وضع الحرب في غزة: مكانك سر

profile
  • clock 1 يناير 2025, 11:06:19 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يديعوت أحرونوت - ميخائيل ميلشتاين

العملية الواسعة التي يديرها الجيش "الإسرائيلي" في شمال قطاع غزة دخلت شهرها الثالث، وكان يفترض أن تكون مصحوبة بنقاش عام أكثر عمقًا حول الغاية الاستراتيجية منها.

من جهة، توجد معطيات لا جدال عليها: خلال هذه العملية تم القضاء على مئات وربما آلاف من المسلحين، واعتقال مئات آخرين، وتدمير أسلحة وبنية تحتية عسكرية بشكل واسع، مما قلل بشكل كبير من التهديدات الأمنية في "المثلث" بيت حانون-بيت لاهيا-جباليا، مقارنة بما كانت عليه في 7 أكتوبر.

كذلك تغيرت الجغرافيا والديموغرافيا؛ المنطقة، وخاصة جباليا، أصبحت مدمرة، وغادر جزء كبير من السكان، وإن لم يغادر الجميع.

*ولكن هناك أمورا تثير القلق*

الجيش "الإسرائيلي" سيطر على شمال القطاع في المرحلة الأولى من المناورة البرية، والعملية الحالية هي الدخول الثالث إليه.

لا تزال المعارك مستمرة في كل نقطة، وإن كانت أقل حدة مما كانت عليه في المرات الأولى، إلا أنها تعيق خلق واقع جديد.

علاوة على ذلك، فإن العملية الحالية لم تحقق أيًا من الأهداف الاستراتيجية للحرب التي حددتها "إسرائيل": لم تؤدِ إلى انهيار حماس أو استسلامها، ولم تحرك الجماهير الفلسطينية ضدها، وبالأساس لم تُحرز أي تقدم في إطلاق سراح الأسرى أو تليين مواقف حماس الصارمة في هذا الصدد.

العملية في شمال القطاع هي جوهر الحرب في المنطقة: نجاحات عسكرية ملفتة لكنها غير مدعومة بإطار استراتيجي، ولم يتم توضيح كيف تدعم أهداف الحرب التي حددتها الحكومة الإسرائيلية.

وبهذا الشكل، يواصل الجيش "الإسرائيلي" الاعتماد على استراتيجية المرحلة الثالثة، أي عمليات متواصلة تم إثبات أنها لا تقضي على وجود حماس، مما سيستلزم التخطيط لدخول رابع إلى جباليا؛ بينما تلمح الحكومة الإسرائيلية حول "اليوم التالي" (خطة الفقاعات، التعاون مع العائلات، تشغيل شركات أمريكية، تدخل جهات خارجية)، لكنها لا تعرض خطة عمل منظمة ومفصلة وواقعية.

المرحلة التمهيدية لأي خطة هي الاعتراف بالواقع. بعد 15 شهرًا من بدء الحرب، تلقت حماس ضربات غير مسبوقة، لكنها لا تزال العنصر المهيمن في غزة. لا تزال تسيطر على الجمهور الفلسطيني (بما في ذلك التعليم)، وتتحكم في الفضاء العام وتعتبر العنوان لأي ترتيب مستقبلي.

في الخلفية، لا توجد أي بدائل تتطور (باستثناء العصابات والعائلات الناشطة في جنوب القطاع والتي تقمعها حماس بالقوة)، كما لا توجد انتفاضة شعبية ضد المنظمة، رغم الكارثة غير المسبوقة التي دمرت حياة سكان غزة.

هذا الاعتراف يسمح بنظرة أكثر نقدية للشعارات المحيطة بالعملية في القطاع: "نستمر في تطهير المنطقة" (وهي ستظل دائمًا مليئة بعناصر معادية تقاتل كما حدث في العراق ضد الأمريكيين أو في جنوب لبنان حتى عام 2000)؛ "سنثبت واقعًا مثل الضفة الغربية" (لكن من سيكون صاحب السيادة في الجانب الفلسطيني في غزة؟)؛ "المزيد من الضغط سيجعل حماس أكثر ليونة" (لم يحدث)؛ و"سنعزز إزالة التطرف لدى الفلسطينيين" (لن يتحقق دون مبادرة فلسطينية).

وحين تغيب الاستراتيجية، تصبح التكتيكات -كما في حالات كثيرة في تاريخ "إسرائيل"- هي التي تحدد الواقع. بناء الطرق التي يستخدمها الجيش "الإسرائيلي" في القطاع وإنشاء المجمعات العسكرية في منطقة نتساريم، يصبح واقعًا دائمًا، دون الإجابة على سؤال ما هو التخطيط طويل الأجل لـ"إسرائيل" تجاه المنطقة بأكملها، وإذا كان الدرس الوحيد المستفاد من صدمة 7 أكتوبر أو المفهوم الأمني الجديد الذي تم صياغته يتطلب إنشاء مناطق عازلة داخل أراضي العدو (كما هو الحال في سوريا) والسيطرة على الأراضي ("الأمر الوحيد الذي يؤلم العرب"، مقولة تقليدية أصبحت حقيقة في خطابنا).

القول بأن "هذه حرب طويلة وصعبة" ليس جوابًا كافيًا لمجتمع أظهر بالفعل مرونة مذهلة وقدرة على التضحية في هذه الحرب. البدائل المتمثلة في نقل المسؤولية إلى جهة خارجية أو عودة السلطة إلى غزة غير قابلة للتنفيذ، والسيطرة المباشرة والكاملة على كل غزة، التي قد تتيح إنشاء بديل لحماس أو خلق فوضى شبيهة بالنموذج الصومالي، قد تكون ممكنة، لكنها ستأتي بثمن باهظ جدًا.

من بين كل الخيارات السيئة، يجب اختيار الأقل سوءًا. الأبرز منها هو صفقة ترافقها رقابة أمنية خارجية (أساسًا أمريكية، خاصة في محور فيلادلفي) وقدرة "إسرائيلية" على التدخل الأمني المستمر، وربما يتبعها إنشاء نظام حكم جديد يضم ممثلين مستقلين وعناصر من فتح وله ارتباط رمزي بالسلطة. لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بالشعارات التي تنعكس في الخطابات والعروض والمواقف: حماس لن "تختفي".

ستستمر في الوجود كعنصر مؤثر في غزة، لكنها لن تمثل تهديدًا أمنيًا، بالتأكيد ليس كالذي كان في 7 أكتوبر. هذا ليس حلًا مثاليًا، بل مليء بالتساؤلات والتحديات، لكنه قد يتيح التقدم نحو تحرير الأسرى، إلى جانب ضمان المصالح الأمنية الاستراتيجية.

الخيار الآخر هو حرب استنزاف بلا حدود زمنية، مصحوبة بوعود بالاقتراب من النصر الكامل، ولكن دون ضمان حدوث انهيار لحماس، وبالأساس دون تحرير الأسرى.
 

التعليقات (0)