- ℃ 11 تركيا
- 13 نوفمبر 2024
على الصاوي: السيسي وأردوغان..مُصالحة أم مُصافحة؟
على الصاوي: السيسي وأردوغان..مُصالحة أم مُصافحة؟
- 4 ديسمبر 2022, 11:59:51 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما تُوشك الأزمات بين الدول أن تنفرج ويظهر أفق سياسي جديد يتسع لحل الخلافات السياسية، تجد المأزومين في ورطة كبيرة بين مُصدّق ومكذّب، فمنهم من يؤول الموقف على محمل التهوين تارة والإنكار تارة أخرى، ومنهم من يُفسّره بمنطق الدروشة السياسية، وآخر يراه عنوانا لمرحلة جديدة غامضة، فيظل صامتا يترقّب من أين ستأتيه الضربة.
وقد استقبل كثيرون صورة السيسي وأردوغان في مونديال قطر بشئ من التشكيك في جديتها، والتخفيف من تأثيرها لاحقا على المشهد السياسي الحالي خاصة مستقبل المعارضة السياسية في إسطنبول، لكن يظل عنصر المفاجأة هو من يُلقى بظلاله على التقارب المتأني والحذر بين مصر وتركيا، تقارب مبنى على أسس براجماتية بحتة، وتلك هى لغة السياسة السائدة والمفهومة بين الدول وإن كانت خرساء لا تتكلم، بعيدا عن لغة الاستمالات والعواطف والدروشة السياسية المنفصلة عن الواقع ،التي تُخدر الحواس وتُغيّب العقول لعدم فهم أو إدراك السياق الحالي وإلى أين تتجه سفينة التغيير القادم من بعيد.
حملت صورة أردوغان والسيسي وبينهما أمير قطر دلالات كثيرة أولها: أنها جاءت في توقيت تشتد فيه الأزمة الاقتصادية في مصر بعد أن غيّرت كل من الإمارات والسعودية موضعهما من خانة الدعم السابق إلى خانة انتظار قطف الثمرة بلغة براجماتية أيضا، وعلى الجانب التركي تشتد أزمة الطاقة يوما بعد يوم، وترتفع أسعارها على المواطن التركي ما قد ينعكس على نتائج الانتخابات الرئاسية لأردوغان عام 2023 ، فتركيا تعاني بشكل كبير من عجز في الميزان التجاري بسبب أزمة الطاقة، ومع التضخم الحالى إزداد الأمر سوءا، لذلك تدخلت الحكومة التركية في رصد مبلغ كبير يدعم فواتير الغاز بمقدار ألف ليرة لكثير من الأسر محدودة الدخل، فكان من الضروري إعادة ترتيب الأوراق وبناء العلاقات من جديد بين البلدين من منظور المصلحة البحتة، وكانت قطر عراب هذا التقارب كونها إحدى الدول القادرة على دعم اقتصاد البلدين بودائع مليارية تُحسّن من ثبات العملة وتُحرّك الركود الاقتصادي، لذلك ركّز أردوغان في تصريحاته الصحفية على أهمية حل مشكلة شرق المتوسط وأشار ضمنيا إلى ترسيم الحدود بين مصر وتركيا ووقف استفزازات اليونان ولعبها على وتر الخلاف التركي المصري.
من دلالات الصورة كان الحضور القوي لأمير قطر، وتَعمد ظهوره في اللقاء ويديه على كتف الزعيمين، في إشارة إلى القوة الدبلوماسية التى باتت تتمتع بها قطر وقدرتها على جمع الفرقاء على طاولة واحدة رغم ما كان بينهما من عداء وقطيعة، وتؤكد أن الفاعلية السياسية تكون لمن سبق وحضر مهما كان حجمه، وبراعته في استثمار مساحة الخلافات والتناقض بين الدول لصالحه، كقوة سياسية ناعمة تزيد من أوراق لعبه على الطاولة في ملفات كثيرة، ويعطيه ثِقل نوعي سياسيا رغم صِغر حجمه جغرافيا.
فتركيا ومصر قوتين عُظميين ويتعاملان بندية سياسية مستمدة من تشابه جيوسياسي وإرث تاريخي وخبرات خاصة، تُمثّل تركيا الجسر بين آسيا وأوروبا، مثلما تُمثّل مصر جسراً بين آسيا وإفريقيا، إضافة إلى التناظر القريب بين البلدين في حجم السكان، لذلك فإن استدارة الدولتين للخلف وإعادة العلاقات مرة أخرى يوازن كفّة النفوذ في المنطقة والعودة إلى المربع الأول تغليبا للمصلحة.
فمصر قبل القطيعة السياسية مع تركيا كانت صرحت أن جزيرة "كاستيلوريزو" المتنازع عليها بين تركيا واليونان في بحر إيجه ليس لها جرف قاري بحيث ترسم اليونان من خلاله حدودها البحرية، لكن الموقف تغيّر بسبب الخلافات السياسية بعد الربيع العربي، وقد يتغيّر موقف مصر ويعود سيرته الأولى تجاه نزاع الجزر فكل شيء وارد في المستقبل، والمتغيرات هى الشيء الوحيد الثابت في السياسة، فمن لا يضخ دماء جديدة في علاقاته الدولية وركن إلى جهة دون أخرى تجلّط دمه وفسد، ومن ثم مات وصار في ذمة التاريخ، وإذا كانت تركيا بطموحاتها الجيوبولوتيكية الحالية تحمل رأسا أكثر من ضخم، فإن مصر بتاريخها الضارب بجذوره في التاريخ ودولتها العميقة سيدة الحلول الوسطى وحجر الزاوية في المنطقة والوسط الذهبي.