- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
لماذا تعاني الاستراتيجية النووية الأمريكية من القصور؟
لماذا تعاني الاستراتيجية النووية الأمريكية من القصور؟
- 1 يوليو 2022, 5:53:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على الرغم من التراجع النسبي لأهمية الردع النووي خلال العقود الماضية، وخاصةً بعد انتهاء الحرب الباردة، وتلاشي الخوف من حرب كبيرة في أوروبا تتصاعد إلى صراع نووي، وانشغال الولايات المتحدة بتعزيز نفوذها في النظام الدولي؛ فإن تصاعد حدة منافسات القوى العظمى في الفترة الأخيرة، أدَّى إلى تسليط الضوء بقوة على الاستراتيجيات النووية بوصفها نوعاً من أنواع التحوط ضد عدم اليقين في المستقبل القريب؛ لذلك تعددت الدعوات الموجهة إلى إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لمراجعة استراتيجية الردع النووي للبلاد؛ للوقوف على المشكلات وأوجه القصور الاستراتيجية والسياسية، خاصةً في ظل وجود قوتين نوويتين مناظرتين، هما: روسيا والصين اللتان تشكلان تهديداً مشتركاً وجدياً للبلاد.
أبعاد جوهرية
تستند الاستراتيجية النووية الأمريكية إلى خيارات مرنة ومتدرجة للقوة المضادة؛ حيث أنشئت الترسانة النووية الأمريكية في الوقت الذي تعاملت فيه الولايات المتحدة مع سلسلة من أزمات ما بعد الحرب الباردة؛ من حصار برلين إلى الحرب الكورية. وبحلول عام 1950، تجلَّى تفوق الولايات المتحدة وحلفائها عدداً وتسلحاً، وبدا أن الأسلحة النووية والتهديد باستخدامها هو الملاذ الغربي الوحيد. وفي هذا الإطار، تشير الاستراتيجية النووية الأمريكية إلى ثلاثة أبعاد جوهرية:
1– منظومة التسلح المتعددة: تنقسم أنظمة الإطلاق الاستراتيجية الأمريكية إلى ما يُعرَف بـالـ”ثالوث نووي” الذي يتكون من قاذفات بعيدة المدى، وصواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBM)، وصواريخ باليستية تُطلَق من الغواصات (SLBMs). يُوفر هذا التقسيم لأنظمة الإيصال أساس الردع من خلال تأكيد أن كل جانب لديه قدرة الضربة الثانية في حالة الهجوم عليه. ووفقاً لإحصائيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الولايات المتحدة تمتلك 5428 رأساً نووياً في عام 2022، مقارنةً بـ5550 في عام 2021.
كما تُشكل مجموعة من المنصات والأسلحة تشمل أكثر من 2000 رأس نووي بري وبحري وقنابل في مئات من أنظمة الإطلاق العتيقة، مع القوات المخصصة جنباً إلى جنب؛ منظومة التسلح الأمريكي، وهي بمنزلة العمود الفقري للأمن القومي الأمريكي. كذلك صُممت غواصات الصواريخ الباليستية، التي يشار إليها غالباً باسم “بومرز”، خصيصاً لدوريات الردع الممتدة، ولتقليل الوقت المطلوب للتجديد والصيانة. وتعمل تلك الغواصات منصة إطلاق صواريخ غير قابلة للكشف، وهي مصممة خصيصاً للتسلل وتوصيل الرؤوس الحربية النووية بدقة.
كذلك يتكون أسطول القاذفات في البلاد من 46 طائرة B–52H Stratofortress قادرة على حمل أسلحة نووية، و20 طائرة B–2A Spirit، وهو الأكثر مرونةً في الثالوث، ويقدر على توفير قوة نيران هائلة في وقت قصير في أي مكان في العالم، فيما يستخدم نظام Minuteman صاروخاً باليستياً عابراً للقارات؛ حيث يتم تشتيت الصواريخ في صوامع صلبة للحماية من الهجوم، وتكون متصلة بمركز التحكم في الإطلاق تحت الأرض من خلال نظام من الكابلات القوية. وتقوم أطقم الإطلاق المكونة من ضابطين، بإجراء تنبيهات على مدار الساعة في مركز التحكم في الإطلاق.
2– أهداف متنوعة للبرنامج النووي: منذ عام 1994، نشرت أربع إدارات رئاسية أمريكية مراجعات للموقف النووي؛ حيث تعكس الاختلافات بين تلك المراجعات تغيُّرات في البيئة الدولية وفي السياسة الأمريكية، وكذلك في خلفيات القائمين على إعداد تقارير “مراجعة الموقف النووي” NPR وفي السياسة الخارجية والأجندات المحلية للرؤساء المختلفين. ومع ذلك، قد يكون لهذه القوائم تداخل واستمرارية أكثر مما يبدو للوهلة الأولى.
ففي عام 2021، أشار مُعدو تقرير مراجعة الموقف النووي إلى عدة أهداف للسياسات والقوات النووية الأمريكية؛ بما في ذلك ردع التهديدات الوجودية النووية وغير النووية، سواء كانت هذه التهديدات موجهة إلى الولايات المتحدة أو حلفائها وشركائها، لا سيما من روسيا والصين وكوريا الشمالية، وكذلك طمأنة الحلفاء والشركاء بالتزامات الولايات المتحدة المستمرة بالدفاع المتبادل وعدم الانتشار ونزع السلاح، وتقليل الدوافع المحتملة للتصعيد النووي، والحد من مستوى الدمار الناجم عن الاستخدام النووي إلى أدنى مستويات ممكنة، كذلك الحفاظ على الاستقرار الدولي، ومنع الانتشار، وتسهيل تخفيض الأسلحة النووية؛ لذلك تعكس هذه الأهداف مصلحة عالمية مشتركة في منع الحرب، وخاصةً الحرب بين الخصوم المسلحين نووياً، كما تقر أنه في حالة حدوث الحرب، فمن مصلحة الجميع الحد من تدميرها.
3– تأخر إجراء التحديثات الجوهرية: في ظل حرب عالمية ثالثة تلوح في الأفق بظلال نووية، تبحث الولايات المتحدة الأمريكية ترميم ترسانتها من أسلحة الردع الاستراتيجي؛ لذلك أشار تقرير لمكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة تعتزم حالياً تحديث ردعها النووي للمرة الثالثة فقط منذ عام 1960، بعد عطلة من تطوير الأسلحة النووية استمرت أكثر من أربعة عقود؛ لذلك فإن نظام التسلح النووي بصدد استبدال أنظمة الأسلحة التي تتراوح أعمارها بين أربعين إلى سبعين عاماً؛ لأن تحديثها لم يعد من الممكن تأجيله، ولأن الخيار البديل الوحيد للتحديث هو “تركها للصدأ حتى التقادم”، وهو ما يعني إخراج الولايات المتحدة من مجال الردع النووي.
كما أوضح التقرير أن حكومة الولايات المتحدة أنفقت على مدى السنوات الثلاث الماضية في المتوسط 6.2 تريليون دولار كل عام، لكن هذا المبلغ في طريقه إلى التضخم بفعل مطالب لا تحتمل التأجيل للحفاظ على هيبة الردع النووي. فوفقاً للحسابات، سيتجاوز السعر الإجمالي للتحديث النووي الأمريكي 1.5 تريليون دولار، ويُقدِّر مكتب الميزانية بالكونجرس أن 634 مليار دولار على الأقل ستكون مطلوبة حتى عام 2030.
جدل متصاعد
بعد عقود من جهود نزع السلاح النووي، تتسابق حالياً جميع القوى النووية نحو إنفاق الكثير من الأموال على الرؤوس الحربية النووية الجديدة والمنظومات الحاملة لها، مثل الصواريخ والسفن والغواصات والطائرات؛ لذلك يرجع تصاعد الجدل حول تقييم الاستراتيجية النووية الأمريكية إلى عدد من الأسباب؛ أبرزها:
1– تزايد التهديدات الروسية في أوكرانيا: مع بداية الحرب الروسية–الأوكرانية في فبراير الماضي، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضع القوات النووية لبلاده في حالة تأهب قصوى، وهدد “بعواقب لم ترها في التاريخ” إذا استمر الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا؛ ما أضاف بُعداً نووياً مخيفاً على الحرب، خاصةً بعد سيطرة القوات الروسية على مصنع “تشيرنوبل” ومحطة الطاقة النووية “زابوريزهزهيا” في جنوب شرق أوكرانيا، وهو ما وصفته المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، بأنه جزء من نمط أوسع للتصعيد غير المبرر و”التهديدات المصطنعة” من الكرملين. وهكذا يبدو أن روسيا تريد إبقاء الخوف من ترسانتها النووية الضخمة حياً في العقول والنفوس؛ حتى تحول دون التدخل المباشر لدول الناتو في الحرب للدفاع عن أوكرانيا.
2– قرب انتهاء اتفاقية “نيو ستارت”: يتزامن تصاعد الجدل حول الاستراتيجية النووية الأمريكية حالياً مع قرب انتهاء معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية “نيو ستارت” التي ستنتهي في عام 2026. ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا والتغيرات التي من المتوقع أن تطرأ على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، فمن غير المرجح التوصل إلى اتفاقية تَخلُفها. ومن ثم لن تضطر الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى الالتزام بالحد الأعلى من الأسلحة النووية الاستراتيجية، مثل الصواريخ البعيدة المدى، فضلاً عن الخوف من دخول الدول النووية الأصغر، مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية، السباق النووي. ومن ثم، فإن خطر نشوب حرب نووية أعلى بكثير مما كان عليه قبل عقد من الزمن.
3– تزايد تخوف الرأي العام من التهديدات النووية: أظهر استطلاع لوكالة “أسوشيتيد برس” ومركز NORC لأبحاث الشؤون العامة، في شهر مارس الماضي، وتضمن 1082 شخصاً، أن 71% من الأمريكيين قالوا إن الحرب الروسية زادت من إمكانية استخدام الأسلحة النووية في أي مكان في العالم، كما أعرب ما يقرب من 50% من الأمريكيين عن قلقهم للغاية من أن روسيا ستستهدف الولايات المتحدة مباشرةً بأسلحة نووية أكثر تقدماً، ويشعر 30% آخرون بالقلق إلى حد ما بشأن ذلك.
4– ارتفاع الطموحات النووية الصينية: فعلى الرغم مننجاح الصين في إقناع الجانب الأمريكي، على مدار نصف قرن، بتبني سياسة “عدم الاستخدام الأول”؛ لطمأنة واشنطن بأن بكين في الأساس دولة نووية دفاعية؛ فإنها كانت تتسلل للقيام بـتوسيع مذهل لقدراتها النووية؛ حيث رصد أحدث التقديرات أن جيش التحرير الشعبي يحتفظ بما يتراوح بين 270 و350 رأساً حربياً منتشراً، و300 صومعة صواريخ في ثلاثة حقول ضخمة في المناطق الداخلية الصحراوية للبلاد، ويُحتَمل أن يحمل كل منها صاروخاً برؤوس حربية متعددة؛ لذلك أرجع بعض الخبراء تصاعد هذا الطموح إلى أنه ربما تخشى الصين ألا تنجو ترسانتها الحالية من ضربة نووية من جانب الولايات المتحدة، فيما عدَّ البعض الآخر ذلك رد فعل على حقيقة أن أنظمة الدفاع الصاروخي ستكون أكثر تطوراً في المستقبل، وأن الصين تريد أن تكون قادرة على هزيمة مثل هذه الأنظمة بمزيد من الرؤوس الحربية.
5– إصرار كوريا الشمالية على إجراء المزيد من التجارب الباليستية: على الرغم من تعرض كوريا الشمالية منذ عام 2006 لسلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية، بسبب برامجها للصواريخ الباليستية والنووية، فإنها تسرع قدراتها الصاروخية على مدار 15 عاماً بوتيرة غير مسبوقة هذا العام، وصلت إلى حد إطلاق 8 صواريخ على نحو متزامن من مواقع مختلفة في 35 دقيقة تقريباً؛ وذلك يوم 5 يونيو 2022.
وكانت هذه التجربة هي المرة الـ18 التي تقدم فيها على تجارب صاروخية هذا العام وحده بمجموع 28 صاروخاً باليستياً، منها إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات لأول مرة منذ عام 2017؛ لذلك فإن عمليات الإطلاق الأخيرة تعد أحدث إشارة من زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، إلى أنه يعتزم تطوير برامجه الصاروخية على الرغم من العقوبات الدولية وجائحة كوفيد. وعلى الأغلب، فإن هذه الأسلحة الآن تستطيع الوصول إلى الأراضي القارية للولايات المتحدة الأمريكية، ولدى كوريا الشمالية بالفعل صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب الساحل الشرقي الأمريكي.
جوانب الضعف
على الرغم من “رضا” المسؤولين السياسيين وصانعي السياسة الأمريكية – على غرار وزير الدفاع “لويد أوستن” – عن الوضع النووي الأمريكي، فإنه مع التحديث الهائل للترسانة النووية الصينية ودخول الحرب الروسية–الأوكرانية شهرها الخامس، ظهرت الدعوات إلى ضرورة مراجعة الوضع النووي الأمريكي؛ حيث سلَّط عدد من الخبراء الضوء على بعض أوجه القصور في الاستراتيجية النووية الأمريكية الحالية؛ وذلك على النحو الآتي:
1– إهمال تطوير البرنامج النووي: يعتبر مسؤولون بارزون في البنتاجون أن البرنامج النووي أصبح مُهملاً؛ حيث انزلقت المسؤولية عن الأسلحة النووية في الأهمية من مساعد الوزير إلى وكيل المساعد لتختلط بمسؤوليات أخرى، كذلك يشير الخبراء إلى أن التصميم الأساسي للوضع الحالي لقوة الولايات المتحدة النووية يعود إلى نحو عام 2010، عندما كان من المتوقع أن ينخفض التهديد الشامل لهجوم نووي بمرور الوقت، فضلاً عن تراجع التهديد الروسي نسبياً، بجانب التوقعات باستمرار الصين في موقفها التاريخي، وهو “الحد الأدنى من الردع” بأقل من 100 صاروخ نووي.. كل ذلك أدى إلى فقدان الذاكرة الجماعي وتقويض الأمن القومي الأمريكي.
2– الحاجة إلى بناء أسلحة جديدة: على الرغم من رضا الأدميرال “تشارلز ريتشارد” المشرف على الأسلحة النووية الأمريكية، عن الموقف الدفاعي للولايات المتحدة، فإنه حذر من أن القوات النووية التي لدى الولايات المتحدة اليوم هي الحد الأدنى المطلق، وأن البنتاجون سيحتاج إلى إجراء تغييرات فورية ومهمة في وضع الولايات المتحدة النووي. كذلك يرى الخبراء أن الولايات المتحدة تحتاج إلى بناء أسلحة جديدة حتى تتساوى في هذا التوجه مع الجهود التي تبذلها روسيا والصين في هذا المجال؛ فمع استمرار الأزمة الأوكرانية، زاد احتمال الوصول إلى حافة المجابهات النووية بين الولايات المتحدة وروسيا؛ لذلك رأى الخبراء أنه لا بد أن تعمل الولايات المتحدة على تطوير أسلحة وخطط نووية جديدة بهدف ردع الروس عن التفكير في استخدام أسلحة نووية تكتيكية في حال اندلاع حرب بين حلف “الناتو” وروسيا.
3– التهاون مع التهديدات النووية الروسية: يؤكد الخبراء أيضاً أنه حان الوقت ليدرك صانعو السياسة الأمريكيون انتهاء عطلة الولايات المتحدة النووية؛ حيث إن لدى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” سجلاً تاريخياً حافلاً في متابعة تهديداته. كذلك حذر مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، من “الاستخفاف” بالتهديد الضمني للرئيس بوتين باستخدام الأسلحة النووية ضد الغرب إذا استمر في دعم أوكرانيا.
4– تجاهل توسيع الصين قدراتها النووية: كان تقرير القوة العسكرية الصينية لعام 2021 الصادر عن وزارة الدفاع بمنزلة صدمة للعديد من الاستراتيجيين الأمريكيين؛ بسبب توسيع الصين قدراتها النووية، ومضاعفة ترسانتها النووية أربع مرات إلى ما يصل إلى 1000 سلاح نووي بحلول عام 2030؛ ما يوفر المزيد من الأدلة على أن الصين تتحرك لتحدي الجيش الأمريكي وموقعه في التفوق العالمي. ومن ثم فإن الإجماع على الطموح النووي لبكين يضع إدارة “بايدن” أمام تحدٍّ استراتيجي جديد طويل المدى، حتى في الوقت الذي تُصارِع فيه التهديدات النووية الروسية؛ لذلك ستلعب مراجعة الوضع النووي الأمريكي دوراً حاسماً كجزء من استراتيجية الدفاع الوطني.
5– تهالك ملاجئ الطوارئ: مع تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول التي تمتلك أسلحة نووية، واستمرار القوات الروسية في قصف أوكرانيا، أصبحت هناك تساؤلات حول مدى إمكانية الصمود أمام تلك الهجمات بملاجئ عفا عليها الزمن منذ الحرب الباردة، بمواصفات بدائية للغاية. لكن بدأ هذا الجدال بقوة بالتزامن مع الأزمة النووية الكورية الشمالية في 2017 التي وصلت إلى حد التهديد “بالتدمير الشامل” من قبل الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، لكن دون أخذ أي احتياطيات حيوية؛ فقد أشارت بعض التقارير إلى أن بناء تلك الملاجئ يرجع إلى الفترة بين 1950 و1965، ففضلاً عن تقادمها فإن أغلبها لم يشهد عمليات تحديث ولا عمليات صيانة دورية بالطريقة المناسبة؛ لذلك من المتوقع أنها لن تتمكن من تحمل الضربات النووية الحالية؛ وذلك بسبب اختلاف التكنولوجيا المستخدمة في أسلحة الدمار الشامل اليوم عن تلك التي استُخدمت في بناء الملاجئ النووية في ذلك الوقت.
تخبط الاستجابة
يصر المسؤولون الأمريكيون على تأكيد أنه لا توجد حالة طوارئ انفجار نووي تلوح في الأفق، ومع ذلك حدَّثت وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية التوجيهات اللازمة للرأي العام على الموقع الإلكتروني للحكومة الأمريكية بشأن حالة طوارئ الانفجار النووي.
لذلك، ونتيجة لتعدد أوجه القصور في الاستراتيجية النووية الأمريكية، فإنه لا بد أن تكون هناك استجابة سريعة وذات جدوى من قبل الإدارة الأمريكية، خاصةً مع قرب نشر تقرير “مراجعة الوضع النووي” لعام 2022، ومن ثم، فإذا لم تكن الإدارة الأمريكية قد نظرت بالفعل في التعديلات المستقبلية للقوات النووية الأمريكية، فعليها أن تفعل ذلك على الفور؛ وذلك من خلال مراجعة الخيارات لإضافة المزيد من الرؤوس الحربية النووية إلى القوات الحالية، وكذلك لتطوير أنواع إضافية من الأسلحة التكتيكية، وتطوير ملاجئ الطوارئ المتهالكة.
لكن في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه، وفي ظل تضاعف عدد التهديدات، لن تستطيع القوات النووية الأمريكية الحالية مواجهة تهديدَين نوويَّين رئيسيَّين، فقط يمكنها هزيمة خصم نووي واحد فقط دون الآخر. في المقابل، سوف تزداد جرأة الصين وروسيا في مساعيهما لتوسيع النفوذ في أوروبا وآسيا نتيجة إدراكهما أن التهديد النووي الأمريكي غير موثوق به.
وختاماً.. يبدو أن هناك انقساماً في الآراء بين من يرون أن أي استئناف للتخطيط النووي الجاد سيكون استفزازياً، ويرغبون في مواصلة تقليص دور الأسلحة النووية في استراتيجية الدفاع الأمريكية، وبين أنصار التوجه الآخر الذين يرون أن أخذ الحرب النووية على محمل الجد هو الذي منع – على الأرجح – اندلاعها طوال هذه الفترة، فضلاً عن أن الإنكار الأمريكي لهذه الاحتمالية، أدى إلى تفوق القوى النووية الأخرى في غفلة أمريكية؛ لذلك حان الوقت لإعادة تنشيط التفكير النووي الأمريكي؛ حيث إن المعضلة الآن هي في الأساس معضلة ثقافية، ويمكن صياغتها في تساؤل مفاده: هل تستطيع الولايات المتحدة استعادة قدرتها النووية التي فقدتها نسبياً منذ نهاية الحرب الباردة؟
المصدر: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية