- ℃ 11 تركيا
- 9 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «الغاز والأمن الإسرائيلي».. ترسيم الحدود البحرية اللبنانية والإسرائيلية والمعادلة الإيرانية.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «الغاز والأمن الإسرائيلي».. ترسيم الحدود البحرية اللبنانية والإسرائيلية والمعادلة الإيرانية.
- 30 أكتوبر 2022, 4:35:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا نبالغ إن اعتمدنا على تلك المقاربات، التي تضع السياسات الإيرانية، ضمن أطر تعزيز مفردات السيطرة والنفوذ، في عموم دول الشرق الأوسط، لا سيما أن جوهر الاستراتيجية الإيرانية، يعتمد على محددات من شأنها التغلغل في دول المنطقة، تطبيقاً للمعادلات اللي ترتكز في الجوهر والمضمون، على تعزيز موقعها الإقليمي، أسوة بباقي القوى الإقليمية والدولية، الباحثة عن تعزيز مصالحها الإستراتيجية في دول المنطقة. وربطاً بذلك، فإن السياسة الإيرانية تُجاه لبنان، جعلت منه معادلة إيرانية بمستويات متعددة، تخدم ما يُمكن تسميته " توسيع نطاق الإمبراطورية الإيرانية"، لمواجهة المخاطر الإستراتيجية التي تستهدف إيران، وفي العلاقات الدولية، ثمة ما يُبرر التوجهات الإيرانية، والذي يندرج ضمن إطار المصالح القومية، بمعنى السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياساتها الخارجية، وبمعنى أدق إن المصلحة القومية هي محـور الارتكـاز أو يمكـن القـول بأنها القوة الرئيسة المحركة للسياسة الخارجية لأي دولة من الدول، ولهذا المنهج مزايا من بينها أنه يجرد أهداف السياسات الخارجية للـدول من التبريرات المفتعلة أو غير الواقعية، التي تحاول أن تنسبها إلـى هـذه السياسات، كذلك إن فكرة المصالح القومية، توضـح جانب الاستمرار في السياسات الخارجية للدول، علـى الـرغم مـن التبـدل الذي قد يصيب الزعامات السياسية. وعليه بات واضحاً، أن إيران تتخذ من دول المنطقة وتحديداً في لبنان وسوريا وبدرجة أقل العراق، مرتكزاً سياسياً وإعلامياً لأنشطتها.
حقيقة الأمر، وعلى مدى السنوات الماضية، لم تعد طبيعة العلاقات الدولية وماهيتها، كما في السابق، خاصة أن المتغيرات بمستوياتها كافة، والتي وسمت جُل مشاهد الشرق الأوسط، فرضت على الجميع البحث عن مسارح تكون منطلقاً لتعزيز الواقع الاستراتيجي، وتوسيع نطاق المصالح والإمتيازات. ضمن ذلك فإن لبنان لم يكن بمنأى عن تلك المتغيرات، لكن لبنان وواقعه ونظرة القوى الإقليمية والدولية إليه، جعلت منه صندوق بريد للرسائل السياسة والعسكرية وحتى الإقتصادية. نتيجة لذلك، فإن لبنان بقي في أتون صراعات القوى لتعزيز مصالحها، وبقي كذلك في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل، لتوفير التغطية الضرورية لسياسات أُخرى تمارسها إيران. ترجمة ذلك تتجلى في حالة الشد والجذب في المفاوضات النووية، وفي تنظيم علاقات إيرانية- غربية يسودها توتر مستدام ورغبات دفينة في وئام مرتجى.
وبالوصول إلى ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، فإن إيران وطبيعة سياساتها، لم تكن بعيدة عن مضمون الاتفاق وجوهره، خاصة أن التسريبات التي واكبت مسار المفاوضات اللبنانية- الإسرائيلية، لا سيما الجانب المتعثر منها، أكدت أن أي اتفاق لن يرى النور، إلا إذا كانت إيران موافقة عليه. وبالتالي، فإن إيران تعتبر لبنان جزءاً أساسياً من منطقة نفوذها الاستراتيجي، وأي اتفاق مع إسرائيل سيتطلب قراراً وموافقة إيرانيين بالاستناد إلى تقييم المصلحة الإيرانية العليا فيه، بهذا المعنى يصبح ما تقوم به السلطات اللبنانية عملاً شكلياً، الأمر الذي أضاءت عليه الصُحف الإسرائيلية، لجهة إدارة مسار المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، وضمناً حزب الله، حتى الوصول إلى لحظة إنتاج الموقف الإيراني النهائي كحصيلة لمداولات الكواليس مع أميركا.
في ذات السياق، بات واضحاً أن الدوران الفرنسي والقطري، كانا إضافة مهمة في مسار التفاوض اللبناني الإسرائيلي، وكذا التواصل مع إيران ليستحقا شكر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وأيضاً الرئيس اللبناني، وفي لحظة الاتفاق الذي اعتبرته إسرائيل إنجازاً استراتيجياً وتاريخياً، كانت عقدة العراق حيث تتعايش أميركا وإيران على مضض، تجد طريقها إلى الحل بسهولة فائقة، فينتخب رئيس للدولة ويعين رئيس للوزراء، وكان وزير النفط الإيراني يعلن مضاعفة واردات صادرات بلاده من النفط وبالعملات الصعبة أضعافاً عدة، لكن ثمة تساؤلات تؤطر ماهية الاتفاق اللبناني الإسرائيلي. هي تساؤلات تتجلى في إمكانية اعتبار هذا الاتفاق بوابة للتغيير في توازنات المنطقة واتجاهاتها، لكن في المقابل، ثمة هواجس حيال انعكاساته على لبنان، البلد المعني مباشرة بهذا الإتفاق.
ومع الوصول للإتفاق بصيغته النهائية، كان للجيش الإسرائيلي وأجهزة إستخباراته، الدور المركزي في الإعداد للإتفاق، حيث أعتبر المفاوضين الإسرائيليين، أن الطرف اللبناني المفاوض هو «حزب الله»، وفي اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغر الذي أقر الاتفاق، كان رأي أجهزة الأمن موحداً، لجهة أن هذا الإتفاق من شأنه تعزيز أمن إسرائيل.
الصحف الإسرائيلية بدورها رصدت مواقف حزب الله، فقد حاول الأخير أن يحافظ على نبرة دبلوماسية نسبياً، وتجنب إطلاق التهديدات ضد إسرائيل، الأمر الذي أيضاً رصده ساسة إسرائيليون، ووضعوه في إطار الرغبات الإيرانية بالتهدئة، ومع ذلك لن يطول الصمت الإيراني، فصحيفة "وطن امروز" الأصولية حسمت الأمر، وقالت إن الاتفاق "نصر كبير" لـ"حزب الله" الذي مرغ "أنف إسرائيل وأجبرها على القبول بهذا الاتفاق"، وانطلقت بعدها بيانات المنظمات التي تدعمها إيران ومنها "حماس" في دعم "حزب الله" وتغطية موقفه.
ما سبق، يُعد دليلاً على خوض إيران الإتفاق وتفاصيله، لكن من وراء ستار، وفي المستوى الضيق، فإننا أمام اتفاق بين "حزب الله" وما يمثله وبين تل أبيب، خلاصته كما قال بايدن، ضمان أمن إسرائيل من جهة وإتاحة الفرصة للبنان بسياسييه وحكامه لاستثمار محتويات بحره من جهة ثانية.
في الخلاصة، ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، هو حدث تاريخي في مسار الصراع مع إسرائيل، فبالنسبة إلى الأخيرة، يعتبر ترسيم الحدود البحرية، بعد ترسيم البرية أو ما يعرف الخط الأزرق، إقفالاً رسمياً لباب تهديد دائم من جانب إيران وحزب الله، وهو ما ركز عليه قادة الأمن الإسرائيلي، وفي انتظار انكشاف الثمن الحقيقي الذي قبضته إيران، سيمكننا تحديد المعنى الدقيق لتاريخية هذا "الإنجاز الاستراتيجي".