- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "إيران لن تتغير".. سياسات ومشاهد يُهندسها المُرشد
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "إيران لن تتغير".. سياسات ومشاهد يُهندسها المُرشد
- 29 مايو 2024, 10:14:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في إطار الواقعية السياسية، فإنه لا يمكن الجدال بقدرة إيران على تجاوز التحديات الكبيرة التي واجهتها خلال العقود الماضية، وتغلبها على العقبات التي اعترضت مسار تمددها الإقليمي، سواء باللجوء إلى الحلول الدبلوماسية، أو الإتجاه لتوظيف الأذرع الإقليمية حيال تنفيذ وتطبيق سياساتها في الإقليم، بغية استثمارها كـ عوائد سياسية تُحقق لها أهدافها الإستراتيجية، ورغم نجاح إيران في تخطي جُل التحديات والعقبات والحفاظ على أسس الإستقرار كـ نظام سياسي، لكن ذلك لا ينفي إطلاقاً أن مقتل رئيسي وضع إيران أمام تحديات جديدة. هي تحديات تحكمها تساؤلات ما بعد الصدمة، لا سيما حول ظروف مقتل رئيسي وما يمكن أن يُسببه في طبيعة النظام الإيراني، تحديداً في هذا التوقيت الاقليمي الحساس.
مقتل رئيسي في هذا التوقيت الشرق أوسطي، قد يفتح شهية أنصار نظرية المؤامرة لكل الناطقين بإسم إيران أو محورها، خاصة أن في ظروف مقتل رئيسي ثمة هامشاً قد تجد من خلاله نظرية المؤامرة إنتشاراً واسعاً في إيران، لكن الرواية الايرانية أرجعت ظروف الحادثة إلى سوء الأحوال الجوية، لكنها رواية قد لا تكون مُقنعة لغالبية مناصري إيران، حتى لو كانت رواية حقيقية، لكن ضمن ذلك، ثمة من شكك بتلك الرواية، وأن ما حدث مؤامرة، مُرتكزين على مُعطيين، الأول وجود صراع أجنحة داخل إيران الأمر الذي كان سبباً في تحييد رئيسي عن المشهد، والثاني بأن إسرائيل قد تكون ضالعة في هندسة وترتيب ظروف الحادثة، جراء صراعها مع إيران، وحالة التنافس الإقليمي بينهما.
إيران كـ نظام سياسي شأنه شأن غالبية دول الإقليم، فإن روايته الرسمية تبقى في نظر الكثيرين هي الأصح، وإن لم تُقدم إجابات حاسمة، أو لم تكن مُقنعة، وتبقى ضمن ذلك حُجج نظرية المؤامرة تفتقر إلى الكثير من المعطيات، ولا يمكن نتيجة لذلك أن تُنافس الرواية الحكومية، لأن إيران في النهاية قادرة على تشكيل الحقيقة وإقناع جمهورها الداخلي والخارجي، لكن رغم ذلك، وحتى مع فرضية المؤامرة، فإنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن إيران تُعاني من مُشكلة داخلية كبيرة، أو أن رحيل رئيسي قد يؤدي إلى مُشكلة من هذا النوع، ولا يرجع ذلك فحسب إلى أن المرشد الأعلى للجمهورية خامنئي هو القائد المحوري في إيران، أو إلى الآليات الدستورية الواضحة التي تُنظم عملية الانتقال من رئيس إلى آخر في مثل هذه الظروف، بل إلى حقيقة أكثر أهمية وهي أن الحالة الإيرانية تُقوض قدرة الأزمات، التي يُمكن أن تُشكل تهديدًا وجوديًا للنظام.
بهذا المعنى فإن سيناريو وجود صراع أجنحة داخل إيران، قد لا يبدو واقعياً بالنظر إلى ما يتمتع به المرشد من موقع وتأثير، الأمر الذي يمنع أي صراع يُهدد الداخل الايراني، أو حتى يمس مؤسسة المرشد، فـ إيران على عكس أنظمة العديد من الدول، والتي شهدت صراع أجنحة وأدت إما إلى إنهيارها أو ضعفها أو حتى تقسيمها، لأن إيران وطبيعتها الدينية الحاكمة للنظام، تمنع بروز أي صراعات، فـ المنافسة بين الأجنحة إن وجدت، فإنها تُحدد في إتجاه الولاء للنظام ولمقام المرشد، وفي المقابل فإن سيناريو تورط إسرائيل تم تحييده بعد الرواية الرسمية الإيرانية، التي قطعت الطريق على إمكانية تبني البعض لهذا السيناريو، أقله في الوقت الراهن، خاصة أن إيران في هذا التوقيت تبحث عن ترتيب بيتها الداخلي، ولا ترغب بتبني نظرية المؤامرة وضلوع إسرائيل في الحادثة، لأن ذلك سيُحتم عليها الرد، الأمر الذي قد يجلب لها مخاطر باهظة. وبصرف النظر عن جُل الفرضيات التي أطرت مقتل رئيسي، فإن ما يهم الآن التفكير بما بعد رئيسي، وهل سيكون غيابه مؤثراً؟.
المتابع للشأن الإيراني، يدرك بأن أي إشكالية تتعلق بالواقع الإيراني الداخلي، لم يكن لها أي تأثير على النظام الإيراني، فـ على مدى السنوات الماضية فإن الحركات الإحتجاجية المناهضة للسياسات الايرانية داخلياً وخارجياً، لم تؤثر على إستقرار ونفوذ إيران، كما أن التحديات الإقتصادية الكبيرة التي يعاني منها الإيرانيين بفعل العقوبات الغربية، لم تكن سبباً ولم تشكل أي تهديد وجودي لطبيعة النظام. مردُ ذلك أن طبيعة النظام الإيراني تحكمه قبضة قوية ومتماسكة، لا تؤثر بها التغييرات أو التحديات، لكن تبقى تلك التغييرات والتحديات نقاط ضعف مُزمنة لا يمكن التخلص منها، لكن مع ذلك يبقى تأثيرها محدوداً، في ظل نقاط القوة الكثيرة التي يتمتع بها النظام الإيراني.
ربطاً بما سبق، فإن زعامة خامنئي لإيران قولاً وفعلاً، هي ضمانة للحفاظ على النظام الإيراني، وسيبقى المرشد ضالعاً بأدواره المتعددة داخلياً وخارجياً، فإدارة المرشد للنظام، صُممت للتكيف مع التحولات الداخلية والاقليمية والدولية، وهذا ما يؤكد بأن غالبية الرؤساء الإيرانيين لم يتمتعوا بهامش كبير، وأخرهم رئيسي، الذي لم يكن يحظى بهامش مناورة يسمح له وضع سياسات مغايرة لِما يريده المرشد، وإن كان مرشحاً مُحتملاً لتولي مؤسسة المرشد.
نتيجة لذلك، فإنه من غير المرجح أن يكون مقتل رئيسي بوابة لتغيير السياسات الايرانية على المستويين الداخلي أو الخارجي، ليبقى وفق ذلك الهدف الرئيس لـ إيران الحفاظ على السياسات الداخلية والخارجية، والحفاظ فقط على قوة المرشد وإرثه.