- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
د.محمد سيف الدولة : الردع المصرى لإثيوبيا إلى يوم الدين
د.محمد سيف الدولة : الردع المصرى لإثيوبيا إلى يوم الدين
- 2 يونيو 2021, 6:30:08 م
- 862
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ملزم أو غير ملزم:
حتى لو تمكنت مصر من التوصل لاتفاق ملزم مع اثيوبيا حول قواعد ملء السد، فان هذا لا يكفى ولا حتى يقترب من بديهيات واساسيات الامن القومى المائى لنا.
اكتب هذا التحذير بعد ان استمعت الى تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبى الاخيرة حول نيته بناء مائة سد على نهر النيل، وما سبقها من سيل مماثل من التصريحات والمواقف.
فمن الواضح ان اثيوبيا تبطن وتسعى بكل طاقتها لسن قاعدة جديدة تسقط حقوقنا الثابتة فى مياه النهر منذ بدء الخليقة؛ قاعدة تنطلق من انها صاحبة النهر ومالكته، وان من عداها لا يملكون فيه اى حقوق الا ما تجود به وتوافق عليه.
وبالتالى اذا سمحنا لها بسن هذه القاعدة او بتمريرها او حتى اذا التزمنا الصمت تجاهها، ولم نقم بردعها فورا وبالقوة الكافية، فستتكرر التهديدات بين الفينة والاخرى، وتصبح رقابنا رهينة للسيف الاثيوبى الى أبد الآبدين.
ذلك لأننا حتى لو وقعنا معها اتفاقا ملزما، فمن الذى سيلزمها بالالتزام به اليوم وغدا وبعد غد؟
ان الاعتماد والرهان على القانون والمواثيق والمؤسسات والضغوط والتحالفات الدولية، لاجبار اثيوبيا على توقيع اتفاق بهذا المعنى ثم بالالتزام به بعد ذلك، سيجعل مصدر حماية وجودنا يستمد من خارجنا وبعيدا عن ايدينا ومستقلا عن ارادتنا جيلا بعد جيل.
وحتى لو قامت الولايات المتحدة الراعية الرئيسية للنظام فى مصر ١٩٧٤ - ٢٠٢١ بدعمنا لنيل حقوقنا فى ملف السد، فاننا سنكون رهن الارادة الامريكية بدلا من الارادة الاثيوبية، مما سيكلفنا اثمانا باهظة اضافية فوق ما ندفعه من اثمان بالفعل على امتداد اكثر من اربعين عاما.
عدم تكرار خطيئة كامب ديفيد:
إن سند ومصدر الشرعية لحقوقنا التاريخية فى مياه النيل هو عشرات الالاف من السنين، فكيف نقبل استبداله بأى اتفاق ملزم او غير ملزم مع دول المنبع؟!
دعونا لا نكرر الخطأ القاتل الذى حدث فى اتفاقيات كامب ديفيد، والذى لا يزال يطاردنا حتى اليوم، حين تحول مصدر الشرعية لسيادتنا على سيناء من الاختصاص والملكية الوطنية عبر التاريخ، الى شرط الالتزام ببنود المعاهدة، وذلك حين قبلنا ان تعود لنا ارضنا المحتلة "مقابل وبشرط" توقيع اتفاقية سلام وتطبيع مع العدو، فاذا قمنا بالغائها او الخروج منها، فانه بموجب المعاهدة يحق (لاسرائيل) اعادة احتلالها بدعم من الولايات المتحدة، وفقا لنصوص صريحة واردة فى مذكرة التهديد الامريكى المرسلة الى مصر فى 25 مارس 1979، والمشهورة باسم "مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية." (وهى كلها بالطبع معاهدات ونصوص باطلة قد تلزم الحكومات ولكنها لا تلزم الشعوب فى شئ.)
الردع الأبدى:
إن الحل الوحيد والواجب هو ان على اثيوبيا والعالم اجمع ان يدركوا بوضوح ان مصر وحدها واكرر وحدها وفوق الجميع ورغما عن انوفهم وبعيدا عن ارادة اى دولة اخرى وبصرف النظر عن اى مواثيق او اتفاقيات او مؤسسات او موازين قوى دولية، لن تسمح بالاقتراب من نقطة مياه واحدة.
إن على الدولة المصرية فى مسالة نهر النيل ان تسلك سلوك الدول الكبرى حين تتهدد مصالحها الاستراتيجية وامنها القومى، ليس على مستوى الافريقي فحسب بل امام كل دول العالم بدون استثناء. وتواجه التهديدات الاثيوبية بذات الطريقة التى تعامل بها العالم مع الخطر النازى، أو التى تعاملت بها الولايات المتحدة مع ضرب البرجين فى 11 سبتمبر 2001 وهكذا.
وهو ما يتطلب توجيه حزمة من الضربات ــ وليس ضربة واحدة ــ الرادعة والقاسية والقاصمة ليس فقط للسد وانما للنظام الحاكم فى اثيوبيا، ضربات تقضى على الاخضر واليابس لهذا النظام ولا اقول للشعب الاثيوبى الشقيق.
ضربات تظل محفورة فى ذاكرة الاجيال الاثيوبية الحاكمة لعشرات ومئات القرون القادمة، حتى لا يجرؤ أى منها اليوم او فى المستقبل القريب او البعيد على طرحها او الاقتراب منها او مجرد التفكير فيها مرة أخرى.
ضربة يكون مفعولها قريبا، مع الفارق، لضرب اليابان والمانيا فى الحرب العالمية الثانية التى ادت الى اخراجهما من مركز العالم وقيادته وتهميشهم وطردهم الى الصفوف الخلفية بعد الخمس الكبار حتى يومنا هذا.
او شبيهة بما حدث لاسبانيا بعد تدمير بريطانيا للاسطول الاسبانى الشهير (الارمادا) عام 1588م وهى المعركة التى قضت على مكانة اسبانيا العالمية بعد أن كانت سيدة البحار والمحيطات قبل ذلك، وهى المكانة التى لم تستطع ان تستردها حتى يومنا هذا.
او ضربة مثل الضربة التى وجهها العدو الصهيونى المسمى بـ (اسرائيل) بتوجيه ودعم كامل من الامبرياليتين البريطانية ثم الامريكية، الى الدول العربية مجتمعة عامى 1948 و 1967، والتى استمرت آثارها الاستراتيجية حتى اليوم، فاصبح (للاسف العميق) من ثوابت السياسات الخارجية والامنية لكل الدول العربية، عدم التحرش باسرائيل او التورط فى قتالها دفاعا عن فلسطين او اى قطر شقيق آخر، وانه طالما لم تتعرض اراضى اى دولة عربية للعدوان المباشر، فانها تسعى الى اتقاء شر (اسرائيل) او ربما السلام معها والتقرب منها. (مع الاعتذار على ضرب المثال بهذا الكيان الاستيطانى الارهابى الشرير المدعوم استعماريا، ومع اليقين بان المواجهة العربية الشاملة قادمة ان عاجلا أو آجلا، ولكنى اردت التركيز عن كيفية ادارة الصراعات والمعارك ذات الطبيعية الوجودية، فى عالم اليوم.)
او حرب فيتنام التى وجهت لطمة قاسية للامريكان، واجبرتهم على التفكير ألف مرة قبل التورط فى اى حروب عسكرية خارجية، ولينتهجوا بعد ذلك استراتيجية الحروب بالوكالة، فيما عدا افغانستان والعراق.
ان القضايا والمخاطر التى تمس الوجود، تحتاج وتحتم مواجهات وحلولا تمتد آثارها ونتائجها لمئات والاف السنين.
أو كما يقول المثل الشعبى المصرى (اقطع عرق وسيح دمه)