- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية البحرية الإيرانية
نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية البحرية الإيرانية
- 1 نوفمبر 2022, 5:49:36 ص
- 640
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على مدى العقود الأربعة الماضية، بنت إيران هويتها كدولة معارضة للولايات المتحدة، مما أدى إلى حصرها في صراع جيوسياسي طويل الأمد مع واشنطن.
وبالنسبة لمخططي الدفاع الإيرانيين، فقد شكل ذلك تحديًا كبيرًا، حيث تمتلك الولايات المتحدة أقوى قوة بحرية في العالم مع سلسلة من الحلفاء في الخليج على الحدود الجنوبية لإيران، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لقدرة طهران على الدفاع عن نفسها في حالة اندلاع صراع عسكري مباشر.
ولإدارة هذا التهديد، تبنى الاستراتيجيون البحريون الإيرانيون استراتيجية هجينة تجمع بين القوة البحرية التقليدية والحرب غير المتكافئة، بما في ذلك إدراج الصواريخ متوسطة وطويلة المدى وآلاف الزوارق السريعة المدججة بالسلاح والمصممة لإلحاق أضرار بالغة بأي قوة هبوط محتملة.
القدرات البحرية الإيرانية
إلى جانب القدرة على إلحاق أضرار مادية ونجاعة استراتيجية الحرب غير المتكافئة الإيرانية، تكمن قوة الجمهورية الإسلامية أيضا في التكاليف النفسية التي يفرضها هذا المذهب العسكري على منافسيها.
من خلال الانخراط في أنشطة تخريبية ضد السفن التجارية والبنى التحتية البحرية للطاقة، تشير إيران إلى أنه لا ينبغي اعتبار حرية الملاحة في الخليج أمرًا مفروغًا منه. ويمكن أن تؤدي فترات الاضطراب إلى شل التجارة وخطوط إمداد الطاقة في أي وقت، مما يؤدي إلى تداعيات سلبية قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.
وفي الواقع، استخدمت إيران قدرتها على وقف حركة النقل البحري في الخليج العربي وبحر العرب كوسيلة ضغط لانتزاع تنازلات من منافسيها وإثنائهم عن تبني سياسات من شأنها الإضرار بمصالح طهران الاستراتيجية.
تلجأ إيران أيضًا إلى التهديدات النفسية من أجل تحقيق التوازن أمام الوجود البحري الأمريكي في المنطقة.
وفي الواقع، تنخرط القوات البحرية الإيرانية أحيانًا في أعمال استفزازية بما في ذلك اشتباكات وأنشطة تخريبية وتدريبات بحرية؛ مما يزيد إدراك واشنطن للتهديد.
وهناك قائمة طويلة من الأنشطة البحرية الإيرانية التي تستهدف استعراض القوة وبناء ضغط نفسي على الأصول البحرية الأمريكية في الخليج. ومن الأمثلة البارزة على ذلك التدريبات البحرية التي استغرقت 3 أيام في عام 2015 وقام خلالها الحرس الثوري بمحاكاة هجوم على سفينة حربية تشبه حاملة طائرات أمريكية من طراز "نيميتز".
ومن الأمثلة البارزة الأخري المناورات المشتركة بين إيران وروسيا والصين في شمال المحيط الهندي في عام 2019، وكذلك محاولة سفينة دعم تابعة للحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على طائرة أمريكية من طراز "سيلدرون إكسبلورر" في أواخر أغسطس/آب 2022.
وقد دعمت القدرات القتالية الموثوقة التهديدات النفسية لإيران.
وكانت التحركات البحرية الأخيرة للحرس الثوري مثالا على ذلك، حيث تم إطلاق صواريخ من سفينة "سليماني"، في أوائل سبتمبر/أيلول 2022، من حوض بناء السفن في بندر عباس، وهي قفزة كبيرة إلى الأمام بالنسبة لقدرة الحرس الثوري الإيراني على نشر القوة خارج المياه الضحلة للخليج.
وتعد السفينة الحربية "سليماني"، أول سفينة تدخل الخدمة من بين مجموعة من 3 سفن مزودة بأنظمة إطلاق عمودية لإطلاق صواريخ أرض جو ويعتقد أنها تتمتع بقدرات تخفي متقدمة.
تحتوي السفينة أيضًا على مهبط كبير للطائرات بدون طيار والطائرات الهليكوبتر للإقلاع والهبوط العمودي.
ويقول "فرزين نديمي"، الزميل المشارك في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "من المرجح أن تساعد السفن الجديدة في عمليات الحرس الثوري المستمرة في المحيط الهندي، وكذلك دعم مهام القوارب السريعة الأصغر والأكثر سرية".
ومع نطاق إبحار مزعوم يبلغ 2000 ميل بحري، تشير سفينة "سليماني" الحربية لرغبة إيران في توسيع نطاق وصولها البحري.
توازن غير مستقر
بالرغم أن التكتيكات البحرية الهجينة التي تتبناها إيران، أثبتت قدرتها على إحداث أضرار جسيمة للسفن التجارية والبنية التحتية للطاقة، إلا أنها تحمل تداعيات كبيرة للنظام في طهران، فالانغماس في سلوك المواجهة الشديدة في جميع أنحاء الخليج قد يقوض طموحات البلاد الإقليمية ومكانتها الدولية.
ومن بين أوجه القصور في تكتيكات إيران الجريئة إغفال الوجود المتزايد للاعبين الأجانب ومعظمهم من القوات البحرية الأمريكية والأوروبية في الخليج.
وقد أدى العدد المتزايد من السفن الحربية ومركبات المراقبة الجوية التي تقوم بدوريات في مياه الخليج إلى الحد من قدرة إيران على صرف النظر عن عمليات الظل التي تقوم بها، مما يقوض الركيزة الأساسية لاستراتيجيتها غير المتكافئة.
علاوة على ذلك، أصبح الاستراتيجيون البحريون الإيرانيون يدركون بشكل متزايد أن الأصول الأساسية للبلاد في الخليج ليست محصنة ضد الإجراءات الانتقامية من قبل خصومها.
وبالرغم من محاولات تطوير نقاط عسكرية وتجارية بديلة في المناطق الساحلية خارج مضيق هرمز، لا يزال بندر عباس قلب وروح العمليات البحرية الإيرانية.
ومن المتوقع أن تحقق المشاريع التي تدعم اللامركزية في المحاور البحرية الإيرانية، مثل تطوير موانئ المياه الزرقاء في تشابهار وجاسك، نتائج ذات مغزى، لكن تنفيذها يسير بخطى بطيئة.
وطالما ظلت هذه المبادرات غير مكتملة، ستظل المنشآت العسكرية والتجارية الموجودة على السواحل الإيرانية عرضة للاضطرابات الإقليمية.
وبالرغم أن الصناعات العسكرية الإيرانية أحرزت تقدمًا مطردًا في تطوير وإدخال مجموعة واسعة من الأصول والمعدات العسكرية من الدرجة الأولى، إلا أن التقنيات المحلية لا تزال بحاجة إلى سد بعض الثغرات.
ويمكن أن تؤدي الثقة المفرطة في المنتجات المحلية والاعتقاد غير المبرر في مثالية بنيتها الدفاعية إلى سوء تقدير تكتيكي واستراتيجي.
وتواصل إيران النظر إلى نفسها على أنها ركيزة رئيسية لمنظومة الأمن الإقليمي في الخليج. على هذا النحو، ستواصل الاستفادة من ثقلها السياسي لحث جيرانها واللاعبين الدوليين على الاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية.
وما دامت منطقة الخليج تفتقر إلى بنية أمنية بحرية شاملة تراعي مصالح واهتمامات جميع الدول المطلة عليها، فمن غير المرجح أن تتخلى إيران عن استراتيجيتها الحالية في المواجهة و حافة الهاوية.
وستظل الإشارات العدوانية من خلال عمليات التخريب (منخفضة الكثافة) نمطًا منتظمًا في العقيدة البحرية الإيرانية حتى يتم التوصل إلى الصيغة الصحيحة للتوفيق بين تصورات التهديد المتضاربة في الخليج.
3 دروس
لقد ألقت حوادث المضايقات البحرية السابقة بعض الضوء على 3 دروس رئيسية قد تساعد في فهم وجهة نظر إيران في الأزمات المستقبلية.
أولاً، من الواضح أن إيران لديها القدرة الكافية على تبني نهج تصالحي أو عدائي في المجال البحري. ويشير الانخفاض الملحوظ في الهجمات التي استهدفت السفن التي ترفع علم دول الخليج على مدى الأشهر الماضية والإعلان الأخير عن إنشاء مركز أمن بحري مشترك بين إيران وعمان وباكستان للإشراف على حركة السفن في المحيط الهندي إلى أن إيران يمكن أن تلعب دورا مسؤولا في البحر.
ومع ذلك، تميل إيران إلى تفضيل الموقف العدائي عندما ترى أن مصالحها الاستراتيجية (الإقليمية والعالمية) مهددة.
ثانيًا، تفضل إيران تنفيذ عمليات مدروسة بطريقة غير مباشرة تسمح لها بالحد من الأضرار الجانبية وتقليل التوترات بسرعة إذا لزم الأمر. وتساعدها سياسة الحد من الضرر على إسماع صوتها مع تجنب خروج الأمر عن السيطرة.
أخيرًا، أظهرت إيران حتى الآن ميلًا لتجنب المخاطر غير الضرورية في المواجهة البحرية. وبالرغم أن الحماسة الثورية والأيديولوجية تلعب دورًا مهمًا في صنع القرار في البلاد، إلا أن عمليات الظل تبدو أكثر جدوى في ممارسة الضغط على المنافسين من اتباع أجندة متهورة مدفوعة بالأيديولوجية.
بالرغم من حرص طهران على تجنب الوقوع في فخ تصعيد عسكري شامل في فنائها الخلفي، لا يمكن استبعاد سوء التقدير وبالتالي الانجرار لمواجهات مريرة خاصة مع حرص إيران علي استمرار استعراض القوة في مياه الخليج.
وزادت موجة الاحتجاجات الأخيرة في إيران من قلق النظام، وقد تؤثر على سياسته الخارجية. تقليديا، قامت طهران بموازنة التهديدات المحلية من خلال تصعيد الخطاب التحريضي الخارجي، وزيادة العمليات العسكرية عبر حدودها.
إن استخدام آلة القمع، والادعاء بأن الولايات المتحدة تغذي الاضطرابات، وهجمات الحرس الثوري في كردستان العراق، تشير إلى أن "الكاتالوج الإيراني" للتعامل مع التهديدات الداخلية لم يتغير.
ومن وجهة نظر القيادة الإيرانية، فإن التلويح باستعداد النظام لاستخدام القوة في الخارج وسط أزمة شرعية داخلية يمكن أن يرسل رسالة إلى الخصوم أن الفعالية العسكرية للنظام لم تتأثر وأنه ما يزال قادرا علي ردع التهديدات الخارجية.
وإذا خرجت الاحتجاجات عن السيطرة، فمن المرجح أن تستأنف إيران وتصعد نهجها القائم على المخاطرة والمواجهة في مياه الخليج.
المصدر | ليوناردو جاكوبو/منتدى الخليج الدولي