- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
أحمد طالب الاشقر يكتب: سرديةُ "صناعة الأصنام" في الحالة السوريّة
أحمد طالب الاشقر يكتب: سرديةُ "صناعة الأصنام" في الحالة السوريّة
- 19 ديسمبر 2022, 2:46:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إن صناعة الأصنام سلوك مضطّرب في الشعوب فاقدة " الإتجاه " ؛ حيث تقودهم العاطفة نحو الهاوية في غياب شبه تام للإدراك والوعي!
ففي مجتمعاتنا العربية والمجتمع السوري على وجه الخصوص أصنام كثيرة، كصنم الوطن والثورة والعشيرة، والمنطقة والقائد، وصنم رجل الدين وغيرها؛ حاضرة وبقوة في لقاءات السوريين وفي منتدياتهم، وحتى في فضاءاتهم الافتراضية، ومناقشاتهم الودّية والجدليّة، والتي تتمحور حولها و لا تنفك عن الدوران في فلكها.
وستبقى تدور حولها، ما بين جَهَلة مُجهّلون ومثقفون مغيبون، ينافحون عن صنمهم الذي يحافظ على أتباعه، في دائرة طاعته وقدسيته. والمصيبة عندما يكون هذا الصنم، يمثل جهةً أو أشخاصاً انتفاعيين ذوي مصالح سياسية واقتصادية و اجتماعية، ولهم دكاكين ارتزاق يعيشون عليها. والمصيبة الأكبر عندما يعمل اتباعهم على اضفاء القدسية على جميع أقوالهم وأفعالهم وتنزيههم عن الشبهة. وبهذا يكونوا قد ضمنوا لأنفسهم أطول فترة في استحلاب مريديهم واستغلال الظروف التي حافظت عليهم.
إذاً، فما قدسيّة الوطن إن لم يكن أهله فيه كرام، تكون نفوسهم فيه مطمئنة ، قلوبهم آمنة وكرامتهم محفوظة وأعراضهم مصانة، وروابطهم بينهم قوية، فإذا لم يحقق الوطن لأبنائه شيئاً من هذا فما قيمته ؟!
وايضاً ما قيمة الرمزية و الأيقونيّة الثورية التي تمجدها الشخوص في صرعاتها مع الآخر وتجعلها محور تقديس وتضفي عليها الهالة، وهي ذاتها عبيد لأصنام أخرى صنعتها ذات الشخوص من أوثان سياسية رجعية و ثورية دكتاتورية وأحزاب وتيارات دينية تقليدية سلطوية تسعى للسلطة بمشعل الثورة وبأي ثمن كان !.
وعلى هذا المبنى أليس من الأولى الإقرار بالخطأ واتباع الحق والإعتراف بما يجب الإعتراف به من ضبابية السعي والإنهزامية في المواجهة. أوليس التوقف عن الطواف حول الأصنام تلك والتوقف عن تقديسها في نفوس الأتباع جيلاً بعد جيل هو الأوجب عقلاً وفكراً وديناً. كي لا تنشأ هذه الأجيال على ما وجدت عليه أباءها وتستمر الهزيمة النفسية، المستقرة أساسا، في النفوس مترسبة في قناعاتها على أنه لا يوجد مخلّص حقيقي لها سوى الصنم الذي صنعوه في قرارة ذواتهم !.
إذا فكلُ بناءٍ وكيانٍ وهيكل مادي أوكل منظومة فكرية وايدولوجّية بُنيت ضراراً وحققت خلاف أهدافها؛ وجب هدمها. وكل مفكرٍ وشيخٍ وقائدٍ يُضلّل اتباعه، ويُدلس عليهم ويفشل في مهامه في التحرر والانعتاق من الصنمية، فهو "صنم" بذاته ويجب التخلص منه. حيث ليس من حق أحد أن يتحدث عن فضل القائد ووجوب طاعته أو فضلُ الشيخ ووجوب ملازمته دون انجازات تذكر؛ لأنه ببساطة إمّا مُغيّب يعيش في الأوهام ، أو أنه يعلم ماذا يفعل، فقد يكون تاجراً في سوق الأصنام فعلا !
وعليه يمكننا القول، إن الفترة التي تسودها سلطة "صنم"، مُسيطِرعلى مناحي الحياة السياسية والثورية والدينية، هي فترة انغلاق وانهزام ولايرجى لمعاصريها البرء، ولن يتعافوا من دائهم ما داموا يختلقون القصص والإنجازات والمعجزات عن صنمهم ، ووضعه في منزلة أعلى من منزلته الحقيقية وليعلّقوا آمالهم عليه في الخلاص من واقعهم المزري وحياتهم المستباحة التي صنعوها بأيديهم. فعلى الجماهير أن تعي أنّ القائد - الصنم - سيعمل بكل جهده على تظليلها بـ اشباع عواطفها بالوعود والشعارات الكاذبة والبرّاقة ولابد من ملء وجدانها بأمنياتها التي طالما حلمت بها .. حيث لاسبيل لفشله، ولا بد من تبريرات تشبع وجدانهم التائه.
نحن - السوريين - يجب أن نكف عن صنع هالات مقدسة حول أشخاص معينين؛ وفي ذات الوقت يجب أن نكف عن أن نرى أنفسنا دوناً؛ وبحاجة إلى شخوص مؤثرة بعينها، وقادرة على قيادتنا وتصحيح مساراتنا ثم نغضُّ الطرف عن أخطائها ونحاول أن نجد لها تبريرات مختلفة تحوّل أخطاءها إلى إنجازات ومفاخر ومآثر !.
وايضاً لابد للسوريين أن يعرفوا حقيقة مهمة، أنّ اصنام الجاهلية التي كانت تُعبد، لا تأكل ولاتشرب، وكانت منصوبة نصباً في العراء تتعرض لبرد الشتاء ولحر الصيف لتسعد عبّادها، وليكونوا راضين عليها!.
أما أصنامكم العاكفون عليها في جميع الميادين، تعيشُ في قصورها الفارهة وتحتسي النبيذ المعتق، وتتسول باسمكم بالتفويض الصنمي الممنوح لها.
إنّ كهنةُ معابد السياسية والدّين، اصنام من صُنعكم، والكفر بهم واجب ومنعهم من سرقتكم واجبة وتوقفكم عن عبادة هذه الأصنام لايكفي بل يجب تحطيمها ومن ثم محاكمتها واغلاق الطريق على غيرها.
قد آن الأوان لإزالة القداسة عن كل ما هو غير مقدس ديناً؛ ويمنعكم الخوف من المساس به. لأن جهلكم و خضوعكم وثنية عمياء، ونصب لاصنام لا تجوز، ولا ينبغي اتّباعها. فلا أحد يملك دور الوسيـط بينكم وبين ما تريدونه في شتى المجالات.