عماد عفانة يكتب: سيناريوهات تجفيف واضعاف المخيمات

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 13 يناير 2022, 9:57:30 ص
  • eye 475
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في ظل عدم نجاح الفلسطينيين والجهات الداعمة لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في بناء فعل وسياسات مضادة، وبفعل تأثير السياسات المعادية لحقوقهم، يفرز هذا الوضع تهديدات متعددة لوضع اللاجئين وحقوقهم، بما يتجاوز حتى الخطر التقليدي المتمثل في إطالة مأساتهم والانتقاص من حقهم في العودة لديارهم، فقد باتت التهديدات الناتجة تنحو باتجاه تقويض بقاء مجتمعات اللاجئين، وسلب ممكنات عيشهم والحقوق القليلة التي وفرتها لهم قدرتهم على الصمود خلال المراحل السابقة، واذا كانت هذه المسارات بعيدة ومتوسطة المدى لهذه التهديدات فإن وقعها المباشر و بالمدى الزمني القصير تظهر ملامحها بوضوح في النقاط التالية:

تغير ملموس في سياسات "الأونروا" ، باتجاه الانخراط الرضوخ لشروط الإدارة الأمريكية والاحتلال، بما يعني تحويل "أونروا" لمنظومة تطويع للفلسطينيين تبتزهم بخدماتها، لإخضاعهم لضوابط تتكفل بتقويض مواقفهم الوطنية وقدرتهم على الدفاع عن حقوقهم، فخلال العام المنصرم انخرطت الوكالة في إنفاذ جملة من المعايير والسياسات على موظفيها وعموم اللاجئين تعاقبهم بالحرمان من الخدمات والوظائف في حال مخالفتهم لبروتوكولات وقعتها مع الإدارة الأمريكية، تحظر عليهم التعبير عن هويتهم السياسية والوطنية، وتمنع اي شكل من اشكال الاستفادة من خدمات "أونروا" عن الشرائح الأكثر عرضة لجرائم الاحتلال من الأسرى والشهداء والمناضلين الفلسطينيين وذويهم.

إن "أونروا" التي يرتبط بها عموم اللاجئين الفلسطينيين وقدرتها على تعميم هذه المعايير كشروط للحياة تمسك هي بمفاتيحها في المخيمات ومجتمع اللاجئين، تتجه لممارسة انحياز سياسي ضد حقوق اللاجئين في النضال ومواجهة الجرائم الصهيونية، وهو ما يعني فعليا ثقلا هائلا سيضاف إلى قائمة العوامل الضاغطة على اللاجئ الفلسطيني ودوره في مجتمعه وفي الدفاع عن حقوقه.


تفاقمت مخاطر التجويع المسلط على اللاجئين الفلسطينيين بفعل استمرار سياسات وكالة "أونروا" التقليصية، وفشلها الواضح في توفير الحد الادنى من احتياجات اللاجئين، في ظل انهيار اقتصادي داخل عدد من الدول المضيفة، بحيث باتت غالبية اللاجئين الفلسطينيين فعليا تحت خط الفقر(حوالي 80% بالمئة منهم) وطائلة الجوع، في وقت تعجز فيه سياسات الإغاثة الجزئية عن وقف الانهيار ناهيك عن إحداث تحول يتكفل بتقليص نسب الجوع.

الوضع المعيشي مرشح للأسواء بفعل الانهيار المتسارع في القطاعات الخدمية الرئيسية، الوصول للمياه أو الكهرباء يزداد صعوبة لمعظم اللاجئين الفلسطينيين، والقطاع الطبي عاجز عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الاعتيادية ناهيك عن التعامل مع الصعوبات المتزايدة في ظل تفشي الوباء المستمر لعامه الثالث.

تدريجيا تواجه تجمعات ومخيمات اللاجئين نقصا في العلاج، وترديا في طبيعة وجودة الرعاية الطبية المقدمة، وصعوبة في الوصول لها، وعلى طاولة الجهات المعنية لا يوجد ما يشير لنوايا بخطة أو إجراءات إنقاذيه للقطاع الطبي، أو القطاعات الخدمية الأخرى.


المخيمات الفلسطينية في لبنان باتت موضعا للاشتباك الفلسطيني- الفلسطيني جزئيا، وعمليات التحشيد المتبادل تجعلها على هاوية انفجار تقوده المناورات المحسوبة وغير المحسوبة، كما لاستخدامها كجزء من مساحة الصراع على السلطة فلسطينيا أن مساعي توظيفها في دوائر الاشتباك اللبناني تجعلها مهددة بتحويلها لساحة اشتباك أكثر من اي وقت مضى، ذلك بالمعنى العام للخطر الأمني، فيما يعاني اللاجئون من فقدان أدني معايير الأمن الشخصي في هذه المخيمات في ظل المخاطر المتزايدة للجريمة بفعل الأزمة الاقتصادية.

التهديد العسكري من خلال القتل المباشر والعمليات العسكرية صفة ملازمة لوضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فيما تعمل المخاطر الأمنية كجزء من أدوات العقاب والتنكيل الممنهج باللاجئين الفلسطينيين، الحال ليس أفضل بالنسبة للاجئين في الأرض المحتلة، في ضوء استمرار الهجمات العسكرية الاحتلالية والتي تطال قطاع غزة ومخيماته، وتصاعد سياسات القتل الممنهج في الضفة المحتلة، ذلك بجانب ما يضيفه القمع الأمني الموجه ضد المخيمات، وفي بقية مساحة الانتشار الفلسطيني يتواصل تعرض الفلسطينيين لمخاطر القمع الأمني وسياسات التضييق عبر أدوات وذرائع أمنية.

لم تعد عمليات الطرد والتهجير تهديدات مقبلة، بل واقع قائم، حيث تزدهر شبكات التهريب في مخيمات اللاجئين وتجمعاتهم التي لم تعد تتوفر فيها أدنى احتياجات الحياة، وباتت تدفقات اللاجئين للهجرة من مخيمات غزة ولبنان في منحى مستمر في التصاعد، فيما تكفلت عملية التهجير القسري الهائلة بإفراغ مخيمات سوريا من معظم لاجئيها، ولا زالت التهديدات المحيطة أمنيا واقتصاديا بمخيمات لبنان توشك على صناعة موجة هجرة غير مسبوقة في المدى القصير.

بفعل مسار التحالف بين دول التطبيع العربي وكيان الاحتلال، يتم تأسيس بيئة معادية للفلسطينيين وحقوقهم في عدد من الدول العربية، التي تتصاعد فيها مؤشرات العداء للاجئين الفلسطينيين، خصوصا مع تورط أطراف سياسية في عمليات التعبئة والتحريض ضدهم، وهو ما ينذر أولا بتفكيك الموقف العربي الداعم لحقوق اللاجئين بالمعنى السياسي العام، وبالمعنى التفصيلي يجعل من هؤلاء اللاجئين عرضة لمزيد من سياسات التضييق، بجانب تعريضهم لمخاطر الأعمال العدائية من شرائح اجتماعية تخضع لتأثير هذه الدعاية، وقوى سياسية تحملها ضمن برنامج عملها السياسي.

موقف وبرنامج الاحتلال الساعي لنزع الاعتراف الدولي بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، بات يحظى بدعم علني من دول التطبيع العربي، بجانب الدعم الأمريكي المعلن لهذا الموقف من خلال "صفقة القرن"، وهو ما ينقل مخاطر تفكيك الموقف الدولي الرسمي من قضية اللاجئين من خانة المخاطر المستقبلية الى خانة الخطر الوشيك، ترفد ذلك دعاية صهيونية موسعة، تشاركها دعاية موجهة من نظم التطبيع وأدواتها الاعلامية تستهدف تحويل موقف الشعوب العربية من القضية الفلسطينية مستخدمة سرديات صهيونية عن النكبة واللجوء واللاجئين، ودعاية تحريضية ضد الفلسطينيين وفعلهم النضالي وهويتهم.

تستنزف الهجمة المستمرة على حقوق الفلسطينيين وأدوات فعلهم كثيرا من موارد هذا الفعل، وتسهم في تفكيك روافعه وحواضنه بواسطة الحصار والتضييق والدعاية السياسية، إلى جانب ذلك فإن استمرار التعطيل السياسي الفلسطيني وغياب برنامج للعمل الوطني في ملف اللاجئين والتهميش المستمر لهم، يتكفل بتآكل خطير في البنى الوطنية وأدوات العمل الجماهيري والنضالي في مجتمع اللاجئين


تستنزف الهجمة المستمرة على حقوق الفلسطينيين وأدوات فعلهم كثيرا من موارد هذا الفعل، وتسهم في تفكيك روافعه وحواضنه بواسطة الحصار والتضييق والدعاية السياسية، إلى جانب ذلك فإن استمرار التعطيل السياسي الفلسطيني وغياب برنامج للعمل الوطني في ملف اللاجئين والتهميش المستمر لهم، يتكفل بتآكل خطير في البنى الوطنية وأدوات العمل الجماهيري والنضالي في مجتمع اللاجئين، ان التجويع والترهيب المتلازم مع فقدان المبادرة السياسية يضع الفلسطينيين في مجتمعات اللجوء في موضع المتلقي الذي يفقد يوميا موارده البشرية والسياسية وبناه التنظيمية ويتم استلاب مؤسساته لمصلحة مشاريع معادية لحقوقه وتحييد وتصفية مؤسسات وموارد أخرى.

من تقدير موقف بعنوان: اللجوء الفلسطيني 2022: فشل السياسة والبحث عن البدائل

التعليقات (0)