- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: لماذا تصر الرباط على مد يدها للجزائر؟
نزار بولحية يكتب: لماذا تصر الرباط على مد يدها للجزائر؟
- 2 أغسطس 2023, 4:36:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل من مصلحتها أم من مصلحة جارتها، التي قال رئيسها في حديثه في مارس/ آذار الماضي مع قناة «الجزيرة» إنها «تواجه تحديات أمنية على حدودها» وإنها «محاصرة بسبب محيطها الجغرافي»، أن يحصل صلح تاريخي بين أكبر بلدين مغاربيين؟ قطعا فإنه سيكون من مصلحة المغرب والجزائر معا أن يحصل ذلك. لكن ما الذي يجبر الرباط أو يضطرها، في الوقت الذي لا تواجه فيه مخاطر، أو تهديدات خارجية واضحة، على الإقدام على تلك الخطوة؟
أليست الحرائق التي تشتعل الآن بقوة، وفي أكثر من مكان في المنطقة مثل التي تحصل هذه الأيام في النيجر ومالي وليبيا بعيدة عنها نسبيا، وربما لا تعنيها بشكل واضح ومباشر بقدر ما تهم جارتها الشرقية بالدرجة الأولى؟ فما الذي يدفعها إذن، وبالنظر إلى ذلك المعطى على الأقل، إلى أن تجدد الدعوة للصلح، وتطالب بعودة المياه إلى مجاريها مع الجزائر، التي اعتادت في السنوات الأخيرة على ألا تبدي اهتماما باليد المغربية الممدودة نحوها؟ هل إن حاجتها القوية مثلا إلى فتح الحدود معها هي الدافع الأساسي وراء قرارها؟ قطعا لا.. فباستطاعتها أن تتحمل تبعات قرار الغلق الذي أعلنته جارتها، من جانب واحد منذ ما يقرب من ثلاثين عاما لأعوام إضافية أخرى.
المغرب يحسب خطواته جيدا ويتطلع إلى الآفاق التي يحملها المستقبل واثقا من أن اللحظة التي سيستجيب فيها الطرف الآخر لطرقاته المستمرة ستأتي مهما طالت وتأخرت
السبب يبدو أعمق وأكبر من أن ينحصر في تلك النقطة وحدها، ولو أن العاهل المغربي ظل يشدد عليها أكثر من مرة، معتبرا أن «أسباب الإغلاق ليس لها أي مبرر مقبول اليوم، وليس هناك أي منطق يفسر الوضع الحالي»، بين البلدين. ومن الواضح الآن أن تكرار المحاولات المغربية في ذلك الاتجاه قد يبدو لكثيرين ملتبسا وغير مفهوم، وربما يراه البعض غريبا ولا يجد له تفسيرا مقنعا، أو مقبولا غير أن يعتبر أن المعنى الوحيد لأن يطرق أحد الباب نفسه مرات ومرات مع تأكده من أنه لن يلقى استجابة سريعة على الأقل لطرقاته، هو أنه يرغب بتسجيل نقاط على حساب الطرف الذي يصم أذنيه، بإحراجه وإظهاره أمام العالم وكأنه هو المسؤول الوحيد عما حصل، ما دام رافضا، وفي المطلق لأي عرض للصلح والسلام، وراغبا كما يفهم من وراء ذلك بتأبيد الخصومة والفرقة بين «توأمين شقيقين»، كما وصفهما العاهل المغربي ذات مرة. لكن ألن يكون من عدم الفهم حقا أن يفكر هؤلاء في أن الهدف الوحيد من كل محاولات الرباط للصلح مع جارتها الشرقية على مدى الشهور والسنوات الأخيرة كان الوصول فقط إلى تلك الغاية؟ ألم يكن بمقدورها أن تتصرف على النحو العكسي تماما، وأن ترد الصاع صاعين وتصعد اللهجة أو تتجاهل الموضوع في أدنى الأحوال وتعتبره منتهيا؟ ثم ألم يكن بمقدور الجزائر بدورها أن تقلب الآية، وأن تضع الطرف الآخر في الزاوية فترمي الكرة في مرمى جارتها، بدلا من أن تتركها في مرماها؟ إنه من الخطير حقا أن ينظر إلى تطلع طرف عربي ومغاربي إلى الصلح، وإلى خفض التوتر ووضع حد للخلاف وللنزاع مع طرف عربي ومغاربي آخر، على أنه نوع من التوسل، وأن يشكك في حقيقة أهدافه ونواياه، فما تقتضيه أضعف قواعد حسن الجوار هو أن تعطى الفرصة دائما للحل السلمي، وأن يفعل السياسيون أقصى ما في استطاعتهم وأن يتمسكوا وللآخر، ولو بأوهن الخيوط التي تقودهم نحو تحقيق تلك النتيجة. والأمر قد لا يكون مستغلقا وغامضا بالدرجة التي قد يتخيلها البعض، فالمشكل الحقيقي بين المغرب والجزائر لا ينحصر في الخلاف حول الصحراء، أو في عدم اندمال جراح حرب الرمال، أو في أي نزاعات حدودية أخرى، إنه يمكن أن يختصر ببساطة في سوء الفهم، وهذا هو ما وضع العاهل المغربي إصبعه عليه بدقة ووضوح، حين اختار السبت الماضي وفي خطابه في ذكرى تربعه على العرش، أن يصف العلاقات المغربية الجزائرية المتأزمة والمقطوعة، منذ نحو سنتين، بالمستقرة، قبل أن يضيف أنه يتطلع لأن تكون تلك العلاقات أفضل. ولعل الرسالة الأساسية التي حملها ذلك الخطاب كانت التأكيد «لإخواننا الجزائريين قيادة وشعبا أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة التي نوليها لروابط المحبة والصداقة والتبادل والتواصل بين بلدينا وشعبينا الجارين الشقيقين»، مثلما جاء في نص الخطاب. وهو المعنى نفسه تقريبا الذي ورد في خطابه العام الماضي، وفي المناسبة ذاتها حين أكد للجزائريين، أنهم «سيجدون دائما المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال»، وأنه «لم ولن يسمح لأحد بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا». كما أنه قد لا يختلف أيضا عما قاله في خطابه في العام الذي سبقه، حين وعدهم بأن «الشر لن يأتيكم من المغرب، أو أي خطر أو تهديد، وما يصيبكم يصيبنا واستقرار الجزائر من استقرار المغرب والعكس صحيح». وقد يقول قائل ألا تكفي تلك التطمينات لإعادة ولو بعض من تلك الثقة المفقودة بين الجانبين؟ ولماذا لا يحاول الجزائريون اختبار الوعود المغربية، أو التفاعل معها ولو من الناحية المبدئية بشكل إيجابي وبناء؟ لقد كان لافتا أن الرد شبه الرسمي الوحيد الذي صدر عنهم العام الماضي على واحدة من تلك الدعوات المتكررة للمصالحة بين الجارتين جاء في مجلة الجيش، التي شددت افتتاحية عددها في أغسطس/آب الماضي على أنه لن يكون هناك سلام مع المغرب ما دام «يحتل» الصحراء الغربية على حد تعبير المجلة. والغريب أن يحصل ذلك في وقت عبر فيه العاهل المغربي قبلها بأيام فقط عن رغبته «في العمل مع الرئاسة الجزائرية كي يعمل المغرب والجزائر يدا بيد على إقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك». وهذا ما قد يعكس ربما نوعا من تباين الرؤى بين المؤسستين العسكرية والرئاسية في الجزائر، حول التعامل مع المغرب. وهو ما تعيه الرباط وتحاول اللعب عليه. ولأجل ذلك فإن تكرارها لمحاولات مد اليد لجارتها قد يشجع بعض الجهات داخل السلطة الجزائرية التي قد تكون مقتنعة بالحاجة لإعادة العلاقات الطبيعية بين الجارتين، على أن تكون لها الكلمة الفصل في تلك المسألة وان تعمل على دفع الأطراف الأخرى التي لا تزال مترددة أو ربما متخوفة من فقدان بعض نفوذها، أو تأثيرها في حال غياب بعبع «العدو المغربي» على المضي في ذلك الاتجاه. ولا شك في أن إنضاج ذلك سيتطلب المزيد من الوقت، لكن المغرب لا يبدو مستعجلا، فهو يحسب خطواته جيدا ويتطلع إلى الآفاق التي يحملها المستقبل واثقا من أن اللحظة التي سيستجيب فيها الطرف الآخر لطرقاته المستمرة ستأتي مهما طالت وتأخرت