الجاسوسية أسرار والغاز (14)| الجاسوس الميكانيكي (2-2)

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 5 أغسطس 2024, 1:05:35 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.

ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطور الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان.

وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.

ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم.

الحلقة 14

>> خطأ تجنيد زينب قاده إلى المشنقة ودفع ثمن خيانته لوطنه ودينه

>> ماريو باع بلاده بـ7 آلاف دولار وكثير من الحماقة  

>> طلب من زينب إعداد تقرير اقتصادي عن مصر ومشاكل التنمية

>> ذكريات دورة إرشادية عن أساليب الموساد دفعت زينب للشك في الجاسوس

>> العميل ادعى أنه رجل أعمال بريطاني واختار زينب وكيلة لأعماله

>> ضيق الخناق عليها لتنفذ نقودها فاصطادته بعدما تشككت في أمره

>> وعد عبد الناصر بحماية المتورطين في التجسس دفعت 7 للاعتراف بسقوطهم في براثن العدو

>> زينب ذهبت للمخابرات المصرية فور وصولها القاهرة لتجد صورها مع ماريو في انتظارها  

 

تابعنا في الحلقة الماضية كيف أوقع حب المال والثراء السريع ماريو في فخ الموساد، وكيف استجاب لهم بعدما خدعوه بأنهم يحاربون الشيوعية ولا يضمرون الشر لمصر، وانساق بالفعل معهم وقرر أن يجند عملاء للصهاينة ووقع اختياره على زينب الفتاة القاهرية التي قابلها في خان الخليلي وتوثقت علاقته بها بعدما تكررت زيارته لها لشراء قطع الحلى والمشغولات التي كان يتاجر فيها.. وبالفعل أرسل برسالة الى الفتاة المسكينة يطلب منها المجيء لايطاليا لتحقيق رغبتها في شراء سيارة فيات 128 مستعملة، وحدث ذلك بالفعل.

وعندما رأت زينب ماريو في ايطاليا كانت كمن عثر على شيء ثمين، اذ صدمتها اللغة الايطالية التي لا تعرف منها حرفاً واحداً.. وسرت كثيراً عندما وجدت ماريو يتحدث بها كالطليان أصحاب البلد، اصطحبها الى فندق رخيص في روما ثم تركها لتستريح وذهب هو الى مسكنه ليرتب خطة تجنيدها التي رسم خطوطها عدة مرات..

وفي الصباح ذهب الى الفندق حيث كانت الفتاة تنتظره فأخذها في جولة رائعة بسيارته لمنتزهات روما وأماكنها السياحية، ثم ذهب بها في اليوم التالي الى أماكن بيع السيارات المستعملة، معتمداً أن يرفع لها أسعار السيارات مستغلاً جهلها باللغة الايطالية، واعتمادها عليه أولاً وأخيراً.

وتعمد أيضاً أن تطول مدة اقامتها في روما للبحث عن فرصة شراء سيارة أفضل وأرخص وأقنعها بشراء فيات 125 دفعت فيها معظم ما تملكه من مال.. وما تبقى معها كان يكفي بالكاد مصاريف الشحن الى الاسكندرية.

وصدمت الفتاة بعدما تبين لها أن فاتورة الفندق امتصت النصيب الأكبر من نقودها.. ولم تعد تملك مصاريف الشحن كاملة. لقد خدعها ماريو عندما ذكر لها أرقاماً تقل بكثير عن كلفة شحن السيارة.

تضييق الخناق

وتعمد ماريو أن يتركها لعدة أيام دون أن يتصل بها بحجة أنه كان في ميلانو، وبكت زينب في حرقة وهي تحكي له عن حالها، وكيف أنها لم تعد تملك أية أموال لتعود الى مصر بالسيارة الواقفة أمام الفندق ومتوسلة رجته أن يساعدها فوعدها بذلك، وبعد مرور ثلاثة أيام أخرى كانت زينب قد باعت حليها ولم تتبق معها سوى ساعة يدها الجوفيال التي لاتساوي شيئاً يذكر.

حاصرها ماريو جيداً وأفقدها التفكير وضيق الخناق عليها واستعمل معها أسلوب صيد الغزلان بأن أغلق أمامها كل الطرق.. وترك لها فتحة ضيقة لتنفذ منها الى شبكته لتقع فيها ولا تخرج، وظهر لها فجأة بعد غياب عدة أيام معتذراً بشدة.. واصطحبها للعشاء بأحد المطاعم الراقية..وبعد أن جلسا عزفت الموسيقى مقطوعة ايطالية شهيرة عنوانها مولتي غراتسي ميو أميتشو أي شكراً جزيلاً يا صديقي فقالت زينب لماريو: طلبت منك قرضاً أرده لك في مصر فلم تجبني.

اعتدل ماريو في مقعده وقال بسرعة: نعم، نعم، لا مشكلة اذن، بعد غد سأتولى شحن سيارتك الى الاسكندرية.

- ولِم بعد غد؟

- لانني مشغول غداً.. ولا أملك وقتاً مطلقاً قالها ماريو وتعمد ألا ينظر لوجهها.

- لقد وعدتني أن تدبر لي عملاً هنا في روما، فان ذلك سيعفيك من اقراضي أية أموال.

- ماذا تقولين؟ ألم أخبرك أنني أبحث بالفعل عن عمل مناسب لك؟

- أنت تقول قالتها زينب مليئة بالحسرة والاحساس بالندم

فما كان من ماريو الا أن أجاب: عموماً.. بعد غد ستكون سيارتك على ظهر السفينة.. أفهمت؟

وفي تلك اللحظة.. اقترب منها رجل وسيم تعدى الخمسين بقليل وقال بالانكليزية بأدب جم: أتسمحان لي بأن أطلب من ادارة المطعم اغلاق جهاز التكييف الحار حتى لا نصاب جميعاً بالبرد عند الخروج؟

ردت زينب في حماس بالغ ممزوج بالعرفان: تفضل.. وشكراً يا سيدي

أردف الرجل قائلاً: معذرة.. هل أنت تونسية؟

أجابته بأن لكنتها تدل على ذلك وضحكت وقالت في افتخار: أنا من الجمهورية العربية المتحدة. من القاهرة.

هتف الرجل سعيداً: أوه.. ناسر.. يا له من زعيم عبقري.

وفي حركة مسرحية سريعة مد الرجل يده الى محفظته.. وأخرج منها صورة لعبد الناصر يشرب من القلة ويجلس على الأرض بجوار صلاح سالم وأردف قائلاً: تمنيت أن أراه وأصافحه ذات يوم.. فهل يتحقق لي ذلك؟

- تعال الى القاهرة يا سيدي وأعتقد أن ذلك ليس بالشيء الصعب.

هكذا قالت زينب بفخر، وهي تتكلم الانكليزية بطلاقة..، وتكلم ماريو يخاطب الرجل بالايطالية: أنتم تكرهون ناصر في الغرب.. وفي الشرق تتوقف الحياة تماماً حينما يتكلم.. تناقض غريب.

أجاب الرجل في بشاشة: نعم يا سيد..؟

- ماريو... ماريو ايجتسيانو ماريو المصري.

- نعم.. نعم سنيور ماريو هذه حقيقة لا ننكرها.. فمنذ أزمة القناة والغرب لا ينسى ذلك لناصر أبداً.

واعترضت زينب على حوارهما بالايطالية فقال لها ماريو ان لغته الانكليزية ضعيفة جداً.. وجاءت فاتورة الحساب ففوجئت زينب بالرجل الغريب يصر على دفعها.. وعندما تمسك ماريو برأيه قال الرجل: اذن.. هلا قبلتما دعوتي على العشاء غداً؟

- أجاب ماريو موافقاً بينما تحرجت زينب ثم فاجأهما ماريو باعلان اعتذاره لارتباطه طوال الغد.. فأبدى الرجل الأنيق تفهمه ونظر الى زينب فتراجعت الكلمات على لسانها.. عندها لم يمهلها وقتاً طويلاً لتفكر وقال موجهاً حديثاً اليها أنه سيلتقي بها في الثامنة مساء الغد في مطعم فريسكو.

دبلوماسية الحوار

فقالت زينب في اضطراب بعدما نظر اليها ماريو موافقاً انها لا تعرف الأماكن جيداً. وبدأ الرجل سيلاً من الأسئلة عن جوانب حياتها فأجابته زينب بحسن نية وأخيراً قال لها في دبلوماسية شديدة تدل على خبرة عالية في ادارة حوار: لقاء الغد ستترتب عليه أشياء كثيرة مهمة لكلينا..!.

وبعد انتهاء السهرة صحبهما بسيارته الفارهة وأنزل زينب أمام فندقها وانصرف.. وقضت هي وقتاً طويلاً تفكر فيما يقصده بعبارته الأخيرة. وماذا سيترتب عليها من أشياء مهمة؟؟

وفي مساء اليوم التالي كان في انتظارها بردهة الفندق كما اتفقا بالأمس.. وأخذها في جولة ليلية بنوادي روما وشوارعها ثم دلفا معاً الى مطعم فريسكو الشهير.. حيث الأنواع الغريبة من الأسماك والمحار وكائنات بحرية مدهشة.

كان الرجل قد التمس مكاناً هادئاً في ركن بعيد وتوقعت زينب أنه من زبائن المطعم المعروفين، للاحترام الجم الذي قوبل به، ولكنه انتشلها من حيرتها وقال لها بحرارة: آنسة زينب.. منذ الأمس وأنا في حيرة شديدة.. وكما تعلمين فأنا رجل أعمال بريطاني معروف.. والذي لا تعرفينه أنني انفصلت عن شريك لي منذ مدة قصيرة.. وكنت أنوي توسيع أعمالي في لندن لكن أشار علي البعض باستثمار مشاريع انمائية في جنوب أفريقيا.. وقمت بالفعل بالسفر الى جوهانسبرغ، وزيارة كيب تاون وحصلت على بعض تقارير اقتصادية لتساعدني في اتخاذ قراري.. حتى كان لقاء الأمس الذي سبب لي حيرة شديدة فبرغم حبي لناصر الا أنني لم أفكر من قبل في السفر الى القاهرة لدراسة السوق المصرية واقامة بعض مشروعاتي بها.

وتنهد الرجل فيما يشبه إحساساً بالندم، وأردف: إنني الآن- وبإصرار وثقة- أريد اقتحام السوق العربية من خلال مصر.. ومن خلالك أنت.

ردت زينب في دهشة: من خلالي أنا؟

- نعم.. فأنت مصرية وجامعية طموحة.. تملكين اللغة العربية والانكليزية والثقافة.. ويمكنني الاعتماد عليك في اعداد تقرير اقتصادي عن أحوال مصر الاقتصادية ومشاكل التنمية بها ومعوقات السوق.. ومن خلال هذا التقرير سأقرر ما اذا كنت أستطيع اقامة مشاريع انمائية في مصر من عدمه.. ولذلك فهذا الأمر مهم بالنسبة لي ولك.. لأنك ستكونين مديرة لفرع القاهرة وتملكين حق اتخاذ قرارات لصالح مؤسستنا.

انفرجت أسارير زينب وهللت بشراً وسعادة لهذا الخبر المنهمر الذي أغدق عليها فجأة. كانت تجلس أمامه ولا تملك بحقيبة يدها سوى ستة وعشرين دولاراً وبضع ليرات ايطالية لا تكفي ليوم آخر في روما.. واغرورقت عيناها بدموع الفرح عندما فاجأها قائلاً: ومنذ اليوم سيكون راتبك ثلاثمائة دولار شهرياً.

انقشاع الغمة

صرخت بأعماقها لا تصدق أن غيمة النحس قد انقشعت.. وأن الحياة عادت لتضحك من جديد.. لقد مرت بها سنوات من الجوع والحرمان والحاجة.. وكلما ارتقت درجة من درجات الأمل انزلقت الى الوهم وأحلام الخيال، الآن جاءت أحلام الواقع لتزيح أمامها الأوهام فتتراجع القهقرى.

كانت تبدو من قبل وكأنها تغرق في بحر من الدوامات.. بينما تشعر الآن بأنها تطير في سماوات من الصفو اللذيذ.. أخيراً تحقق الحلم الذي طال انتظار اليتيم له، حلم ليس بالمستحيل ولكنه كان المستحيل نفسه.

- يا الله.. قالتها زينب وهي تتنهد لتغسل صدرها الصغير من تراكمات اليأس وخيوط الرجاء.

أوصلها الرجل الى الفندق بعدما منحها 600 دولار مرتب شهرين ودفع عنها حساب الفندق، وفوجئت زينب بماريو يسرع بشحن سيارتها ودفع مصاريفها ويودعها بالمطار.

وفي مقعدها بالطائرة أغمضت عينيها وجلست تفكر في أمر ماريو، لقد أخبرته بأمر الرجل فأظهر موافقته. وبرغم كونه تاجراً لم يأخذ منها مصاريف الشحن.. بل ألح عليها كثيراً لكي تأخذ منه مائة دولار في المطار.. وسلمها حقيبة هدايا بها علبة ماكياج كاملة وزجاجتا بارفان وحزام جلدي أنيق.

تشككت زينب في هذه الأمور وأخذت من جديد تستعرض شريط ما مر بها في روما، وتذكرت الدورة الارشادية التي حضرتها في أحد مدرجات جامعة القاهرة قبل سفرها بأيام، كان المحاضر يشرح أساليب الموساد في اصطياد المصريين في الخارج، ولأن ماريو مصري مثلها ومجريات الأمور كلها كانت شبه طبيعية.. فقد طردت وساوسها التي تضخمت الى حين.. وقررت أمراً في نفسها.

في مطار القاهرة انتحت بأحد الضباط جانباً، وفي اليوم التالي.. كانت تستقل سيارة صحبتها الى مقر جهاز المخابرات المصرية.. قالت كل شيء بدقة وسردت تفاصيل رحلتها الى ايطاليا وكيف خدعها ماريو لتنفق كل ما لديها من نقود، وحكت ظروفها النفسية السيئة التي مرت بها وكيفية تقرب رجل الأعمال البريطاني منها في تلك الظروف، وكيف شحن ماريو سيارتها الى الاسكندرية على نفقته الخاصة.. وهو التاجر الذي يسعى للكسب..؟ بل انه عرض عليها مائة دولار أخرى، ولماذا لم يعطها رجل الأعمال عنوانه في بريطانيا لتراسله وتبعث اليه بالتقارير التي طلبها؟ لقد أخبرها أن ماريو سيسافر الى القاهرة عما قريب وعليها أن تسلمه التقرير الاقتصادي الوافر الذي ستعده عن مصر.

تذكرت زينب أيضاً كيف أن ماريو طلب منها في المطار أن تهتم جيداً بالعمل الذي أوكل اليها ولا تهمله، وعندما سألته هل لديك عنوان مكتب رجل الأعمال؟!! أجاب بنعم في حين أنه من المنطقي أن يكون معها عنوانه، لقد سلمها 600 دولار وهي بلا شك لقاء قبولها التجسس على وطنها.

مفاجأة.. متوقعة

فوجئت زينب بما لم تتوقعه على الاطلاق.. صور عديدة لها مع ماريو.. قال ضابط المخابرات المصري أن المخابرات العربية على علم بأمره.. وتراقب تحركاته وتنتظر دليل ادانته وقال لها أيضاً:

ان اسرائيل منذ قيامها في عام 1948 وهي تسعى بشتى السبل لمعرفة كل ما يجري في البلاد العربية من نمو اقتصادي وتسلح وما لديها من قوات وعتاد.. ولذلك لجأت لشراء ضعاف النفوس والضمائر وجعلتهم يعملون لحسابها.. وينظمون شبكات التجسس المتعددة في العواصم العربية.. حتى اذا كشفت واحدة تقوم الأخرى مكانها وتتابع نشاط جواسيسها.. وتنفق اسرائيل الملايين على هذه الشبكات للصرف عليها، وأن السبب الرئيسي لسقوط بعض الأفراد في مصيدة المخابرات الاسرائيلية هو ضعف الحالة المادية.. وبالاضافة الى الأموال الطائلة التي تنفقها الموساد على عملائها.. فانها تغرقهم أيضاً في بحور الرغبة وتشبع فيهم نزواتهم.. وبذلك تتم له السيطرة عليهم.

لذا.. فقد أعلنت المخابرات المصرية في يناير عام 1968 بأنها ستساعد كل من تورط مع العدو.. ووقع في فخ الجاسوسية بالاغراء أو التهديد، وأنها على استعداد للتغاضي عن كل ما أقدم عليه أي مواطن عربي.. اذا ما تقدم بالابلاغ عن تورطه مع الموساد مهما كان منغمساً في التجسس.. وذلك لتفويت الفرصة على المخابرات الاسرائيلية. ووعد الزعيم جمال عبد الناصر صراحة بحماية كل من تورط بالتجسس لأي سبب.. وقد أسفرت هذه الخطة عن تقدم سبعة مصريين الى جهاز المخابرات المصرية يعترفون بتورطهم ويشرحون ظروف سقوطهم. وأضاف الضابط: لقد تكلمنا مع ماريو عدة مرات من قبل.. وأفهمناه بطريقة غير مباشرة بأننا على استعداد لمساعدة المتورطين دون أن يعاقبوا، لكن يبدو أنه استلذ أموال الموساد، وسيسقط على يديك يا زينب لأننا سنحصل على دليل ادانته من خلالك. ووضعت المخابرات المصرية خطة محكمة لاصطياد ماريو..وفي أول اتصال هاتفي من روما بعد أيام من وصولها.. أخبرته زينب بأنها مشغولة بترجمة الكتاب- وهو مصطلح سبق لهما أن اتفقا عليه- وعندما سألها عن المدة التي تكفي لانجاز الترجمة لأنه ينوي المجيء لمصر بعد يومين طلبت منه- حسب الخطة- أن يتأخر عدة أيام حتى تنجز العمل.

اطمأن ماريو وصديقه لردود زينب.. واقتنعا بأنها منهمكة في اعداد التقرير.. فلو أن هناك شيئاً ما يرتب في الخفاء لما ترددت في ايهامه بأنها أنجزت ما طلب منها.. وفي مكالمة أخرى بعدها بثمانية أيام.. زفت اليه النبأ الذي ينتظره.. وينتظره أيضاً رجال الموساد في روما.. وعلى ذلك أكد لها بأنه سيصل الى القاهرة عما قريب.

سقوط العميل

بعد اللقاء المسجل بالصوت والصورة، اتجه الخائن الى شارع نوال بالدقي حيث شقة زوجته تغريد، فمكث معها يوماً واحداً وحمل كاميراته الخاصة التي تسلمها من الموساد وركب الى الاسكندرية بالطريق الزراعي.. يصور المنشآت الجديدة التي تقوم على جانبي الطريق.. ويراقب أية تحركات لمركبات عسكرية أو شاحنات تحمل المدرعات.. وأمضى مع زوجته وجيدة عدة ساعات ثم عاد الى القاهرة مرة ثانية بالطريق الصحراوي.. وكرر ماريو هذا السيناريو لمدة أسبوع بشكل متصل.. كان اخلاصه للموساد قوياً كعقيدة الانسان أو ايمانه بمبدأ ما.. فآلاف الدولارات التي حصل عليها من الموساد بدلت دماءه وخلايا مصريته وأعمته عن عروبته.. وجعلت منه كائناً فاقد الهوية والشعور

وعندما اتصلت به معشوقته غراتسيللا- عميلة الموساد- تستقصي أخباره وأخبار ضحيته زينب أجابها بأن كل شيء على ما يرام، وحدد لها ميعاد سفره الى ايطاليا، وبعدما أنهت زينب اجراءات الافراج الجمركي عن سيارتها.. استعدت هكذا ادعت له للسفر معه.. فأخبرها بموعد الطائرة وأنه سيمر عليها ليصحبها الى المطار. وقبل السفر بعدة ساعات كان ماريو قد أعد أدواته.. وخبأ الأفلام التي صورها بجيوب سرية داخل حقائبه ونزع البطانة الداخلية لها وأخفى التقارير السرية التي أعدها بنفسه ثم أعاد الصاقها مرة ثانية باحكام فبدت كما كانت من قبل، ومن بين تلك التقارير كان تقرير زينب الذي كان لدى المخابرات المصرية صورة عنه.

وبينما كان ماريو يغادر منزله بالدقي في طريقه الى زينب ثم الى المطار.. فوجئ بلفيف من الأشخاص يستوقفونه.. واقتيد الى مبنى المخابرات وأمام المحقق أنكر خيانته لكن الأفلام والتقارير التي ضبطت كانت خير دليل على سقوطه في وكر الجاسوسية.. فاعترف مذهولاً بعمالته للموساد.. وأمام المحكمة العسكرية وجهت اليه الجرائم الآتية:

- الحصول على أسرار عسكرية بصورة غير مشروعة وافشاؤها الى المخابرات الاسرائيلية.

- الحصول على مبلغ 7 آلاف دولار مقابل افشاء الأسرار لدولة معادية اسرائيل.

- التخابر مع العدو لمعاونته في الاضرار بمصر في العمليات الحربية.

- تحريض مواطنة مصرية على ارتكابها التخابر.. والحصول على أسرار هامة بقصد افشائها للعدو.

وصدر الحكم في مايو 1970 باعدام ماريو شنقاً بعد أن كرر الخائن اعترافه بالتجسس على وطنه.. وبيعه لأسراره العسكرية مقابل سبعة آلاف دولار.. وصدق رئيس الجمهورية على الحكم لعدم وجود ما يستدعي الرحمة بالجاسوس.

 

 

التعليقات (0)