- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
معصوم مرزوق يكتب : في حضرة جثمان الزعيم !
معصوم مرزوق يكتب : في حضرة جثمان الزعيم !
- 13 يناير 2022, 6:51:23 م
- 926
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في المبني الضخم الذي يضم مقبرة الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونج ، طلب المرافق ان نحني الراس ثلاث مرات احتراماً وتوقيراً للرفيق الذي يرقد في صندوق زجاجي ، وقد حافظوا علي ملامح وجه الجثمان وكانه يرقد في هدوء ! ..
قلت لصديقي هامساً : " هكذا تخلق الشعوب آلهتها ! " ..
لو ان معجزة ما اعادت الحياة مرة اخري لذلك الجثمان المسجي أمامنا ، وخرج من بوابة ذلك المبني الضخم الي ميدان القبة السماوية الشهير متوجها الي " المدينة المحرمة " ، فلابد انه لن يتعرف علي ما يراه .. انها " صين " اخري غير تلك التي تركها !! .
المدينة بكين العاصمة ، لا تختلف كثيراً عن اي مدينة أوروبية او أمريكية معاصرة .. عمارات شاهقة ، شوارع كبيرة نظيفة ، مرور منساب بسلاسة ونظام ، جسور ممتدة في كل اتجاه ..الخ .. انت لست بالضبط في بكين التي دخلها الرفيق / ماو علي راس جيش من الفلاحين ، او التي غادرها تمتلئ شوارعها بالدراجات .
في المنزل الذي ولد فيه الزعيم الصيني " ماو تسي تونج " ، تأملت طويلاً في حجرة نومه البسيطة ، ففي هذا المكان كانت البدايات الأولي لشخصية تركت بصماتها علي التاريخ البشري ، وخاصة في الصين ..
لاحظ المرافق الصيني ذلك ، فقال لي وكأنه يكمل سلسلة أفكاري : " لقد كان ماو يسبح في النهر الذي هناك يومياً ويقطعه ذهاباً وأياباً كي يذهب إلي مدرسته " .. إن شيئاً لا يمكن أن يعوق إنساناً من تحقيق أهدافه إذا توفرت لديه الإرادة ، وذلك درس صيني مؤكد ...
تحدث أحد المسئولين الصينيين بإسهاب عن المسار الذي اتخذته الصين من أجل إصلاح النظام السياسي والإداري ، وتناول العناصر الرئيسية لذلك الإصلاح مؤكداً في كل لحظة علي الخصائص المتفردة لذلك الإصلاح الذي بدأ منذ حوالي 30 عاماً من خلال خطط خمسية متتالية ، ولكن ذلك المسئول وغيره ركزوا علي نتائج واستخلاصات المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني .
لقد شرح ذلك المسئول أن أهم التحديات التي تواجه الإقتصاد الصيني حالياً هي بطء الإنتعاش الإقتصادي العالمي ، وبطء النمو في الطلب المحلي والإعتماد المفرط فيه علي الإستثمار ، وكذلك التحرك البطئ في إعادة تشكيل الهياكل والأنماط الإدارية لمواكبة التغيرات الحادة التي تمر بها الصين ، حيث شهدت تحولات جذرية أنتقلت خلالها من كونها مجتمع زراعي في الإساس إلي مجتمع صناعي ، بل وتحولت المناطق الريفية إلي مناطق حضرية ، بكل ما يحمله ذلك من تعقيدات وتحديات إقتصادية وإجتماعية وثقافية .
وفي لقاء مع أحد كبار خبراء الإدارة في الصين ، تحدث عن أهم المشاكل التي تواجه الإصلاح حالياً ، مركزاً علي نمو حالات تجاوز الصلاحيات ، وتداخل تلك الصلاحيات مع المسئوليات ، وأحياناً بشكل يؤدي إلي انقطاع الصلة ما بين الصلاحيات والمسئوليات ، فتعدد الإختصاصات يعني في الغالب انعدام المسئولية، ويترتب علي ذلك ظاهرة آخذة في التنامي وهي " التحلل من المسئولية " ، وغمز المسئول الصيني عينه وقال ضاحكاً : " وهذه – أي التحلل – ليست صفة صينية " ! ..
يمكن القول بأن التجربة الصينية الجديدة تتمثل في الإصلاح التدريجي الذي يسعي دائماً إلي ممارسة التجارب والتأكد من نتائجها قبل تعميمها والشروع في تنفيذها ، وهو إصلاح يجمع ما بين إتجاهين أحدهما من أعلي إلي أسفل يتعلق أساساً بالتصميم وبلورة الأفكار ، والآخر من أسفل إلي أعلي يتعلق بالإكتشاف والمبادرة والإبتكار والتجريب ، وكما اتضح من المناقشات مع المسئولين الصينيين ، فأن الخصائص الصينية تنطلق أساساً من ظروف الصين الواقعية لكنها لا تهمل في نفس الوقت التجارب الدولية ، ومن خلال هذه الضفيرة تجدل الصين ما تتمني أن يكون إصلاحاً متناغماً في كافة المجالات بحيث تهدف دائماً أن تكون كل خطوة إلي الامام محققة لمصالح جموع الشعب الصيني .
رداً علي سؤالي ، أجابت مسئولة صينية كبيرة بأن مصدر اتخاذ القرار الإقتصادي في الصين أصبح يأتي من إتجاهين ، أحدهما الإتجاه الحكومي ، والآخر هو أتجاه السوق ، قلت لها محاولاً تقمص إحدي لحظات " الينبغيات العربية " : " ألا يعني ذلك أنكم تحاولون ترويض حصانين جامحين كل منهما يجري في أتجاه عكس الآخر " .. أحنت السيدة رأسها لبرهة ، ثم قالت حائرة : " تلك هي المعضلة الصينية !! " ..
غادرت اللقاء بعد مناقشة طويلة لكنني كنت أفكر في " المعضلة " .. لماذا يصر الرفاق في الصين علي أن يكون إسم التجربة " إشتراكية " ذات خصائص صينية ، لماذا لا تكون " رأسمالية " ذات خصائص صينية ؟ .. وذلك علي أي حال حديث آخر ...
كانت الابتسامة العريضة ترتسم علي ملامح الرفيق / وانج مان تشاو امين عام مركز بحوث إصلاح النظام السياسي والاداري الصيني ، وهو يفتتح محاضرته الشيقة ، ويجب ان نلاحظ منذ البداية ان الابتسامة تعد بمثابة علامة تجارية صينية يتم تسويقها مع بضاعتهم السياسية ، ومع ذلك تمطع رفيق عربي كي يتساءل مستنكراً عن كيفية تطور الصين من دولة متخلفة الي دولة متقدمة دون المرور بمرحلة الاشتراكية ووفقاً للمراحل التي تحدث عنها المغفور له " كارل ماركس " ، فأحني الرفيق الخبير الصيني راسه مفكرا ، ثم رفع راسه اخيراً كي يقول متبسماً وباقتضاب :" نحن لا نهتم كثيراً بالجوانب النظرية لأننا نعيش في بيئة موضوعية ويجب ان نعزز أوضاعنا الداخلية حتي نستطيع مواجهة الإخطار الخارجية " .
ولكن الرفيق العربي كان لا يزال غاضباً ، مندهشاً ، متاثراً ، فقال معلقاً :" يا رفيق .. اكو خلل في آليات السوق " ، ويبدو ان المترجم لم يفهم المقصود وساد الارتباك اللغوي بعض الوقت حتي قطع الخبير الصيني قول كل خطيب مبتسماً في هدوء وهو يقول :" اليات السوق لم يكن لها دور في المشكلة الاقتصادية عام ٢٠٠٨ " .
تاملت طويلاً في وجه الرفيق " ماو ' خلف الزجاج السميك ، حاولت ان أتخيل ما كان يمكن ان يعلق به علي " ينبغيات " بعض الرفاق العرب ، تصورته يبتسم ساخراً وهو يقول انه مسئول عن حياة شعب تعداده مليار وأربعمائة مليون نسمة ، وهي مسئولية تتكسر أمامها كل " الينبغيات" ..
اما كيف ذلك ، فهذا حديث اخر ، ربما عشت لأكتبه ...
كلمات دليلية
التعليقات (0)
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
أربعاء, 25 ديسمبر 2024
إصابة قائد عسكري إسرائيلي في طولكرم ثلاثاء, 24 ديسمبر 2024
إيران تندد باعتراف إسرائيل "الوقح" باغتيال هنية ثلاثاء, 24 ديسمبر 2024
شهيد ومصابون في مخيم النصيرات الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام اثنين, 21 يونيو 2021
كيف تحول نشطاء وسياسو الربيع العربي إلى موظفين بإسطنبول سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج وطن عربي
اثنين, 23 ديسمبر 2024
بعد لقائه بـ"الشرع".. وزير خارجية الأردن: إدارة سوريا الجديدة يجب أن تأخذ فرصتها جمعة, 20 ديسمبر 2024
وزير التربية السوري: سنمحو إشارات حزب البعث من المناهج التعليمية جمعة, 20 ديسمبر 2024
مطار دمشق الدولي يحتاج 100 مليون دولار للإصلاح والتطوير