- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
هاشم عبد العزيز يكتب : سواق الأتوبيس
هاشم عبد العزيز يكتب : سواق الأتوبيس
- 5 مايو 2021, 11:26:39 م
- 963
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سواق الأتوبيس
يعد ميل مخرجين سينما ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي إلى تصوير المشاهد الخارجية بكثرة ميلا طبيعيا وذكيا إذا دققت النظر في أسلوب حياة المصريين عقب حرب اكتوبر ١٩٧٣ ؛
حيث تحولت البيوت إلى فنادق ؛يقضي الناس معظم أوقاتهم في الشارع باحثين عن لقمة العيش أو هاربين من طعنات القلق التي كانت تتسرب إليهم خلسة من مواطن عدة كانت قد نمت هي الأخرى عقب ثبات مفهوم الهجرة إلى الخليج العربي في عقلنا الجمعي
والذي يعد تماسا خاصا أيضا مع هجرة المصريين الداخلية سواء كانت هجرة إقليمية إلى العاصمتين التاريخيتين " القاهرة والاسكندرية " أو هجرة أبناء العاصمتين إلى الشوارع نفسها ..
كما يعد التصوير الخارجي لشوارع مصر توثيقا سمعيا و بصريا لما حدث في شوارع مصر إذا قارنتها بتلك الصورة والنغمة التي كانت ذي قبل وهو ما نفتقده لدى صناع الافلام منذ مطلع الألفية الجديدة حتى الآن ..
حيث غابت معالم كثيرة تحت طيات الهدم والبناء والعكس دون أن تستغل أو توثق خاصة في ريفنا وصعيدنا المصري .
- يستيقظ حسن في الرابعة والنصف ليركب اتوبيس هيئة النقل العام ثم يستلم التاكسي ليلا ولا يعود إلى في منتصف الليل كما نرى في دقائق الفيلم الأولى ..
حيث نسمع على شريط الصوت صوت منبه عال وهو يرمز إلى النوم الشديد جراء التعب الجسدي كما يلفت الإنتباه إلى مرمى أبعد أيضا وهو الغفلة الروحية التي ضربت كل شباب هذا الجيل وما بعده المربوط في ساقية لقمة العيش التي تبعد الإنسان قهريا عن نفسه ومحيطه ومشكلات طنه بشكل عام .
" الصراع الأسري والعملي "
يجب أن نعرف وهو ما يحكيه عاطف الطيب على لسان الممثلين أثناء عرض مشاهد الفيلم أن " حسن " خسر أغلب الصراعات التي دخلها في مقتبل عمره سواء كانت صراعات جبرية أو قهرية ؛
كان أولها قبل نشوب حرب اليمن عندما خطط زوج أخته " عوني " وأخذ يحرض الأب عليه رغم مهارته في صنعة النجارة حتى طرده من الورشة ليهرب حسن بعد الخسارة الفردانية الاولى
متطوعا في الجيش المصري ماشيا على درب الأب الذي هرب هو الأخر في الزمن الماضي من ضابط الكامب الانجليزي ونجح في بناء الورشة التي يدور حول إنقاذها الفيلم .
ينفرد عوني بالورشة جزئيا وبالأب وجهد يكتنز الأموال ويتاجر في الاخشاب ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ يفكر كيف يتخلص من الأب وتكون الورشة خالصة له حتى يقولون
" المعلم عوني راح المعلم عوني جه " أنه يحتاج إلى ذلك بعد كل الإهانات التي شربها قبل أن يتكرم عليه حماه ويوفر له " الشغلة " والزوجة " ذلك هو ضمير الناس وديدنهم قبل سطوة رأس المال على الروح والضمير وكل شيء ..
" الصراع مع التقاليد الاجتماعية "
منذ اللقطات الاولى نعرف أن حسن خاض حربا شرسة مع أم زوجته ذات الحسب والنسب و التي حصل عليها في اللحظات الأخيرة بعدما هربت اليه وتزوجها في الحال ؛
ربما يبدو لك أن زواج حسن من زوجته ميرفت يعد نصرا في ذلك الصراع الاجتماعي الذي قتل معالجة وتصويرا في افلام عدة ولكنه لم يكن إلا معركة صغيرة في حرب حسن العامة خاصة أن الأم كانت مؤمنا إيمانا عميقا أنها لم تخسر حربها الشخصية مع حسن بعد .
" الهزائم العامة والعكس "
يهرب حسن من خسارة فردانية إلى خسارة عامة في المقام الأول وفردانية أيضا له وهو المتطوع في الجيش المصري الذي لم يوفق في حرب اليمن وحرب ١٩٦٧ لتكون حرب الاستنزاف نقطة نظام تقوده إلى النصر في أكتوبر ١٩٧٣ ؛
كل ذلك كان دافعا قويا لحسن ان يكون مقاتلا صلبا والا يستسلم بسهولة لفكرة سقوط الورشة في قبضة مصلحة الضرائب أو كرش عوني الذي يطمع فيها وعلى أهبة الاستعداد أن ينقض عليها بعد أن ورط الأب في اهمالها وعدم تسديد ضرائبها لفترة طويلة .
" صراع حسن مع ذاته "
يحدث دائما أن يسأل الواحد منا نفسه عندما تتكالب عليه المشكلات ؛ هل انا على صواب أم على خطأ ؛ ظهر ذلك جليا في نبرة صوت " حسن "
عندما نصحه زميله السائق بالهجرة إلى الخارج بينما يفكر هو أن يبيع التاكسي ليدبر جزء من مبلغ الضرائب ؛ التاكسي التي ستكون زوجته في صف أمها في نفس الدقيقة التي سيبيعه حسن فيها؛ هكذا قالت له
وهكذا يفكر حسن وهو لا يرى أمامه إلا إنقاذ الورشة التي هي في الأصل بمثابة إنقاذ للأب المريض . فالورشة و الأب لدى حسن كمفهوم عام لا يختلف كثيرا عن مفهوم الأرض و الوطن .
" الخذلان القريب والبعيد "
قطع حسن مشاوير ليست بالقليلة إلى شقيقاته وأزواجهن الذين يعيشون في المحافظات الساحلية التي طرأ عليها تغيرا بعد الانفتاح الاقتصادي يشبه ذلك التغير الذي حدث في دول الخليج العربي
وربما يكون لذلك البعد المكاني عن العاصمة معنى ما في بطن صناع الفيلم إذا اتفق لنا أن نعتبر أخت حسن القاهرية وزوجها عوني هما الأقرب والأولى كما قال " البرنس " زوج الاخت البورسعيدي "
أن عوني هو الاولى وربنا فاتح عليه " اي اننا لن ندفع قرشا قبل أن يدفع عوني إن لم يدفعها كلها ؛ ولم يختلف موقف زوج الأخت الدمياطي كثيرا بل كان أكثر تهكما و بجاحة وكان خيارا موفقا من عاطف الطيب أن يلتقط الاخت وزوجها من زاوية مرتفعة حتى تظهر الأسرة بمثل هذه الضئالة والصغار .
" طوق النجاة بين الزيف والحقيقة "
عندما علم تاجر المخدرات وهو جار الأب ويعد دخيلا غير مرغوب فيه على " الحتة " ونجسا أيضا كما وصفه حسن بينما لم يتكلم هكذا عن البقية قريب وبعيد رغم أنهم أنكروا جميل الاب عليهم
ورفضوا مساعدته وفك ضائقته المادية ؛ يعرض تاجر الاب المساعدة على الأب في البدء لله في لله دون أي مقابل ؛
هكذا عرض بكل خبث لا يختلف كثيرا عن خبث الصهاينة ثم يأتي ثانية ويطلب الزواج من كوثر شقيقة حسن الصغرى التي يحبها " ضيف " كمساري الاتوبيس حبا جما
ويقدم لحسن كل ما يملك حتى يدبر قسط الضرائب كما تفعل أخته المهاجرة وزوجها وتؤثر على نفسها ولو حلمت كثيرا بشقة تمليك في إشارة أن ليس كل الأشقاء والاصهار بكل هذا الجحود والنكران والسوء .
" حسن ينسحب من معركة التقاليد الاجتماعية "
لم يكن أمام حسن بعد ظهور أطواق نجاة حقيقية التي وفرت جزء من مبلغ الضرائب إلا أن يبيع التاكسي وينسحب راضيا مرضيا من معركته الاجتماعية مع ام ميرفت ويطلقها ولو بدا مهزوما ولو تزوجها ابن خالتها العائد من الهجرة بالمال الكثير و الذي يكرهه حسن كرها عظيما .
" نهاية حزينة ونهاية تبشر بالأمل "
يقبض حسن على كيس النقود ومعه ضيف وزوج أخته ثم يقول لهما ان صحة الاب ستتحسن بعد دفع المبلغ وفتح الورشة ؛ يضع حسن قدمه على عتبة البيت يسمع صراخا وعويلا
وتدور الكاميرا على الوجوه الكاذبة التي بخلت بل وتمنت تلك النهاية المؤسفة وكنت أظن أن الفيلم سينتهي
ولكن كانت نهاية أخرى قام المخرج بالتاسيس لها في لقطات الفيلم الأولى عندما سرق أحد اللصوص حافظة نقود سيدة وفر هاربا رغم محاولة حسن أن يغلق عليه باب الاتوبيس ليقفز اللص من الشباك ويتبخر وراء السيارات ؛
وفي اللقطة الأخيرة يصعد لص أخر ويسرق سيدة أخرى ويقفز من النافذة بعد غلق الباب ولكن حسن ينقض خلفه هذه المرة ويصر على اللحاق به
ويضربه صارخا " يا ولاد الكلب " كأنه يضرب و يشتم جميع اللصوص في شخص السارق الاخير الذي يرتدي طاقية مرصعة بما يشبه النجوم وفي خلفية الكادر مبنى جامعة الدول العربية ..
- فيلم سواق الاتوبيس فيلم من الأفلام الثرية بالفنيات العالية والغنية بالمعاني العظيمة أي أن كل ثانية من ثواني الفيلم لها قيمة وهدف وذلك لا يتكرر كثيرا في فيلم مصري .
- الصوت موفق جدا ؛ صوت عداد التاكسي المتكرر مع كل مشوار ؛ صوت الفرامل عندما يسمع حسن المبلغ المطلوب دفعه للورشة ؛
إيقاف الموسيقى فجأة بعدما يخبر حسن زوجته أنه سيبيع التاكسي ؛ صوت الشارع نفسه ممتع ودافيء وحزين ومقبض في نفس الوقت .
. غنوة سيد درويش الحلوة دي قامت تعجن من الفجرية ومزجها بموسيقى حزينة على عناوين المقدمة .
- اللقطات المرتفعة أظهرت كم يكون الجاحد وناكر الجميل تافها وصغيرا رغم تحصنه بالمال الذي تظهر اللقطات القريبة شراهته القائمة لديهم عندما يستكمل البرنس صب النبيذ
رغم انسكابه على الطاولة بعدما جمع حفنة كبيرة من رؤوس الجمبري غالي الثمن ..
كما تقترب الكاميرا أمام محل البرنس على كراتين فارغة ملقاة ع الأرض بعدما يتهرب البرنس من حسن ويرفض المساعدة ليتركها حسن وينصرف وتبقى وحيدة حتى يكتمل المعنى .
سواق الاتوبيس
فيلم عاطف الطيب الثاني
فكرة وقصة محمد خان
سيناريو بشير الديك
مدير التصوير سعيد الشيمي
موسيقى تصويرية كمال بكبير
مونتاج نادية شكري
بطولة عماد حمدي نور الشريف ميرفت امين زهرة العلا عزيزة حلمي نبيلة السيد المنتصر بالله وحيد سيف شعبان حسين حمدي الوزير .