ياسر عبد العزيز يكتب: رجل خطير بدرجة لا تُحتمل!

profile
  • clock 10 يوليو 2023, 7:18:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بالنسبة إلى مارك زوكربيرغ، رجل صناعة الإعلام «الجديد» المتعطّش دوماً لاجتراح الجديد، فإن روبرت مردوخ، إمبراطور صناعة الإعلام «القديم»، يبدو كتلميذ ينقصه الكثير ليتعلمه.

عاش مردوخ زمناً طويلاً بما يكفي لكي يصنع أسطورته الذاتية في مجال الإعلام «التقليدي». وبينما بدأ حياته كناشر صحف واعد في دول تقع على أطراف الغرب الفائر والمزدهر؛ مثل أستراليا ونيوزيلندا، أتاحت له الظروف أن يؤسس إمبراطورية ضخمة ومترامية الأطراف، مكنته من السيطرة على عناوين ثقيلة الحجم، وضخمة الأصول، وفائقة النفاذ والتأثير، في أهم قلاع الغرب ومكامن أعصابه الحساسة.

بات مردوخ رمزاً للاحتكار الإعلامي، وحقق المليارات من الأرباح، التي جمعها من إتقانه تفاصيل الصناعة، وبراعته في إدارة مؤسساتها، التي اتسعت أجنداتها لتشمل مجالات الترفيه والمال والأعمال والسياسة في صورها المتعددة... من الخفيفة والمبتذلة إلى الرصينة والجادة.

لكن الشاب زوكربيرغ القادم من وادي السيلكون، بفكرة موقع تواصل سمّاه «فيسبوك»، راح يهدد بتقويض أسطورة مردوخ، بعدما نجح في تأسيس إمبراطورية أكبر، وأكثر اتساقاً مع تطورات البيئة الاتصالية العالمية، وأقدر على الاستدامة وتحقيق الأرباح.

منذ أطل هذا الشاب على مسرح الإعلام العالمي لم يخفت ذكره ساعة واحدة. وبينما ينتفض منافسوه، ويستنفرون قواهم، ويشحذون أفكارهم، لمحاولة تقاسم الكعكة الكبيرة، التي يلتهمها بشغف ونهم شديدين، فإنهم يُباغتون عادة بخطواته الجديدة، التي تخترق الأسقف، وتتجرّأ على كل صعب.

أجرى زوكربيرغ في السنوات الأخيرة نحو 70 عملية استحواذ على شركات تعمل في مجالات «التواصل الاجتماعي» والتكنولوجيا والبيانات، في معظم قارات العالم، وهي شركات تراوحت قيمتها بين 200 ألف دولار أميركي و19 ملياراً.

لم يوفّر هذا الشاب المتطلع للنفوذ منافساً إلا استحوذ عليه، أو شاركه في بيان مهمته، أو نسخ منتجاته، أو قلّد أنموذج عمله.

وبموازاة ذلك، كرّس نهايات عهد الخصوصية، بعدما حول المستخدم إلى سلعة يبيعها إلى شركات الإعلانات أو مؤسسات العلاقات العامة الناشطة في المجال السياسي، وهو الأمر الذي كشفت عنه فضيحة «كمبريدج أناليتكا» في 2018.

كان «تويتر» يقف صامداً في مواجهة إمبراطورية مارك زوكبيرغ، بنطاق خدمة متميز جعل منه آلية اتصال سياسي وفكري متكاملة الأركان، ومساحة يتشاركها فاعلون سياسيون ومثقفون وناشطون، ويجد فيه رجال الإعلام إجابة عن معظم الأسئلة التي تهم قطاعات واسعة من الجمهور.

لقد استحوذ إيلون ماسك على «تويتر» في صفقة مرتبكة بلغ حجمها 44 مليار دولار أميركي، لكنه بدا فاقداً الاتجاه كشاب فخور وجد نفسه يقود سيارة «لكزس»، فانصب تفكيره على إثارة انتباه الناس، بدلاً من الوصول إلى وجهته بسلام، وراح يقودها بنوبات المباهاة الفارغة والقرارات الطائشة والسياسات غير المدروسة.

وجد زوكربيرغ أن «تويتر» يترنّح، والمعلنين يسحبون إعلاناتهم، والمستخدمين يحتجون على القرارات المتضاربة، والمنصة تعاني، فلم يوفر وقتاً، وراح يستنسخ أنموذج أعمالها، ويشاركها مجال اهتمامها الحصري؛ أي سبب وجودها واستدامتها ذاته.

أطلق زوكربيرغ «تويتر» الخاص به في الأسبوع الماضي، وأسماه «ثريدز»، وأدخل بعض التعديلات عليه، وضمن عشرات الملايين من المستخدمين في الساعات الأولى من الإطلاق، بعدما ربط تطبيقه الجديد بمنصته الناجحة «إنستغرام».

اهتم الناس بالخبر، وتدافعت الحشود على المنصة الجديدة بدافع الاستكشاف، ونكاية في إدارة ماسك المتخبطة، وامتثالاً لحالة «ضجر الوسائط» التي لازمت منصات «التواصل الاجتماعي» وضمنت لكل جديد فيها حصة من السوق الواسعة التي لا تتوقف عن النمو.

وركّز المحللون مقارباتهم على أفكار من نوع: تهديد عالم «تويتر» تحت ضربات المنافس الجديد، واستفادة المستخدمين من احتدام المنافسة بين مزوّدي الخدمات، ومزايا جديدة يقدمها «ثريدز» يمكن أن تدفع «تويتر» إلى تحسين خدمته، وتطوير أدائه، للثبات في المنافسة، وعدم التضحية بالقيمة المادية والأدبية التي انطوى عليها بعد سنوات من النجاح والتأثير.

لكن الفكرة الأهم غابت عن كثيرين؛ إذ أضحى زوكربيرغ الذي تمتلك شركته «ميتا» عدداً كبيراً من أهم وسائط «التواصل الاجتماعي» في العالم، رجلاً خطيراً بدرجة لا تُحتمل.

تجسّد «ميتا» اليوم، بامتلاكها «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستغرام» وجديدها الطموح «ميتا فيرس»، وشبيه «تويتر» المتمثل في «ثريدز»، وعشرات الشركات الأخرى التي تنشط في مجالات مختلفة، الأنموذج الأكثر وضوحاً للاحتكار في صناعة الإعلام العالمية.

يسيطر زوكربيرغ من خلال «ميتا» باطراد على الخرائط الإدراكية للإنسان الفرد وللمجتمعات، ويتوافر على أكبر قدر من المعلومات الشخصية لمليارات البشر في دول العالم المختلفة، وهي أكبر قوة معلوماتية تجتمع في يد رجل واحد على مرّ التاريخ.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)