ناشيونال إنترست: هكذا تؤدي السياسات الأمريكية إلى تقارب روسيا والصين

profile
  • clock 29 ديسمبر 2021, 8:58:33 ص
  • eye 496
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ عام 1972، كان وضع فجوة بين الصين وروسيا حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه شرق آسيا. ويعني ذلك أن أي محاولة لصياغة تفاهم فضلا عن تحالف (سواء كان ضمنيًا أو مكتوبًا) ضد الولايات المتحدة يجب أن يتم القضاء عليه في مهده.

وقام الرئيس "ريتشارد نيكسون" ومعه "هنري كيسنجر" بزيارة الصين في عام 1972 لتفكيك ما كان يعتقد أنه تحالف بين الصين والاتحاد السوفييتي. واليوم، تم التخلي عن هذه السياسة بشكل لافت. ويبدو أن السياسة الخارجية الحالية لا تسمح فقط بل تدفع الصين وروسيا إلى أحضان بعضهما البعض، بالرغم من الخلافات الثنائية المعروفة والتي تطورت إلى مواجهات في بعض الأحيان.


وتاريخيا، لم تنظر روسيا والصين إلى بعضهما البعض كأصدقاء طبيعيين بل تطور الخلاف بينهما إلى مناوشات عسكرية نتيجة قضايا الحدودية. وبينما تستفيد روسيا من ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري باعتبارها واحدة من أكبر المصدرين، فإن الصين تستفيد من انخفاض السعر باعتبارها من أهم المستوردين.

كما يختلف البلدان فيما يخص قضايا تغير المناخ. وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، استخدمت روسيا حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الذي وصف أزمة المناخ بأنها تهديد للسلم والأمن الدوليين فيما وقعت بكين خلال قمة المناخ الأخيرة اتفاقية مع الولايات المتحدة أطلق عليها "جون كيري"، المبعوث الخاص للرئيس "جو بايدن" بشأن المناخ، "خريطة طريق للتعاون المستقبلي بين بكين وواشنطن بشأن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".

ولكن خلال قمة 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال الرئيس "فلاديمير بوتين" ونظيره الصيني "شي جين بينغ" إن لديهما رؤية مشتركة بشأن القضايا الجيوسياسية الرئيسية. وكانت الرسالة واضحة ومفادها أن كلا الزعيمين مستاء من الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة في الخارج لذلك فإنهما يقفان معًا في حقبة الهيمنة الأمريكية حتى نهايتها.

ويبقى أن نرى إذا كان بإمكان الزعيمين الاتفاق على مسار مشترك كبديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، يعد ذلك نكسة كبيرة. ولا يمكن إخفاء تراجع حصة أمريكيا في إجمالي الناتج العالمي. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم. لذلك، يظل من الممكن للدبلوماسية الأمريكية الماهرة أن تمنع الصين وروسيا من التقرب من بعضهما البعض.

وكان لدى الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" فرصة لا مثيل لها لتشكيل نظام عالمي جديد، مثلما فعل الرئيس "هاري ترومان" في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يفعل ذلك حيث كان راضيا عن التفوق العالمي لبلادهولم يدرك أن ذلك لن يدوم. وسيدفع خلفاؤه ثمن هذه الغفلة.

وحصل "جورج بوش" على فرصة أخرى مع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وكان العالم وقتها مستعدًا وراغبًا في السير على خطى الولايات المتحدة في جهد عالمي مشترك لمكافحة الإرهاب. ولكن بدلاً من ذلك، اختار "بوش" تحالف ضيق يتجاهل مصالح الدول الأخرى أو هكذا رأوا ذلك على الأقل.

ومع ذلك، ظلت الولايات المتحدة القوة الأولى بلا منازع خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وحاول "باراك أوباما" كسب الأصدقاء في عالم يكترث بالصداقة كثيرًا أمام المصالح الحيوية. وكانت جهود "أوباما" جديرة بالثناء لكنها لم تنجح. وبدأ الأعداء المحتملون في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تتراجع عن استخدام القوة العسكرية. وكان مثل هذا الانطباع خطير لأنه يغري الدول غير الراضية باختبار الوضع مع القليل من المخاطرة بمواجهة انتقام عسكري.

ونمت الصراعات المحلية والإقليمية وخرجت عن السيطرة الأمريكية. وبدأ الحلفاء في إثارة الشكوك حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفي بالفعل بالتزاماتها الأمنية تجاههم. وضعف الحلف الأمريكي مما فتح الباب أمام الصين وروسيا - بالإضافة إلى القوى الإقليمية مثل تركيا - لكسب موطئ قدم في جميع أنحاء العالم، وأدى ذلك إلى تآكل التفوق الأمريكي بشكل تدريجي.

وكانت السياسات الخارجية للرئيس "دونالد ترامب" غامضة مما ترك مساحة كبيرة للصدفة في إدارة البلاد وترك انطباعًا عن سفينة بلا قبطان. ولكن وراء الارتباك والقرارات غير المدروسة، كان هناك منطق معين حيث كان "ترامب" أول رئيس يعترف بأن تراجع حصة أمريكا في الناتج الإجمالي العالمي تعني أنه يجب تقليص الالتزامات العالمية للولايات المتحدة. وأكد "ترامب" الانطباع بأن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة العسكرية، مما رسم صورة للولايات المتحدة أضعف مما كانت عليه في الواقع.

وهكذا، عندما تولى "بايدن" منصبه، تُرك الباب مفتوحًا أمامه لإعادة توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويواجه "بايدن" عددًا من التحديات والمشكلات: الصين وروسيا وتايوان وأوكرانيا وإيران وكوريا الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر. ولا يمكن حل هذه المشاكل إلا إذا كان "بايدن" قادرًا وراغبًا في تقرير ما تمثله الولايات المتحدة، وكيف ستتفاعل مع الأزمات الخارجية، وما هي رؤيته لموقع الولايات المتحدة من العالم.

وإذا كان "بايدن" قادرًا على القيام بذلك، فمن الممكن إيجاد حل لكل واحدة منها. وإذا لم يكن قادرا فسيظل عالقًا في المستنقع. والسؤال الأساسي هو ما إذا كانت الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة نفسها متوافقة مع كيف ينظر إليها الآخرون وكيف يبدو ميزان القوى في عام 2021.

وتعد أوكرانيا هي الأزمة الأولى في قائمة الانتظار. وتواصل روسيا الإصرار على منع عضوية كييف في الناتو والحد من وجود الناتو في أوروبا الشرقية. وهناك ميل في الغرب لاعتبار هذه المواجهة من بقايا الحرب الباردة باعتبار أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي يتنافسون مع الاتحاد السوفييتي في شكل روسيا والصين المحايدة. لكن الحرب الباردة قد ولت، ولا تقدم هذه النظرة حلولا جيدة.

وتتباين مصالح روسيا والصين حول مستقبل أوكرانيا على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي. ولا تبدي الصين اهتماما بالمخاوف الروسية من تهديدات محتملة انطلاقا من أوكرانيا.

اقتصاديًا، لدى روسيا والصين مصالح متعارضة في أوكرانيا. ففي حين تريد روسيا أن تضع يدها على موارد أوكرانيا، فإن الصين لا ترغب في أن تتولى موسكو زمام الأمور هناك خاصة أنها تستورد خام الحديد والحبوب والزيوت والمعادن من أوكرانيا لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها.

ومنذ أكثر من 10 سنوات، دخلت الصين وأوكرانيا في شراكة استراتيجية، وقد أشاد الجانبان بهذه الشراكة في الذكرى العاشرة لها في يونيو/حزيران 2021. لكن سياسة الولايات المتحدة دفعت روسيا والصين للتقارب بشأن قضية لا تتفق فيها الدولتان. وقد أهملت واشنطن فرصة لاستغلال مصالحهما المتباينة.

وفي المستقبل، بينما تعمل روسيا والصين بطريقة أكثر تضافرًا لمعارضة الموقف العالمي للولايات المتحدة، سيتعين على أمريكا أن تفعل ما هو أفضل.


المصدر | يورجن أورستروم مولر | ناشيونال إنترست

التعليقات (0)