- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
كلثوم الجوراني تكتب: قصة شهيد
لا أعلم ماذا حدث بالضبط ولكن شيء يشبه الإعصار مر بالقرب مني كالمح البصر .
نظرت حولي أنين طفل ينتزع روحه وقد مزق جسده يسبح ببركة من الدم وصراخ جريح ينادي على الناس يطلب النجدة.
أشلاء هنا وهناك ودماء وشظايا ودخان اسمع النداءات والصرخات تتعالى ولا اعرف ماذا حدث ، قبل لحظات كان الجو جميل والمكان هادئ الدكاكين والمارة والباعة المتجولون كل شيء كان على ما يرام وفجأة تحول المشهد وكأنه ساحة حرب امطرت بالقنابل . أجساد ممزقة ودماء متناثرة وبقايا سيارة متفحمة ونار ودخان وأصوات صراخ . هرع الناس إلى ذلك المكان يتفقدون ذويهم ، رأيت (ابو حمودي ) يصرخ قائلاً : (ادري مات بس كون جسمه مو مگطع ) أيقن بموت حمودي ولكن يتمنى أن يكون جسده كاملاً دون تمزيق ، التفت رأيت يد وبجانبها أشلاء وبقربها امرأة تصرخ أنه ابني انا اعرف ابني هذه يده وانا اعرفها جيدا .
لم ابتعد كثيراً حتى سمعت نشيجاً عالياً وشاب يلطم وجهه وهو يمسك بيد طفل صغير لم أر الا يد ذلك الطفل فجسده كان تحت شيء من الحديد طار من شدة العصف فوقع فوق جسده الصغير وكانت كتلة الحديد هذه محرك إحدى السيارات كان كافياً ليطحن جسد الطفل المسكين .
صراخ وعويل في كل مكان انظر الى ذلك المكان وكأنه لوحة تلونت بالاحمر والاسود ويبرز لون الدخان الذي ملأ المكان .
سمعت صوت رجل يبكي ويصرخ بشدة كان ذلك الصوت صوت ابي ، نظرت فأذا بأبي يضع جسدي في حجره وهو يصرخ (سجاد بويه لا تموت ) يطلب مني أن لا اموت نعم فأنا وحيده وانا صديقه وانا الشاب المهذب الخلوق المتفوق في دروسي والكل يتكلم عن حسن أخلاقي وسيرتي عطرة بين أقاربي صرخ ابي أراد مني أن أحرك شيئا من جسمي أوحي له بأنني ما زلت حياً ولكن دون فائدة أتى الناس ليحملونني واذا بأمي (حبيبتي ) تنظر إلي مذهولة وانا غارق بدمائي مغمض العينين ، رأيتها كيف كانت تصرخ (يمه سجاد اسم الله عليك) كادت أن تخرج روحها هرولت نحوي وعجل الحاملون بي الى المستشفى لعلهم ينقذونني كنت أنظر لكفي امي تعصرهما وهي ترتجف تنتظر مني أن اعود إلى الحياة تجلس على الأرض من هول مصيبتها فهي فقدت اقرب صديق لها وليس ابنها الوحيد فقدت أملها وسندها لم تعاملني كطفل منذ طفولتي بل كانت تعاملني كرجل فنشأت رجلا يعتمد علي وكانت هي تعتمد علي في كل شيء.
كانت امي تنظر إلى السماء وتناجي ربها وتدعوه أن لا أموت ولا تعلم أن روحي تحلق فوق راسها كحمامة السلام ، كانت تنظر لجسدي من زجاج نافذة الردهة وتتخيل أنني نهضت ولكن أتى احد الأطباء ليكشف علي للمرة الأخيرة وماهي الا دقائق حتى غطى وجهي بغطاء ابيض كقلب امي فأسدل الستار على حياتي وخرج ليخبر امي أنني قد رحلت وما عليها إلا الصبر .
كادت تجن وكنت احتضنها ولكنها لا تراني كنت اكلمها ولكنها لا تسمعني كان فراقي الابدي مصيبة ما بعدها مصيبة بالنسبة لامي.
جلست امي في مأتمي وهي تتمنى لو كان ذلك حلماً فتستيقظ منه وما أن انتهى العزاء وذهب كل لبيته اختلت امي بذكرياتي كانت تجلس بغرفتي تقلب اشيائي وتسألها عني تتصفح كتبي وتنظر إلى صوري حتى أنها كانت تتحدث إلى صوري وتضحك معها كأني موجود لم تتقبل امي فراقي ولم تتأقلم معه ابدا.
حتى عندما ولدت اخي الذي كان يشبهني بكل شيء اسمعها تقول له أنت سجاد وعدت لي من جديد ، ولدت امي بعدي ولدين جميلين وظننت أنها ستتسلى قليلاً إلا أنني اسمعها كل يوم تذكرني وتبدأ بالعويل .