- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
مقاتلات “كييف”: ماذا بعد حصول أوكرانيا على طائرات "إف–16"؟
مقاتلات “كييف”: ماذا بعد حصول أوكرانيا على طائرات "إف–16"؟
- 30 أغسطس 2023, 6:23:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في خطوة وُصِفت بالجريئة وغير المسبوقة، وافقت إدارة الرئيس “بايدن” على تزويد السلطات الأوكرانية بطائرات مقاتلة من طراز “إف–16″؛ وذلك في محاولة لدعم قدرات كييف الدفاعية لمواجهة الهجوم الروسي. وتضمن الصفقة إقدام كل من هولندا والدنمارك على التبرع بالمقاتلات الحربية وفق شروط محددة تشمل مشاركتهما في عملية اختيار الطيارين الأوكرانيين الذين سيُعَهد إليهم مسؤولية تشغيل هذه الطائرات فيما بعد، بالإضافة إلى الإشراف على تدريبهم وإعدادهم لقيادة واستغلال هذه الطائرات بفاعلية ونجاح؛ هذا بجانب توفير البنية التحتية والتسهيلات والمتطلبات اللوجستية والتراخيص اللازمة لدخول هذه الطائرات في الخدمة.
وقد أكد وزير الدفاع الدنماركي أن تحالفاً يضم إحدى عشرة دولة سيبدأ في تدريب الطيارين بأوكرانيا، وأن نتائج التدريب ستؤتي ثمارها في أوائل عام 2024، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من الأسئلة حول تأثير هذه الطائرات على مستقبل العمليات العسكرية ومسار الحرب بمجمله، خاصةً مع عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد الأخير نتائجَه المرجوة.
طبيعة القرار
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عمدت الدول الأوروبية إلى استخدام جميع الأدوات التي تمتلكها للضغط على موسكو، ودفعها لإنهاء هذه العملية العسكرية في أقرب وقت ممكن. وقد أظهرت العديد من العواصم الأوروبية تضامنها مع أوكرانيا؛ وذلك عن طريق فرض عقوبات سياسية واقتصادية على موسكو، وحظر جميع التعاملات المالية والتجارية، وإرسال مساعدات عسكرية وإنسانية للمدن الأوكرانية المختلفة.
وبالرغم من ذلك، أشارت التقارير إلى أن أوكرانيا تطالب بطائرات “إف–16” منذ اندلاع الحرب في فبراير من عام 2022، إلا أن الحلفاء في الغرب قد أحجموا عن الموافقة على هذا الطلب؛ خوفاً من تصعيد حدة القتال، وتخوفاً من إقدام كييف على استخدام هذه الطائرات لضرب الداخل الروسي، وهو ما سيضع حلف الناتو والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في مواجهة عسكرية مباشرة غير محمودة العواقب مع موسكو. ولكن في خطوة غير متوقعة، أعلنت واشنطن ودول أوروبية عن خطة جديدة تستهدف نقل تكنولوجيا الطائرات المقاتلة “إف–16” إلى أوكرانيا، وهو ما قد يساهم في إحداث تحولات راديكالية في مسار الحرب. وفي هذا السياق، يمكن تناول أهم أبعاد صفقة المقاتلات “إف–16” لأوكرانيا على النحو التالي:
1– استهداف “كييف” تطوير أسطولها الجوي: يمتلك أسطول القوات الجوية الأوكرانية الحالي طائرات قديمة تعود إلى الحقبة السوفييتية؛ ففي الوقت الذي اندلعت فيه الحرب في فبراير 2022، كانت ترسانة السلاح الجوي الأوكراني تضم نحو 125 طائرة حربية تعود بشكل رئيسي إلى الحقبة السوفييتية؛ حيث كان هناك نحو 50 طائرة من طراز ميكويان ميج 29، و30 طائرة سوخوي سو–25، وعشرات الطائرات من طرازَي سوخوي سو–27 وسوخوي سو–24؛ وذلك بالإضافة إلى بعض طائرات الهليكوبتر، مثل الطائرة السوفييتية التصميم من طراز Mil Mi–8، وهو نموذج دخل الخدمة في أواخر الستينيات.
وعلى مدار الحرب فقدت كييف بعض هذه الطائرات؛ وبحسب بعض التقديرات، في شهر أغسطس الجاري، فقدت القوات الجوية ما لا يقل عن 69 طائرة – بسبب الدفاعات الجوية الأرضية في الغالب – ولكنها تمكنت من الحفاظ على قوتها الإجمالية في خط المواجهة من خلال استعادة هياكل الطائرات القديمة والحصول على من دول الناتو 18 طائرة من طراز سو–25، و27 طائرة من طراز ميج –29.
لذلك من الممكن وصف قدرات سلاح الجو الأوكراني، بأنها محدودة تحتاج إلى التحديث؛ حيث دفع العديد من الطيارين الأوكرانيين بأن القوات الجوية الأوكرانية تواجه إشكاليات حادة في ظل تقادم الطيارات الأوكرانية، وامتلاك روسيا قدرات جوية متطورة في مقابل القدرات الأوكرانية المحدودة. ولعل النموذج الأبرز على ذلك مروحية كاموف كا–52 (Kamov Ka–52) التي تستخدمها روسيا في الحرب؛ حيث تم تصميمها بشكل أساسي للمعارك؛ وذلك فيما تعتمد القوات الأوكرانية على مروحيات (Mil Mi–8) التي تم تصميمها في الأساس لنقل القوات لا للدخول في معارك قتالية.
2– توجه الدول الغربية نحو دعم الترسانة الجوية الأوكرانية: منذ بدء الحرب الأوكرانية عبَّرت الدول الغربية عن حرصها المتواصل على تعزيز القدرات الجوية الأوكرانية؛ لضمان استمرار قدرة كييف على مواجهة الهجمات الروسية. وفي هذا الصدد، جاءت موافقة واشنطن على نقل طائرات مقاتلة من طراز إف–16 أمريكية الصنع إلى أوكرانيا من الدنمارك وهولندا؛ حيث تعهَّدت هولندا بتقديم اثنتي عشرة طائرة حربية إف–16، وتعهدت الدنمارك بثماني طائرات من الطراز نفسه إلى القوات الجوية الأوكرانية. وهكذا ستتحصل القوات الجوية الأوكرانية على دفعة قوية في قدراتها، وهي الدفعة التي قد تُمكِّن بدورها القوات الأوكرانية من مواجهة القوة الروسية الجوية بصورة أفضل.
3– الترحيب الأوكراني بالقرار الأمريكي–الأوروبي: وصف الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” القرار الأمريكي، والاتفاق الذي ضم كلاً من هولندا والدنمارك بـ”الاتفاق الثوري”، كما أكد محورية هذه الطائرات في تحقيق التفوق الجوي على روسيا. بدوره، أشار قائد القوات الجوية الأوكرانية “ميكولا أوليشوك”، إلى أنه قد بدأ العمل بالفعل على تجهيز المدارج التي ستستقبل الطائرات التي تضمَّنها الاتفاق، مع تأكيد أنها ستكون صالحة للاستخدام، ومناسِبة لاستقبال مقاتلات “إف–16” الأمريكية خلال الموعد المحدد لاستقبالها بالبلاد. الجدير بالذكر أن هذه المَدارج قد تم العمل عليها في وقت سابق، استعداداً لاستقبال طائرات مقاتلة أخرى قد تعهدت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا والسويد بتقديمها إلى كييف في وقت سابق من هذا العام.
4– استياء موسكو من القرار الغربي: أكد وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، في تصريح سابق له في يوليو 2023، أن موسكو ستعتبر إرسال مقاتلات “إف–16” إلى أوكرانيا “تهديداً نووياً”. وقد صرَّح أيضاً المندوب الدائم لروسيا الاتحادية لدى الناتو سابقاً “ألكسندر جروشكوا”، بأن تزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات يعني أن الدول الغربية لا تزال متمسكة بسيناريو التصعيد، الذي ينطوي على أخطار هائلة، وأكد أن موسكو تحتفظ بحقها في الرد في جميع الأحوال، باستخدام مختلف الأدوات لتحقيق أهدافها المحددة مسبقاً. وبدوره ندد السفير الروسي في الدنمارك “فلاديمير باربين” بقرار كوبنهاجن تزويد أوكرانيا بطائرات عسكرية من طراز “إف 16″، مؤكداً احتمالية تصعيد هذه الخطوة من حدة الصراع على الأرض.
5– تزايد الصعوبات أمام الهجوم الأوكراني المضاد: على مدار الشهور الماضية، روَّجت أوكرانيا والدول الغربية للهجوم الأوكراني المضاد على روسيا الذي استهدف في المقام الأول استعادة الأراضي التي سيطرت عليها موسكو، ولكن مع ذلك فإن هذه الهجوم بدا أنه لم يحقق الكثير مما كان يستهدفه، لا سيما مع الخطوات الدفاعية الاستباقية التي اتخذتها روسيا، ومكَّنت موسكو من استنزاف القدرات العسكرية الأوكرانية؛ فعلى سبيل المثال، أكدت روسيا، على مدار الشهور الأخيرة، تدميرها الكثير من المعدات العسكرية الأوكرانية؛ فقد صرح الرئيس الروسي “بوتين”، مثلاً، في 13 يونيو 2023، بأن أوكرانيا تكبَّدت خسائر هائلة في هجومها المضاد على المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا، وذكر أن “خسائر الجانب الأوكراني تُقدَّر بـ160 دبابة، و360 مدرعة، وهو ما يعادل نحو 25% أو 30% من المعدات التي تسلمتها أوكرانيا من الخارج؛ وذلك في الوقت الذي وصلت فيه خسائر روسيا إلى 54 دبابة يمكن إصلاح بعضها ومعاودة تشغيلها”. وفي سياق كهذا، ربما يكون القرار الغربي بدعم كييف بطائرات إف–16 محاوَلةً من الدول الغربية لدعم كييف والتعافي من الإخفاق أو النجاح المطلوب الذي جرى خلال الهجوم الأوكراني المضاد.
مسار الحرب
تمتلك روسيا تفوقاً جوياً نوعياً ملحوظاً على القوات الأوكرانية في ميدان المعركة حالياً، وهو الأمر الذي تسبب في مقتل العديد من الجنود الأوكرانيين؛ حيث تعاني أوكرانيا من نقص في الطائرات الحديثة والفعالة حسبما أُشِير إلى ذلك سابقاً. ومن المتوقع أن تتأثر هذه المعادلة بصورة أو بأخرى، عقب حصول القوات الأوكرانية على طائرات “إف–16″؛ حيث تمتلك هذه الفئة من الطائرات قدرات قتالية وهجومية هائلة، خاصةً في مناطق الاشتباك الواسعة والعميقة. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن تأثير قرار تزويد أوكرانيا بطائرات “إف–16” على مسار الحرب، يرتبط بعدد من العوامل والمحددات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:
1– قدرة أوكرانيا على الاستخدام الفعال للمقاتلات: يبدو أن كييف تراهن بصورة كبيرة على مقاتلات “إف–16″؛ إذ أكد “زيلينسكي” أن طائرات “إف–16” ستمنح قواته القدرة على تحقيق التفوق الجوي على روسيا؛ ما يساعد في زيادة فاعلية خطة الدفاع ضد الطائرات والصواريخ والطائرات بدون طيار الروسية، وهو ما سيمنح القوات الأوكرانية الفرصة لإنهاء الغزو الروسي. أشار الرئيس الأوكراني أيضاً في تصريحاته إلى أن هذه الطائرات ستُستخدم داخل حدود أوكرانيا فقط، ولن تُستخدَم ضد أهداف روسية خارجية.
وفي هذا السياق، قد تتمكن أوكرانيا بعد الحصول على هذه المقاتلات من اعتراض بعض الطائرات الروسية التي تُطلِق صواريخ من مسافة بعيدة وتستهدف المدنيين والبنى التحية في المدن الأوكرانية. ومع امتلاك القوات الأوكرانية هذه الطائرات بجانب دبابات “أبرامز” التي من المرجح أن تصل إلى كييف في سبتمبر المقبل، فإن أوكرانيا ستتمكن من بناء دفاع حصين، مع بناء خطوط قتالية قوية على مستوى الجو والبحر، وهو ما سيُسهِّل على القوات الأوكرانية اختراق الدفاعات الروسية على طول الخطوط الأمامية الممتدة لمئات الأميال؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إن واشنطن تسعى إلى تسليم الدبابات في أسرع وقت؛ لضمان بناء نظام دفاعي أوكراني حاسم على المدى الطويل.
2– التأثير المتوقع للترتيبات اللوجستية لصفقة “إف–16”: عقب تقديم كييف التعهدات والضمانات اللازمة بعدم إقدامها على استخدام هذه الطائرات في الداخل الروسي، بجانب عدم تمكن القوات الروسية من حسم ميدان المعركة بالاعتماد على السلاح البري؛ وافقت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على تقديم هذه الطائرات المقاتلة إلى السلطات الأوكرانية، بيد أن من المتوقع ألَّا تتمكن السلطات الأوكرانية من استخدام هذه الطائرات في ميدان المعركة إلا في النصف الثاني من عام 2024.
وقد بررت الولايات المتحدة وشركاؤها تأخير تسليم الطائرات إلى السلطات الأوكرانية، بإرجاع الأمر إلى الترتيبات اللوجستية؛ حيث يحتاج الطيارون الأوكرانيون إلى فترة من الوقت حتى يتمكنوا من التدرب على استخدام الطائرات؛ هذا بالإضافة إلى الترتيبات المرتبطة بعمليات الصيانة والمراجعة، وحاجة الدول المُقدِّمة لهذه الطائرات إلى حسم هذه الأمور قبل تقديم الطائرات إلى الجيش الأوكراني؛ فمن غير الممكن لعناصرها العسكرية الوجود على الأراضي الأوكرانية، والتدخل في حالة الحاجة إلى صيانة هذه الطائرات، منعاً للانخراط في أي مواجهة مباشرة مع موسكو.
ومع ذلك، فإن بعض المتخصصين العسكريين، يرون أن السبب الرئيسي وراء تأخير الولايات المتحدة وحلفائها إتمام هذه الصفقة، يكمن بصورة أساسية في استمرار وجود تخوفات لدى القوى الغربية من تورط الناتو في الحرب بصورة مباشرة، خصوصاً أن روسيا قد هددت مراراً بأنه في حالة تقديم حلف الناتو أي سلاح متطور أو مقاتلات متقدمة إلى القوات الأوكرانية، فإن موسكو ستتعامل مع هذا الأمر باعتباره إعلان حرب مباشرة من الحلف ضد قواتها، وستتخذ ما هو لازم للتعاطي مع هذا التطور الخطير.
3– حدود الرد الروسي على صفقة “إف–16”: تعتبر روسيا تزويد أوكرانيا بطائرات F–16 تحدياً لها وتهديداً لأمنها، وقد تلجأ إلى خطوات مضادة، مثل زيادة التدخل العسكري في شرق أوكرانيا، أو تزويد المتمردين والانفصالين الأوكرانيين في الشرق بأسلحة أكثر تطوراً، وصولاً إلى استهداف أهداف عسكرية أوروبية وأمريكية؛ هذا بجانب اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول المتورطة في هذه الصفقة – على حد توصيف موسكو للقرار الأوروبي والأمريكي – وذلك على غرار فرض عقوبات اقتصادية أو قطع العلاقات الدبلوماسية.
4– استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا: يُنذِر استمرار الحرب الروسية الأوكرانية على هذا النحو، بتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحمُّل خزائن الدول المزيد من الخسائر، وهو الأمر الذي ترفض الكثير من الدول الإذعان له. ومع ذلك، من المرجح أن يدفع قرار تقديم مقاتلات “إف–16” لكييف إلى تشجيع لمزيد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية على تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، خاصةً إذا ما ساهمت هذه الطائرات في تعظيم المكاسب العسكرية الأوكرانية على الأرض، وعجَّلت بحسم المعركة لصالح كييف.
وقد أكد الرئيس الأوكراني هذه النقطة من خلال وصفه الصفقة بأنها بمنزلة الدافع الذي سيُشجع دولاً أخرى على التخلي عن سياستها الحذرة والمترددة، بما يعجل النصر الأوكراني. وتعد ألمانيا من أبرز الدول المرشحة لتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا؛ وذلك على الرغم من ترددها ورفضها في بداية الحرب الإقدام على مثل هذه الخطوة؛ فقد صرح وزير المالية الألماني “كريستيان ليندر” بأن من المتوقع أن تقدم بلاده دعماً سنوياً لأوكرانيا في صورة مساعدات مالية نحو خمسة مليارات يورو؛ أي نحو 5.5 مليار دولار سنوياً، كما أعلنت برلين في مايو 2023 عن تقديم مساعدات عسكرية للجيش الأوكراني بقيمة 2.94 مليار دولار في صورة دبابات وطائرات مسيرة.
5– مدى التزام كييف بتعهداتها بعدم استهداف موسكو: ربطت الدول الغربية موافقتها على تزويد أوكرانيا بمقاتلات “إف–16” بتقديم كييف تعهدات بعدم إقدامها على استخدام هذه الطائرات في الداخل الروسي. ومع ذلك، فإن مدى التزام كييف بهذا الأمر في المستقبل ربما يكون موضع شكوك، وخاصةً إذا وجدت الدول الغربية أن أوكرانيا لم تحقق ما كانت تصبو إليه من الحصول على “إف–16″، كما أن الدول الغربية كانت في بداية الأمر تضع مساحات محظورة في دعمها العسكري لأوكرانيا، بيد أن هذه المساحات بدأت تتراجع بمرور الوقت في ظل التطورات الميدانية في الحرب. وعطفاً على هذا، فإن تحلل أوكرانيا من تعهداتها بعدم استهداف روسيا، سيعني دخول الحرب مرحلة جديدة أكثر تعقيداً؛ لأنها حينها سيكون من الصعب توقُّع رد الفعل الروسي.
6– إمكانية لجوء روسيا إلى حلفائها: ليس من قبيل المبالغة القول بأن حلفاء موسكو، وخاصةً إيران والصين وبيلاروسيا، يراقبون الآن الوضع الميداني في أوكرانيا، ويترقبون ما يمكن أن تؤدي إليه صفقة “إف –16” وانعكاساتها على مسار الحرب؛ إذ ليس من مصلحة هذه الدول أن تنقلب معادلات الحرب لصالح أوكرانيا. ومن ثم قد تلجأ روسيا إلى هؤلاء الحلفاء للحصول على بعض الدعم العسكري والتسليحي لمواجهة أي تداعيات محتملة لحصول كييف على مقاتلات “إف–16”.
7– فرص تفعيل مبادرات السلام: لا يمكن إغفال أن مسار الحرب بعد صفقة مقاتلات “إف–16” سيكون مرتبطاً بالسياق الدولي القائم، وفرص طرح مبادرات جادة لتسوية الحرب. وفي هذا الصدد، يُرجِّح بعض الخبراء أن تؤثر صفقة “إف–16” بالسلب على مسار التسوية السليمة بين الطرفين، كما يُتوقَّع أن تؤدي في النهاية إلى فشل جميع جهود ومسارات التفاوض بين الطرفين التي تقودها عدد من القوى الدولية والإقليمية؛ فتشكُّل تحالف دولي لدعم أوكرانيا عسكرياً، بدلاً من التوسط لإيجاد حل سلمي بشكل عادل ومتوازن بين الطرفين، سيُساهم بدرجة كبيرة في تصعيد الموقف بين الطرفين وزعزعة الثقة، وهو ما سيصعب إمكانية إقناع الطرفين باللجوء إلى طاولة المفاوضات باعتبارها خياراً مناسباً لحل النزاع.
خلاصة القول: تؤكد صفقة “إف–16” لأوكرانيا استعداد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتصعيد الموقف مع روسيا، والمخاطرة بالدخول في مواجهة مباشرة ضد موسكو؛ وذلك في سبيل منع روسيا من تحقيق نصر كلي وشامل على كييف. وبالرغم من مساعي وطموحات هذه الدول لحسم وإنهاء الحرب قبل أن تدخل عامها الثاني، فإن المعطيات على الأرض تُرجِّح استمرار الحرب وعدم التوصل إلى حل نهائي لحسم الصراع فيما بين الطرفَين، حتى نهاية العام الحالي على الأقل.