- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
هل تراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بإحياء الاتفاق النووي الإيراني؟
هل تراجع اهتمام الإدارة الأمريكية بإحياء الاتفاق النووي الإيراني؟
- 25 يونيو 2022, 3:28:50 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تراجع اهتمام إدارة الرئيس جو بايدن بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب في مايو 2018، مع التعنت الإيراني خلال المباحثات غير المباشرة في فيينا وطرح طهران شروطاً غير مقبولة أمريكية لإعادة الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، بجانب انشغال واشنطن وحلفائها الأوروبيين بالعمليات العسكرية الروسية ضد الأراضي الأوكرانية التي دخلت شهرها الرابع، وما ترتَّب عليها من تحديات دولية وداخلية فرضت نفسها بقوة على أجندة “بايدن”، وهو ما دفعها في المقابل إلى العمل على صياغة تحالفات دولية وإقليمية لمواجهة الطموح النووي الإيراني، ودور طهران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، ودعمها الميليشيات المسلحة التي تهدد المصالح الأمريكية، وأمن حلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين في المنطقة.
دوافع مترابطة
هناك مجموعة من الأسباب تثبط عزيمة الإدارة الأمريكية للمضي قدماً في التفاوض مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، ويمكن الإشارة إليها فيما يأتي:
1– تمسك إيران بشروطها للعودة إلى الاتفاق النووي: رأى المشرعون داخل الكونجرس الأمريكي أن طهران غير عازمة على المضي قدماً في التوصل إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة بشأن تجاربها النووية، وسلوكها في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث توصلوا من خلال جلسات الاستماع التي حضروها مع مسؤولي إدارة “بايدن”، إلى أن هناك انقساماً داخل المؤسسة الإيرانية الحاكمة، ومن الصعب إقناع طهران باستئناف إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة التي قيَّدت برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، خاصةً مع تمسكها برفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وهي مطالب يرفضها الرئيس “بايدن” وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
2– تبني إيران خطوات تصعيدية تجاه الغرب: أوضحت طهران أنها لا ترغب في التعاون مع الغرب بشأن برنامجها النووي؛ حيث أغلقت كاميرات مراقبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تُستخدَم في مراقبة أحد منشآت إيران النووية في وقت سابق من شهر يونيو 2022، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى تحذير النظام الإيراني من أن تلك الخطوات من شأنها أن تُحدث “أزمة نووية عميقة، ومزيداً من العزلة الاقتصادية والسياسية لإيران”. وترجع بعض التقديرات تلك الخطوات التصعيدية وعدم رغبة طهران في تقديم أي تنازلات للدول الغربية، إلى نجاحها في تحقيق عائدات كبيرة من صادراتها النفطية، خاصةً مع ارتفاع الأسعار عقب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا؛ إذ صرَّح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في شهر مايو الفائت، بتضاعف صادرات إيران من المواد النفطية منذ أغسطس 2021؛ ما منحها موارد اقتصادية تساعدها على الوقوف أمام العقوبات الغربية.
3– إقرار مسؤولي إدارة “بايدن” بفشل المباحثات مع إيران: خلال جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في مايو الماضي، أقرَّ روبرت مالي المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، بضعف فرص إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، مشيراً إلى استعداد الولايات المتحدة للتصعيد ضد طهران، والرد على أي خطوة عدائية تتبناها تجاه حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وأضاف أنها ستفرض المزيد من العقوبات على طهران إذا لم تقبل خطوة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي.
خطوات بديلة
في ظل تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالتوصل إلى اتفاق مع إيران، هناك مجموعة من الخطوات البديلة قد تسعى الإدارة الأمريكية إلى اتخاذها، أو قد تضغط على طهران لتنفيذها، لا سيَّما أنه إذا جرى التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو لم يَجْرِ التوصل، فإنها ستظل تمثل “تهديداً” كبيراً لواشنطن وحلفائها داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها. ويمكن إيجاز أبرز تلك الخطوات فيما يأتي:
1– تكوين تحالف جوي جديد في الشرق الأوسط: قُبيل زيارة الرئيس جو بايدن المقررة في منتصف يوليو القادم إلى منطقة الشرق الأوسط، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، مؤخراً عن تحالف جوي في منطقة الشرق الأوسط برعاية أمريكية؛ حيث تسعى إسرائيل إلى التعاون مع الدول العربية التي تُشارِكها مخاوفها بشأن التحركات الإيرانية داخل المنطقة؛ من أجل “حشد قوة إقليمية، بقيادة أمريكية؛ ما سيعزز قوة جميع الأطراف المعنية”. وتعكس تلك الخطوة رغبة الولايات المتحدة في دفع دول منطقة الشرق الأوسط، لا سيَّما دول الخليج العربي، إلى التعاون بدرجة أكبر مع إسرائيل التي تتفق معها على كون طهران عدواً ومهدداً لهم، بما يعكس وضوح الرؤية الأمريكية حول عدم أهمية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وعدم إمكانية التوصل إلى هدنة معها.
2– تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران: رأى عديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين أن مساعي إدارة “بايدن” للتوصل إلى اتفاق مع إيران أمر في غير محله، مشددين على ضرورة تشديد العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، والتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة، بجانب إيجاد صيغة لمعاقبة الصين من جراء تحايلها والتفافها حول تلك العقوبات، وشرائها النفط الإيراني، ومن ثم فتح قنوات مختلفة أمام إيران تجعلها في موقف قوي أثناء التفاوض مع القوى الغربية.
3– التصعيد العسكري الأمريكي والإسرائيلي ضد طهران: تدعم إسرائيل (الحليف الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط) فكرة التصعيد العسكري ضد طهران، بل شرعت بالفعل في تنفيذ هذا الأمر خلال الأعوام الماضية؛ حيث تتعمد توجيه ضربات عسكرية إلى مناطق خاضعة لنفوذ طهران في سوريا، فضلاً عن تنفيذها عمليات اغتيال للعلماء الإيرانيين العاملين بالمجال النووي، لكن الرئيس “بايدن” لا يدعم هذا التوجه، خاصةً أنه أوضح أكثر من مرة منذ دخوله المكتب البيضاوي أنه سيعمل على تعزيز استخدام الأدوات الدبلوماسية، وسيحاول قدر الإمكان تجنب استخدام الأدوات العسكرية. ورغم تلك التصريحات، فإن من غير المستبعد أن توجه واشنطن بعض الضربات لإيران إذا استمرت في سلوكها المهدد للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، على غرار ما يحدث في العراق، وهو ما سيكون أمراً ذا تكلفة كبيرة على واشنطن.
4– دعم البرامج النووية لقوى أخرى بالشرق الأوسط: قد تتجه الولايات المتحدة إلى دعم البرامج النووية لدول أخرى داخل منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها السعودية؛ لأن الفشل في التوصل إلى اتفاق سيفضي إلى امتلاك إيران سلاحاً نووياً؛ ما سيقوض توازنات منطقة الشرق الأوسط، ويدفع طهران لتكون هي الطرف الأقوى داخل المعادلة الإقليمية، بما سيؤثر على مصالح واشنطن وحلفائها؛ لذلك سيكون هناك حاجة إلى موازنة الأمور حينذاك بدعم قوى أخرى تستطيع مواجهة إيران.
وإجمالاً، يمكن القول إنه على الرغم من عدم وجود أي مؤشرات تشير إلى احتمالية نجاح القوى الغربية في إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإن المسؤولين الأمريكيين لا يزالون يُعربون عن آمال واشنطن في التوصل إلى اتفاق مع طهران، شريطة تخليها عن مطالبها التي لا ترتبط بالاتفاق النووي التي من بينها رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. ومع ذلك، من المرجح أن تعمل واشنطن خلال الفترة المقبلة على تعزيز العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط ذات المصلحة المشتركة في مواجهة طهران، وفي مقدمتها إسرائيل ودول الخليج العربي؛ لمساعدتها على صد الهجمات الإيرانية المحتملة في حال الإخفاق في إقناع إيران بالالتزام ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة.