- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
يجب تأميم القناة مرة ثانية
بمناسبة حالة الاحتفاء الهولندية بقاطرتها الأقوى - 285 طن بحري - Alp guard المشاركة في تعويم ايفرجيفن، وتشكر هولندا على ذلك؛ والسؤال عن أصحاب الفضل في تحرير العملاق الياباني evergiven من رمل السويس الحاضن للقناة، والذي يغار عليها من ملح الماء، ويرغب لو (يردمها)، أصبح تأميم القناة مرة ثانية وتحريرها من سطوة هذا الحصار الطبيعي، وتوسعتها لأكثر من 400 متر أمر ملح لاستعادة شبابها.
ونبتدي الحكاية..
من قصة صاحب القاطرة 《عزت عادل》وهو الأهم من القاطرة البحرية الأقوى في الشرق الأوسط ضمن مجموعة متواضعة من القاطرات التي تملكها مصر بقوة سحب 160 طنا بحريا، وشاركت عزت مع أخواتها في تعويم ايفرجيفن.
وتحمل اسم المهندس محمد عزت عادل، أحد الثلاثة المشاركين في عملية تأمين قناة السويس فور إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميمها مساء 26 يوليو عام 1956.
وبعد انتهاء حرب أكتوبر عام 1973 تمت ترقية عزت عادل (وكان قبلها عين في الجيش برتبة ضابط مهندس) إلى مدير الإدارة الهندسية لقناة السويس تحديدا في عام 1975.
وبدأ أكبر عملية توسعة في القناة بعرض 200 متر وعمق أكثر من 15 متر، ونجح عادل في حل مشكلة تمويل المشروع الضخم دا، وإدارة معركة ثانية لمصر مع البنك الدولي بعد معركة تمويل السد العالي ...
ومن هنا أنقل الحديث للمهندس محمد عزت عادل، والذي أعيد نشره في جريدة الوطن المصرية يوم 4 ديسمبر 2020:
《فى ذلك الوقت (1975) تمت ترقيتى إلى منصب مدير الإدارة الهندسية لقناة السويس، وقلنا العالم تغيّر وشكل التجارة تطور والسفن أصبحت أكبر وتحتاج إلى مسافة أوسع وعمق أكبر لكى نحافظ على أفضلية القناة، وتابعنا بناء السفن خصوصاً فى كوريا والهند واليابان.
وقلنا لا بد من تنفيذ مشروع فوراً لتوسيع وتعميق مجرى قناة السويس، وإلا الإيرادات سوف تقل بشكل كبير، ولن تكون القناة صالحة إلا للسفن الصغيرة.
أعددنا مشروعاً ضخماً شمل المجرى المائي كله من بورسعيد إلى السويس فى البحر الأحمر، المجرى المائي كله، وكان المشروع يتضمّن توسيع المجرى لأكثر من 200 متر وتعميقه لأكثر من 18 قدماً.
استغرق المشروع 5 سنوات لأنه ضخم من 1975 إلى 1980، وطلبت من وزارة الاقتصاد إما أن تحصل هيئة قناة السويس على 15% من إيرادها لنتمكن من التنفيذ، أو نحصل على اعتماد من الموازنة، أو نستلف من الخارج، وكانت موازنة الدولة بعد حرب أكتوبر تمر بضيق شديد، فلجأنا إلى الاقتراض.
كنا ندرك أن الصناديق العربية والإسلامية والإفريقية ستكون متردّدة فى التمويل المشروع لعدم الثقة فى دراسة الجدوى، وبالتالى لجأت للبنك الدولى لأنه بمثابة شهادة اعتماد للمشروع، وبالفعل قرأوا دراسة الجدوى ووافقوا عليها، وقالوا إنهم على استعداد لتمويلنا بـ100 مليون دولار بشرط.
أن يكون للبنك وحدة مراجعة تفاصيل المشروع فنياً ومالياً، وقالوا لي: «أنت هتحط رجل على رجل، والمشروع يتنفذ، واحنا اللي هنراجعه ونتولى كل حاجة».. انزعجت جداً، وقلت لهم: «أنا المسئول عن المشروع، وتم تفويضى من رئيس هيئة قناة السويس، وكل المهندسين المصريين زملائى، ونستطيع أن ننفذ المشروع، ونراجع كل تفاصيله بأنفسنا، يعنى إيه نحط رجل على رجل، ونسيب لكم كل حاجة، ده كلام مرفوض، إحنا مش هنحط رقابنا تحت إيد وحدة من الخارج تضم خبراء أجانب».
قالوا لى هذا هو شرطنا، قلت لهم إذاً البنك الدولى رفض تمويل المشروع، ورفض أن يمد يده لمصر للمرة الثانية بعد رفضه تمويل السد العالي.
بعدها فوجئت بشاب كويتى اسمه عبداللطيف الحمد، كان مندوب الكويت لدى البنك الدولى وعضو بمجلس إدارة البنك، جاءنى وقال لي: «البنك مقلوب، وبيقولوا إن مصر رفضت القرض»، وبعد مناقشة بيننا قال لي: «أقسم عليك بشرفك، هل تستطيع تنفيذ المشروع بعمالة وإدارة مصرية كاملة دون الاستعانة بخبراء البنك الدولى؟»، قلت له: «طبعاً، لا يوجد عندى ذرة شك فى ذلك»، فرد علىّ، قائلاً: «قسماً بالله ستحصل على القرض بالصيغة التى تريدها مصر، وإذا رفض البنك الدولى، ستمنح دولة الكويت القرض لمصر بالكامل، وأنا مسئول عن هذا الكلام».
بعد هذا طلب منى نائب رئيس البنك الدولي أن نجلس مرة ثانية، وجلسنا بالفعل، وقال لي: «أنت بتاخد على نفسك مسئولية أنت مش قدهاYou are digging your own grave.. أنت تحفر قبرك بنفسك»، فقلت: «أنا موافق، لكن لا أستطيع قبول القرض بالشرط الذى وضعتموه».
وبالفعل سحب البنك شرطه، ونفّذنا المشروع بأفضل طريقة، وجاءت الشهادة من البنك الدولي نفسه عندما جاء روبرت ماكنامار، وزير الدفاع الأمريكى سابقاً، ثم رئيس البنك الدولى وقتها، وقال فى تقرير التقييم: «أهنئكم، هذا المشروع من أكبر المشروعات التى تم تنفيذها، وأفضل مستوى للجودة».
....................
انتهى حديث عزت عادل -رحمه الله- ومرت نحو 40 عاما على المشروع.. وسارت ايفر جيفن، بفضل فريق بشري مصري جبار، وأتمنى براءة مصر من المسئولة عن الحادث في التحقيق الدولي، لكن من الطبيعي أن تدفعنا أزمة ايفرجيفن إلى السؤال عن مستوى الجودة الذي يقف عنده الممر المائي لقناة السويس الآن؟
وهل قناة السويس ما تزال هي الهيئة الديناميكية النشطة، ودرة التاج الاقتصادي المصري التي لا يطالها الروتين والفساد؟
ايفرجيفن (شحطت) في قلب مصر لا القناة، وما كان من تبعات وما سوف يكون منها، يطال المصريين كلهم، وحق القول أن قادم مصر المنظور يقلق، وأن غياب فريضة الحساب عن بلادنا لسنوات أثره مدمر؛ وغموض التحاسب وغرابة مايحدث يثير الشكوك، والتنصل من كل مصيبة تصيبنا بذريعة الوقت غير المناسب خيبة.
كل الإجلال والحب والعرفان للاسطوات والمهندسين والعمال الذين حفظوا لنا شئ من ماء الوجه والاستقلال أمام العالم.