- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
لماذا تصاعدت الاحتجاجات على سياسة التجنيد العسكري بالهند؟
لماذا تصاعدت الاحتجاجات على سياسة التجنيد العسكري بالهند؟
- 25 يونيو 2022, 3:29:06 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تصاعدت مؤشرات عدم الاستقرار داخل الهند في الفترة الأخيرة بعد رفض الحكومة الهندية إلغاء سياسة التجنيد العسكري الجديدة التي أعلنت عنها منتصف يونيو الحالي، والتي يُطلَق عليها (أغنيباث – مسار النار)، وستؤدي إلى تقليص عدد المقبولين بالجيش الهندي سنوياً عبر تعاقد مؤقت معهم؛ وذلك رغم استمرار الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي اجتاحت 12 ولاية وأدَّت إلى مقتل مواطن واعتقال العشرات وتدمير عدد كبير من الممتلكات العامة والخاصة، علاوة على تدخل أحزاب المعارضة في المشهد، وتعهدها باستمرار التظاهر حتى إلغاء تلك السياسة؛ ما ينذر بتفاقم الأزمة وتعدد تأثيراتها على المسارين الاقتصادي والسياسي بالهند.
مصالح متضاربة
أعلن رئيس الوزراء الهندي منتصف يونيو الحالي عن سياسة تجنيد عسكري جديدة سيُجنَّد بمقتضاها أشخاص بعمر (17.5 – 21) عاماً في الجيش لمدة أربع سنوات، يُقدر عددهم بنحو 46 ألف شاب هذا العام، وبعد ذلك سيتم تعيين 25% فقط منهم لمدة 15 عاماً دون ترقيتهم إلى رتبة “ضابط”. وسيتعين على المتقدمين تقديم دليل يثبت عدم مشاركتهم في أي احتجاج عنيف أو حادث إحراق متعمد، وسيُمنَح الباقون الأولوية في الالتحاق بوظائف حكومية أخرى، كالانضمام إلى شرطة الولايات. وبمجرد أن طُرح النظام الجديد ظهرت موجة هائلة من الاحتجاجات، وتعمقت حدة الأزمة داخل الهند؛ وذلك بفعل عدد من العوامل الرئيسية:
1– تقليص مزايا الخدمة العسكرية: السياسة الجديدة للتجنيد العسكري التي طرحتها الحكومة الهندية تختلف كثيراً عن النظام الذي كان معمولاً به سابقاً في هذا الشأن؛ حيث كان يتم تجنيد الأفراد على نحو منفصل في القوات البحرية والجوية لمدة تصل إلى 17 عاماً، علاوة على ذلك فإن الخدمة العسكرية بالهند ظلت لعقود مهنة حكومية لمدى الحياة يُفضِّلها الشباب هرباً من البطالة. وهكذا أثارت السياسة الجديدة استياء قطاعات واسعة من المجتمع؛ لأنها تقلص بدرجة واضحة مزايا الخدمة العسكرية.
2– اتساع دائرة الاحتجاجات الشعبية العنيفة: نشبت تظاهرات وصفت بالأعنف خلال العقدين الماضيين بدأت في ولاية “بيهار الشرقية”؛ حيث أشعل المتظاهرون النيران بالمحال التجارية وبعض القطارات ومراكز للشرطة، مطالبين بالتراجع عن سياسة “مسار النار”. وفي ولاية “تيلانجانا الجنوبية” لقي متظاهر مصرعه وأصيب العشرات نتيجة الصدام ضد قوات الأمن، وفي ولاية “أوتار براديش” اعتقل 250 شخصاً بموجب ما سُميت “الاعتقالات الوقائية”، كما أُلقِي على المتظاهرون بولاية “راجستان” و”هاريانا” شمالًا الغاز المسيل للدموع، واتهم بعض المتظاهرين الشرطة باستخدام القوة المفرطة ضدهم، في المقابل أصيب 4 من رجال الشرطة، واعتُقل أكثر من 1000 شخص بولايتَي “بيهار” و”أوتار براديش” الأكثر فقراً والأعلى في معدلات البطالة، اللتين ترسلان أكبر عدد من الشباب للتجنيد بالجيش. وقد أكد المتظاهرون – ومعظمهم من الشباب العاطل عن العمل – أن السياسة الجديدة ستحد من فرص توظيفهم بالمؤسسة العسكرية التي تضمن لهم رواتب ثابتة ومعاشات تقاعدية مميزة.
3– توظيف قوى المعارضة الأزمة للضغط على الحكومة: انتقد زعيم حزب “المؤتمر الوطني” المعارض بالهند “راهول غاندي” سياسة التجنيد الجديدة؛ لأنها ستؤدي إلى رفع معدلات البطالة، ودعا الحكومة “إلى الاستماع لصوت الشباب العاطل عن العمل”، لا سيما في ظل ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوى منذ أربعة عقود. وأعلن الحزب عن عزمه تنظيم احتجاج سلمي، وعقد رئيسه لقاء مع الرئيس الهندي “رام ناث كوفيند” لمطالبته بسحب الخطة، بيد أن ذلك لم يحدث، بينما أوضح “أجاي ماكين” عضو البرلمان الهندي أنه “يجب مناقشة المخطط أولًا مع الشباب والبرلمان وقبل ذلك يجب سحبه”. ورغم دعم الحزب الحاكم “بهاراتيا جاناتا” سياسة “مسار النار”، فإن بعض أعضائه انتقدوها؛ لأنها ستؤدي إلى رفع معدلات البطالة بالبلاد، بينما أوضح الجنرال العسكري المتقاعد “جي دي باكشي” أن السياسة ستؤدي “إلى تحويل القوات المسلحة الهندية إلى قوة شبه مجندة لفترة قصيرة”.
4–إصرار الحكومة على تطبيق السياسة الجديدة: دافعت الحكومة الهندية عن السياسة الجديدة ورفضت إلغاءها؛ لأنها خطوة “تحويلية” و”ثورية”، على حد وصفها، اتُّخذت بعد مشاورات واسعة. وعقد وزير الدفاع الهندي “راجناث سينج” اجتماعاً، يوم 19 يونيو 2022، مع قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية لبحث سياسة “مسار النار”، ثم عقد مؤتمراً صحفياً بعد ذلك نفى خلاله سكرتير الوزارة “أنيل بوري” التراجع عن تطبيق السياسة الجديدة، وأكد أن الحد العمري الجديد للتجنيد سيمنح القوات المسلحة “صورة شبابية”؛ حيث تهدف السياسة إلى خفض متوسط أعمار أفراد القوات المسلحة البالغ قوامها 1.38 مليون جندي، وتقليص تكاليف المعاشات التقاعدية المتزايدة.
وبالرغم من إعلان الحكومة الهندية عن رفع سن التجنيد بالسياسة الجديدة إلى 23 عاماً، وتخصيص 10% من الأماكن الشاغرة في القوات شبه العسكرية ووحدة “بنادق آسام” لمن يتركون صفوف الجيش بعد سنوات التجنيد الأربع، بيد أن هذه التعديلات لم تنجح في تهدئة المتظاهرين حتى الوقت الراهن.
تداعيات محتملة
رغم أن نظام التجنيد بأي دولة هو شأن عسكري، فإنه في الهند يتجاوز ذلك نظراً إلى عوامل عدة؛ منها عدد السكان البالغ تقريباً ملياراً و300 ألف نسمة، والمتغيرات الاقتصادية والسياسية؛ لذا فإن هناك عدداً من التداعيات حال استمرار الأزمة الراهنة ومنها:
1– زيادة تهديدات السلم الاجتماعي: استفز الإصرار الحكومي على تنفيذ سياسة “مسار النار”، الولايات الهندية الفقيرة؛ لأنه سيؤدي إلى حرمان سكانها من فرص عمل حكومية مميزة، وخصوصاً أن هناك 23 مليون فرد يصلون إلى سن التجنيد سنوياً، وحال رفض التحاقهم بالجيش سيعانون من البطالة، وقد تزامن ذلك مع أزمة تصريحات قيادية بالحزب الحاكم ضد الدين الإسلامي التي أدت إلى تظاهرات عدة قوبلت بعنف من قبل السلطات الهندية، ناهيك عن القرارات التي أصدرها الحزب الحاكم في الهند، والتي استهدفت، بطريقة أو بأخرى، بعض الرموز والممارسات الدينية للمسلمين في الهند؛ وذلك على غرار القرار الصادر في فبراير الماضي بمنع ارتداء الطالبات المسلمات “الحجاب” في معاهد عليا ببعض الولايات. وبهذا تتسع دائرة الرفض لسياسات الحزب الحاكم بين فئات محددة، كالمسلمين والفقراء والأقليات والولايات المهمشة؛ ما يؤثر سلبًا على السلم الاجتماعي بالهند.
2–تراجع شعبية الحزب الحاكم: يتبني حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم بالهند سياسات أيديولوجيا قومية هندوسية محافظة، ويصف بأنه حزب يميني، وعكست سياساته داخلياً وخارجياً ذلك؛ ما أثر على نحو ما على شعبية رغم كونه لا يزال يحتفظ بالأكثرية البرلمانية؛ فعلى سبيل المثال، خسر الحزب في عام 2021 ولاية رئيسية في الانتخابات المحلية هي “البنغال الغربية” يقطنها 90 مليون نسمة. وفي سياق ذي صلة، يستعد الحزب للانتخابات البرلمانية المقبلة في 2024، ويركز على قضايا الهوية والدين ومعالجة قضايا التنمية والبطالة، وهي قضايا محل جدل، وتثير العديد من الانتقادات ضده، وربما يتراجع النفوذ السياسي للحزب في الانتخابات المقبلة إذا توسعت دوائر الرفض الشعبي لسياساته.
3– تفاقم الأزمة اقتصادية الداخلية: يعاني الاقتصاد الهندي من تباطؤ في النمو إثر فترات الإغلاق عام 2020 خلال تفشي فيروس كورونا المستجد؛ حيث بلغ 4.5% نهاية 2021 مقابل 8.1% عام 2018، وبلغ العاطلون عن العمل 56 مليوناً في 2021 مقابل 40 مليوناً عام 2017، كما برزت أزمة طاقة منذ أبريل الماضي؛ حيث تعاني 12 ولاية هندية من انقطاع للكهرباء، وبلغ العجز في إمدادات الشبكة الكهربائية نحو 15%، ومع ارتفاع درجات الحرارة سترتفع تلك النسبة.
وبناءً عليه، إذ استمرت الاحتجاجات القائمة، فإن الهند مرشحة لمواجهة أزمة اقتصادية؛ حيث بلغت الخسائر من حرق وتدمير الممتلكات العامة ملايين الدولارات فضلاً عن الخسائر من قرار الحكومة قطع خدمة الإنترنت في عدد من الولايات يوم 18 يونيو 2022 للحد من التواصل بين المحتجين، وتعطيل 500 رحلة قطار بعد تدمير محطات السكة الحديدية. وإذا نفذ حزب “المؤتمر الوطني” المعارض قراره بتنظيم “إضراب عام” بالهند فإن ذلك سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
4– الانعكاسات السلبية على قدرات الجيش الهندي: يحتل الجيش الهندي مرتبة متقدمة بين أقوى جيوش العالم، وتصل ميزانيته إلى 49 ملياراً و600 مليون دولار، وعدد قواته يبلغ 5 ملايين و132 ألف فرد، بينهم مليون و450 ألف فرد قوات عاملة. ولكن تقليص عدد أفراد الجيش ربما يؤدي إلى تراجع في مكانته الإقليمية والدولية، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية التي تواجه نيودلهي، واستمرار النزاع والتنافس مع باكستان، وخاصةً على إقليم كشمير، والعلاقات غير المستقرة مع الصين، فضلاً عن التوتر الدولي إثر التنافس بين بكين وواشنطن على منطقة الهندو–باسيفيك، والتهديدات الإرهابية القادمة من أفغانستان التي تجلَّت ملامحها مؤخراً مع تفجير معبد للسيخ بكابول احتجاجاً على تصريحات المسؤولين بالحزب الحاكم في الهند المسيئة للإسلام.
خلاصة القول إن التوقيت الذي طُرحت فيه سياسة التجنيد العسكري الجديدة ساهم في إضفاء المزيد من التعقيدات على المشهد السياسي في الهند، وزاد مؤشرات عدم الاستقرار السياسي والأمني، لا سيما أنه تزامن مع موجة غضب من قبل المسلمين في الهند تجاه سياسات وتوجهات الحزب الحاكم. وبناءً عليه، يظل تنفيذ سياسة التجنيد الجديدة محكوماً بثلاثة سيناريوهات رئيسية؛ هي: الإصرار الحكومي على تطبيقها كما هي وتجاهل الاحتجاجات الشعبية على النحو الذي قد يؤثر على شعبية الحزب الحاكم، أو نجاح “الإضراب العام” المزمع تنفيذه من قبل أحزاب المعارضة والمحتجين في الضغط على الحزب الحاكم لإلغاء السياسة الجديدة، فيما يشير السيناريو الأخير إلى التوصل إلى صيغة توافقية تتضمن إدخال تعديلات على سياسة التجنيد يمكن بها تهدئة بعض المخاوف الشعبية.