- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
معن بشور يكتب :عروبة رسول الجشي هوية جامعة لا تعرف الإقصاء والإلغاء
معن بشور يكتب :عروبة رسول الجشي هوية جامعة لا تعرف الإقصاء والإلغاء
- 26 نوفمبر 2024, 3:22:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان اسم رسول الجشي يتردد أمامنا كطلاب في الجامعة الأمريكية في بيروت في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، كواحد من أبرز الرموز الوطنية والقومية والديمقراطية البحرينية والخليجية والعربية جنباً إلى جنب مع كوكبة من كبار الشخصيات القومية البارزة آنذاك في البحرين والكويت والإمارات وقطر وعمان وبالإضافة إلى كبار المناضلين في بلاد الحرمين.
ومرّت الأيام لألتقي بأبي غسان في الندوات الفكرية القومية الهامة التي كان يدعو إليها الراحل الكبير الدكتور خير الدين حسيب مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية على مدى أربعين عاماً، في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان رسول الجشي أحد أبرز المشاركين في تلك الندوات تعبيراً عن إيمانه بوحدة الأمّة وبمشروع نهضتها.
هذه المشاركة المتميّزة لرسول الجشي، وهذا الإيمان العميق دفع القيميين على إطلاق فكرة المؤتمر القومي العربي إلى دعوته للمشاركة في تأسيس المؤتمر في ربيع عام 1990 في تونس، كواحد من أبرز الشخصيات الخليجية القومية جنباً إلى جنب مع الراحلين جاسم القطامي، وأحمد الربعي، وعبد الله النيباري، بالإضافة إلى شخصيات مميّزة كالشاعرة سعاد الصباح، ود. عبد الخالق عبد الله، لكن أبو غسان تميّز كالمرحوم جاسم القطامي بالاستمرار في مواكبة تلك التجربة الوحدوية المستقلة عن النظام الرسمي العربي، والمميّزة في مبدئيتها واستمراريتها، رغم ما عاشته الأمّة عند بداية التسعينيات حتى الآن من زلازل وعواصف وتحولات ضخمة، كان الجشي فيها رمزاً للإيمان دون تعصب، وللإلتزام القومي دون انغلاق، وللصلابة المبدئية دون تزمت..
كان رسول الجشي يدرك أن طريق وحدة الأمّة ونهضتها لا يستقيم إذا لم تتحول الوحدة من هدف سامٍ إلى ثقافة وسلوك وإداء إيجابي في العلاقات بين أبناء الأمّة، وإلاّ إذا كانت النهضة مشروعاً حضارياً تحمله القوى الحيّة في الأمّة في إطار كتلة تاريخية تمتد من المحيط إلى الخليج.
وفي كل دورات المؤتمر القومي العربي التي حضرناها معاً حتى عام 2017، حين منعه المرض عن الحضور، وفي كافة دورات المؤتمر القومي – الإسلامي، ومؤسسة القدس الدولية، والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، كان رسول الجشي حريصاً أن يبقى جسراً بين أصحاب وجهات النظر المتباينة، ونصيراً لكل مبادرة تهدف إلى وحدة العمل من أجل قضايا الأمّة، وفي مقدمتها قضية فلسطين التي كانت تمثل بالنسبة إليه، كما إلى كل بحريني وطني ومؤمن، وكل عربي صادق وحر، القضية المركزية، "من اقترب منها اعتز ومن ابتعد عنها اهتز"..
ويوم انعقد المؤتمر القومي العربي عام 2002 في المنامة، لا أنسى كيف نجح أبو غسان بالتعاون مع رفيق دربه النضالي الراحل العزيز عبد الرحمن النعيمي (أبو أمل) ورفاقه في جمعية العمل الوطني الديمقراطي في البحرين (وعد)، في توفير أفضل الأجواء لإنجاح ذلك المؤتمر الذي انعقد في أجواء "انتفاضة الأقصى" في فلسطين، وتحضيرات واشنطن لشن حربها على العراق كمقدمة لحروب وفتن ما زلنا نعيش آثارها حتى الآن.
كان أبو غسان صادقاً مخلصاً يتميّز بهدوء لا يملكه إلاّ من وثقوا بأنفسهم وبقناعاتهم، وكان يتميّز بسمو أخلاق كبير جعله محط احترام وتقدير كل عارفيه، وبروح العطاء القومي على كل المستويات يعبّر عن شخصيته التي كانت تدرك أن العطاء هو الطريق لراحة النفس في الدنيا والآخرة.
وحين شارك أبو غسان مع ثلّة من إخوانه العروبيين النهضويين في البحرين في تأسيس نادي العروبة والتجمع القومي الديمقراطي، كان يحمل إلى أهله في الخليج رسالة العروبة والديمقراطية مجتمعين، مدركاً أن العروبة كهوية جامعة لكل مكونات الأمّة لا تستطيع أن تعبّر عن نفسها بصدق إلاّ في إطار ديمقراطي لا إقصاء فيه ولا إلغاء ولا استبعاد ولا استبداد.
كانت مهنة أبي غسان كصيدلي تفسر قدرته على مزج خلطات من الأفكار والأهداف كدواء لشفاء الأمّة من أمراضها.
واليوم من تابع وقائع تشييع رسول الجشي في المنامة الذي شاركت فيه كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في البحرين، يدرك كم كان فقيدنا الكبير مجسداً في حياته العملية كصيدلي، وحياته الوطنية كمناضل وسياسي وبرلماني، روح الوحدة التي ما حافظ عليها شعب إلاّ وانتصر، وما خسرها شعب إلاّ وانكسر..
فإلى رحاب الله يا أبا غسان.