنيه إسترليني (10.74 مليار دولار).

يقول مايكل أوبنهايمر، أستاذ الجيولوجيا والشؤون الدولية في جامعة برينستون: "حتى مع بذل جهد كبير واستثمارات ضخمة، ستحتاج أوروبا عقودًا عدة لتضييق الفجوة مع الولايات المتحدة".

وأضاف مسؤول في البيت الأبيض: "حتى مع هذه التخفيضات، ستظل الولايات المتحدة أكبر ممول عالمي للبحث العلمي. أوروبا لن تستطيع سد هذه الفجوة".

عوائق أمام العلماء الراغبين في الانتقال

في حين يدرس العديد من العلماء الانتقال إلى أوروبا، فإن بعض العقبات قد تثنيهم عن ذلك.

يقول مايكل أولسن، مدير برنامج الوقاية من العدوى في نظام صحي بواشنطن العاصمة، إن "حواجز اللغة، والقوانين غير المألوفة، والممارسات الوظيفية المختلفة، تشكل عوائق أمام الانتقال".

الرواتب أيضًا تشكل عاملًا مهمًا.

يقول هولدن ك. جروفز، أستاذ مساعد في التخدير بجامعة كولومبيا: "انطباعي هو أنني سأحصل على راتب أقل بكثير كطبيب تخدير في أوروبا. إنه تغيير كبير وصعب".

فرصة ذهبية لأوروبا؟

مع ذلك، يرى القادة الأوروبيون أن نهج إدارة ترامب يمنحهم فرصة لتعزيز البحث العلمي في أوروبا.

يقول المستشار الألماني المنتظر، فريدريش ميرتس: "الحكومة الأميركية تستخدم الآن القوة المفرطة ضد الجامعات في الولايات المتحدة، وهذا يدفع الباحثين هناك للتواصل مع أوروبا. إنها فرصة هائلة لنا".

جون توثيل، أستاذ علم الأعصاب في جامعة واشنطن بسياتل، يدرس خياراته الآن. وهو غير قادر على التقدم للحصول على تمويل جديد لما بعد عام 2027 لأن طلبات المنح قد تم تجميدها.

يقول توثيل، الذي يدير مختبرًا يضم 17 شخصًا، إن حوالي ثلاثة أرباع تمويله يأتي من المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، التي تخضع لخفض كبير في ميزانيتها.

وأضاف: "أوروبا هي الخيار الواضح، لأنها المركز الآخر الرئيسي للبحوث الطبية الحيوية في العالم".

وفي فرنسا، قالت جامعة إيكس مرسيليا إنها تلقت طلبات اهتمام من 120 باحثًا من مؤسسات أميركية، بما في ذلك ناسا وجامعة ستانفورد، لبرنامج بحثي أطلق في 7 مارس بميزانية 15 مليون يورو.

وفي هولندا، تسعى الحكومة لإنشاء صندوق لجذب كبار العلماء الأجانب وتعزيز "السيادة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي، وفقًا لوزير التعليم إيبو بروينز.

وفي بلجيكا، أطلقت جامعتا "Vrije Universiteit Brussel" و"Université Libre de Bruxelles" برنامجًا لتشجيع الباحثين الأميركيين على التقدم لشغل 36 منصبًا بعد الدكتوراه.

وفي المملكة المتحدة، أعلن "معهد جرانثام" في "إمبريال كوليدج لندن"، الذي يركز على أبحاث تغير المناخ، عن توفير زمالتين بحثيتين جديدتين للباحثين الأميركيين.

من جانبها، قالت سارة وايزبرج، عالمة أحياء متخصصة في مصايد الأسماك، إنها فُصلت من عملها في فبراير، لكنها تلقت عرضًا للعمل في أوروبا.

وأضافت: "لم أفكر أبدًا في نقل مسيرتي المهنية إلى أوروبا، لكن الآن لا أملك خيارًا سوى التفكير في ذلك".

المصادر

رويترز

التعليقات (0)