- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
نور الدين ثنيو يكتب: خطوات نحو إعادة التعليم العالي إلى المؤسسة الجامعية الجزائرية
نور الدين ثنيو يكتب: خطوات نحو إعادة التعليم العالي إلى المؤسسة الجامعية الجزائرية
- 22 يوليو 2023, 4:05:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الجامعة الجزائرية تحتاج إلى جامعيين، كما تحتاج الديمقراطية إلى ديمقراطيين، لأن قوانين ولوائح ومراسيم تنظيم التعليم العالي والبحث العلمي، محددة بأزمنة معينة وعهدات مضبوطة على انتهاء الخطة والبرنامج العلمي والمعرفي للأستاذ أو الخبير الذي يضطلع بذلك، لكن أي تماد في تجاوز المدة فهو تجاوز في المدى وانتهاك لحرمة مجال ليس من وضعه، ولا من عهده ولا من صلاحياته، بل من حق وواجب أساتذة وباحثين آخرين فرضتها عليهم قوانين الدولة كمفهوم إجرائي يحفظ المجتمع والأمة، في عملية تحمّل أعباء ومسؤوليات البلد. فإذا كان القانون المنشئ للجامعة الجزائرية يحدد منصب رئيس قسم بثلاث سنوات، لماذا يتمادى مدير الجامعة ويتركه في المنصب لمدة عشر سنوات، دون أن يعتريه ذنب أو وخزة ضمير بأنه اغتصب حق وواجب زميل آخر من الوطن والتكوين والتخصص نفسه؟
والجامعة الجزائرية لا تحتاج فقط إلى جامعيين، بل تحتاج إلى ديمقراطيين أي هؤلاء الذين لهم القدرة على الإعلان عن نهاية مهمتهم والإيذان بالانصراف، لأن تكوينهم العالي يقتضي ذلك، ولأنه مبنيٌ على مهام علمية وبحثية وروح أكاديمية وليس مهام زبائنية ومصلحية، ولأن الجامعة كمؤسسة تقتضي من جملة ما تقتضي، الطواعية أي تحمل المسؤولية بناء على قناعة وإمكانية الإنجاز وتحقيق الغرض والتلقائية، أي مسايرة العلم في شروطه ومساراته وأغراضه الحقيقية وليس المفتعلة، كأن تبني مدينة جامعية حقيقية من حيث البناء المادي، لكنها بقيمة معهد من حيث الإنجاز العلمي والمردود المعرفي والتقني. ومن هنا، واجب التأكد من الصلة العضوية بين الإنجاز المادي والمردود العلمي، بل يمكن أن نتجاوز ذلك، وهذا ما نحرص عليه في هذا المقال والمقام، أن نتأكد فعلا من بقاء أو ضياع الغرض والتخصص الذي جاء في المرسوم التنفيذي المؤسس للجامعة والمركز الجامعي والمدرسة العليا والكلية والمعهد، على ما هي أصناف مؤسسات التعليم العالي في الجزائر. فقد انحرف العديد من الجامعات عن أغراضها المؤسسة من فرط مكوث المسؤولين في مناصبهم بما يحوّل المؤسسة العلمية إلى مطية نفعية صارخة.
الجامعة الجزائرية جامعة عريقة إلى حد كبير، وقد أدت دورها على النحو الذي يؤهلها إلى اعتلاء المكانة العلمية والأكاديمية والمدنية اللائقة بالمؤسسة، كصرح للتعليم العالي والبحث العلمي، لأن الجامعة تمت بالتساوق مع المؤسسات الجامعية الفرنسية ليس بداية من جامعة الجزائر زمن الوجود الفرنسي، وليس نهاية من الملايين الذين واصلوا ويواصلون دراساتهم فيها إلى أن صاروا يحتلون المناصب العلمية والبحثية والأكاديمية الراقية جدّا. فالتاريخ الحديث والمعاصر يؤكد من جملة ما يؤكد توفر حوافز وإمكانات وآفاق وروح متوثبة إلى معانقة العلم في أجلى معانيه الحديثة، بمجاراة المدينة والثقافة والحضارة.. لكن ضاعت هذه الفرصة التاريخية بسبب انحراف التعليم العالي عن غرضه الجوهري وتمادي المسؤولين في مناصبهم دون وجه حق، ولا واجب ولا أخلاق وأصول إدارة وتسيير الشأن العلمي. يجري الحديث في الآونة الأخير عن مشروع إعداد قانون الأستاذ، تعمل على صياغته النهائية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ما ينم في التعبير الأخير والمطاف النهائي، عن أن وضعية الأستاذ الجزائري غير مستقرة في الوعي المؤسساتي بعد، وهذا غير صحيح إطلاقا، لأن طبيعة قطاع الجامعة يأبى هذه الحالة ليس بعد ستين سنة من الاستقلال فحسب، بل لأن المواطن الجزائري صار جامعيا بحكم نسبة الذين ارتادوا مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي.. فالطالب اليوم ينتمي إلى أسرة جامعية، أي الأب والأم تخرجا من الجامعة الجزائرية، واستفاد من درايتهما وخبرتهما ورأيهما في البحث عن أفضل سبيل إلى حياة أفضل، بما في ذلك الالتحاق بالجامعات الخارجية والعمل في بلدانها. وهذه واحدة من الخاصيات التي يجب أن ندركها كجامعيين، ونعني فتح الجامعة الجزائرية على الإمكان الخارجي بالنسبة للطلبة، وكذلك بالنسبة للأستاذ، حتى يتوافق ويلتئم معنى الجامعة عندما يعني البعد العالمي مرشحة دائما إلى أن تستفيد منها كل الإنسانية. نعم مرة أخرى، يجري الحديث عن إعداد قانون أساسي statut للأستاذ الجامعي، وكأن الأمر يحتاج إلى مراسيم من أجل تمرير حقائق ووقائع وأوضاع ومنها، إصلاح المنظومة الجامعية في الجزائر. لا بطبيعة الحال، لأن الإصلاح على الإصلاح يعني وجود فساد يفضي إلى فساد آخر، لأنه قائم على وضع غير سليم، وإلا ما احتاج إلى إصلاح.
الجامعة الجزائرية لا تحتاج جامعيين فقط، بل ديمقراطيين لهم القدرة على الإعلان عن نهاية مهمتهم والإيذان بالانصراف، لأن تكوينهم العالي يقتضي ذلك
إن مصطلح « إصلاح» صار يطلب لذاته، أي التعامل مع المصطلح وكأنه إكسير حياة يشفي ويعالج ويصلح من تلقاء ذاته، فقط الحديث عن الإصلاح وتداوله دونما انتباه إلى أن المصطلح فقد وهجه وإجراءه ومفهومه وصار يعبر عن غير معناه.. وإلا كيف نفسر إمكانية الحديث عن أن وضع الأستاذ الجامعي لم يستقر بعد في الوعي المؤسساتي. وهذا غير صحيح إطلاقا، فعدم الاعتراف بمكانة الباحث الجزائري في الداخل، وهو مؤهل التأهيل الكافي من أجل أن يرتاد مجال العلم والبحث والاختراع والاكتشاف في باقي بلدان العالم، لأن رصيده من العلوم والفنون والتقنيات الجامعية توفر له ما يشترك به مع مئات الملايين في حراك بشري دائم. مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من طبيعة عالمية، حتى لو كانت في مجتمعات ودول متخلفة، وما نحتاج إليه في الجزائر هو تخليص الجامعات من أدران وأثقال علقت بها وضايقتها من أجل الازدهار وترقية الإنسان الجزائري وغيره وتأهيله إلى حياة إنسانية كريمة. نلتمس السبيل التالي:
ـ ربط الزمن بالوجود العلمي والبيداغوجي، لأن كل فكرة أو خطة أو مشروع مضبوط بوقت ينجز أو يدمر.
ـ أعباء كبيرة ينوء بها حمل الأستاذ، تصرفه عن التفكير في قضايا العلم واكتساب الروح الأكاديمية. وكثير من النشاطات العلمية والبيداغوجية والتنظيمية تعد من الزوائد التي يُقَيَّم فيها الأستاذ من أجل التأهيل الجامعي، خاصة الترشح إلى درجة بروفيسور.
ـ لغة الأرقام والمعطيات ليست إطلاقا في صالح الجامعة الجزائرية، لا تعبر عن النجاح الوطني، بل تعبّر عن إخفاقات تبعدنا عن المعايير العالمية في ارتياد المنازل والمستويات العالمية.
ـ إعادة النظر في نظام الترَبّصات (كلمة مشينة) ولم يثبت إلى حد الساعة نجاعتها، بل تندرج في الإعانة الاجتماعية، لا أكثر. ويمكن جدّا أن نستفيد منها في تعلم وإتقان اللغة الإنكليزية في بعض المدن الأوروبية.
ـ ربط الأستاذ ببيئة جامعية وليس بعشوائيات قاتلة، غير صحية، غير آمنه، لا من حيث السكينة ولا من حيث الآداب والأخلاق العامة.
ـ ربط هيكلي وإجرائي بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في الداخل مع نظيرتها في الخارج كأفضل سبيل إلى استعادة الجامعة لروحها ومدلولها ومفهومها الحقيقي.