تكبير الخط تصغير الخط

ارتفع عدد الجثث التي اُنتشلت من قارب المهاجرين الذي غرق في 14 يونيو/حزيران بالقرب من جزيرة بيلوبونيز اليونانية إلى 82 شخصًا، حيث كان على متنه 750 شخصًا. وبفضل جهود فرق الإنقاذ، تم العثور على 100 شخص أحياء، لكن مصير الآخرين لا يزال مجهولا. ومع الأسف، من المحتمل أن هؤلاء المجهولين لا يمكن انتشال جثثهم مطلقًا وستختفي في المياه الباردة والعميقة للبحر الأبيض المتوسط. ربما بعد أيام أخرى لن يبحث عن هذه الجثث أحد. سيتذكرهم أحباؤهم دائمًا بحزن وألم عميقين، لكن بالنسبة للعالم لم ولن يكونوا كذلك أبدًا.

مع اقتراب عيد الأضحى وذبح الأضاحي، يتساءل المرء عما يضحّي به العالم الإسلامي بهذه الوفيات. والأهم من يدفع الثمن ولمن يُدفع ومن المسؤول عن ذلك؟

وبكل أسف، الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم على متن قوارب المهاجرين مع علمهم باحتمالية الموت الكبيرة، جميعهم يريدون الفرار من دول العالم الإسلامي. بالطبع، نقول العالم الإسلامي لكن لا يوجد أي أثر للإسلام فيه. إنه عالم لا يوجد فيه أثر للعدالة والرحمة أو للنظام الإسلامي، ولكن للأسف يطلق عليه العالم الإسلامي. وقادة هذا العالم الإسلامي يطلق عليهم ملوك وأمراء وزعماء، ناهيك عن وجود العلماء والمفتيين.

هؤلاء الناس يفرون من هذه البلدان ويشرعون في رحلة الموت على أمل حياة أفضل. فإما أن يتعرضوا للتعذيب في سجون هذه البلدان أو يفقدوا داخلها، أو يعيشوا حياة بائسة في ظل الاقتصادات الفاسدة، لذلك يبحرون مخاطرين بحياتهم إلى مكان يأملون فيه أن يعاملوا بشكل أفضل.
إن العالم الذي يأمل المهاجرون أن يعيشوا فيه حياة أفضل، عبر معاملة أكثر إنسانية وبيئة أكثر استحقاقًا للكرامة الإنسانية، يستقبلهم في بداية طريقهم بأكثر الظروف إثارة للاشمئزاز من خلال معاملة غير إنسانية تقوم على الإذلال.

في الواقع، هذا هو الوضع الذي يواجهه مسافرو الأمل بانتظام. تتناثر جثث المهاجرين غير الشرعيين في مياه البحر الأبيض المتوسط.

يشعر الصياد التونسي أسامة الدبيبي بالرعب قبالة سواحل صفاقس التونسية، الذي يشهد بانتظام غرق المهاجرين. يقول الدبيبي: "في كل مرة أسحب فيها شبكة الصيد، أنظر بعينين مليئتين بالأمل والقلق لأنه ليس في كل مرة نصطاد فيها الأسماك، فأحيتنا بل نجد أمامنا بعض الجثث. ويضيف الدبيبي: "في المرة الأولى التي وجدت فيها الجثث كنت خائفًا ثم اعتدت على هذا الأمر بعد فترة من الوقت ".

يقول الدبيبي إنه انتشل مؤخرًا 15 جثة لمهاجرين في غضون ثلاثة أيام. أصبح هذا الموقف روتينيًا للغاية بالنسبة له إذ يقول إنه يشعر بالارتياح فقط عند رؤيته أن الطقس غائما حيث لا تبحر قوارب المهاجرين ويسعده الأمر لأنه لن يلتقط الجثث في هذا اليوم.

يمكن لأي شخص أن يصبح لاجئًا أو طالب لجوء لسبب أو لآخر. قد تجبره الظروف غير الصالحة للعيش على النزوح. لذا فإن اللجوء هو حق من حقوق الإنسان. هذا الحق معترف به عالميًا ولهذا السبب أُدرج يوم 20 يونيو/حزيران بأنه اليوم العالمي للاجئين.

بالطبع، إذا كان من الممكن تحسين الظروف التي تجبر الناس على طلب اللجوء، فمن الأولوية محاولة تحسينها. ولكن إذا تعذر تصحيح هذه الظروف، فمن المسؤولية الإنسانية الرئيسية أيضًا تبني نهج أكثر إنسانية تجاه طالبي اللجوء.

وللأسف فإن العنوان الذي يبحث فيه اللاجئون عن حياة أكثر إنسانية وازدهارًا لا يرقى إلى مستوى المسؤولية لأن هذا المكان يعاملون فيه طالبي اللجوء بشكل أسوأ.

وفي حادثة غرق قارب اللاجئين الأخيرة، لم يبحر القارب الذي كان يحمل المهاجرين غير الشرعيين لمدة سبع ساعات قبل غرقه. لقد اعتاد خفر السواحل اليوناني على تعمد جعل القوارب التي تحمل المهاجرين غير قادرة على المناورة في هذه المواقف. هذا يجعل هذه الكوارث حتمية. بمعنى آخر، لا نتحدث عن غرق السفن من تلقاء نفسها، ولكن عن تعمد إغراقها. من الواضح أن هذه جريمة ضد الإنسانية تحدث على أبواب أوروبا. والتحقيقات التي بدأها مكتب المدعي العام اليوناني في قضايا مماثلة قد انتهت لصالح خفر السواحل اليوناني دون إثبات هذه التهمة على اليونان رغم تورطها.
تكشف بقايا قوارب المهاجرين الغارقة حطام الوجه الحقيقي لأوروبا. وكلما يغرق قارب للمهاجرين، تغرق معها إمكانية إدانة أوروبا.

التناقض بين الموقف اللامبالي للعالم تجاه المئات الذين لقوا حتفهم في حادثة غرق قارب المهاجرين والاهتمام الشديد بالأشخاص الخمسة الذين اختفوا في غواصة تيتان هو جانب آخر من هذا الغرق. فهذه المفارقة تحذر الجميع.

بعض النظر عن تبرير سلوك أوروبا، من الضروري النظر إلى الأسباب التي تدفع هؤلاء المهاجرين للقيام بهذه الرحلات الصعبة والمحفوفة بالمخاطر. يجب النظر إلى الظروف التي تدفع هؤلاء المهاجرين إلى الفرار من بلادهم، ومعظمهم من الدول الإسلامية. لماذا تعيش الدول الإسلامية في ظروف تجبر مواطنيها على السعي وراء السلام والخبز والحرية والكرامة في البلدان الأخرى؟

يجب أن تكون هذه القضية الأكثر أهمية على جدول أعمال منظمة التعاون الإسلامي. فمشكلة المهاجرين ليست مشكلة أوروبية فقط. لا شك في أن قادة الدول التي ينتمي إليها المهاجرون يجعلون بلدانهم غير صالحة للعيش ولا تطاق لمواطنيهم، لكن لا يزال من الضروري اتخاذ مبادرة جديدة لحل هذه المشكلة.

بمناسبة قدوم عيد الأضحى نتمنى أن ننتقل إلى التضحيات التي تقرب الناس من بعضهم البعض وتقربهم من الله والحياة. وبهذه الطريقة نأمل ألا يتم التضحية بهم على طرق تقربهم من هدف لا طائل من ورائه يسلبهم حياتهم. على منظمة التعاون الإسلامي أن تجعل هذه القضية البند الأول في جدول أعمالها.