- ℃ 11 تركيا
- 16 نوفمبر 2024
عبد الحليم قنديل يكتب: مصير الهدنة الموعودة
عبد الحليم قنديل يكتب: مصير الهدنة الموعودة
- 2 مارس 2024, 1:04:49 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ربما لم يعد عاقل يثق في كلام الرئيس الأمريكي، وقد تصرف جو بايدن ـ العجوز ـ بطريقة أقرب لألعاب الصبيان، وأخبر الصحافيين وهو يلعق الآيس كريم، وقالها قاطعة مازحة معا، إن الهدنة الموعودة في فلسطين ستبدأ بعد غد الإثنين، وترك المتابعين والمراقبين يضربون أخماسا في أسداس، فما من دخان أبيض ينبعث من غرف المفاوضات الماراثونية، التي بدأت في باريس، ثم ذهبت إلى القاهرة، ثم عادت إلى باريس بعد تعثر في القاهرة، ثم ذهبت إلى الدوحة على أمل عودة إلى القاهرة، حيث يطمح المتفائلون بإتمام اللمسات الأخيرة، وقد قال بايدن إنها ستكون آخر محطة، وإن اتفاقا سيوقع لهدنة تستمر طوال شهر رمضان الفضيل وأيام عيد الفطر المبارك.
وسواء صدق بايدن أو تاه في التفاصيل والمواعيد، فإن المساعي جارية بالفعل، وتشارك فيها أمريكا من خلال وفد مخابراتها المركزية، ومصر كذلك، وقطر عبر رئيس الوزراء فيها، إضافة لوفد إسرائيلي من الموساد والشاباك والجيش، ويبدو أن تقدما ما حدث، وإن كانت المصاعب ظلت عالقة، وتتجدد، فالهوة واسعة بين اشتراطات كيان الاحتلال، ومطالب المقاومة المنقولة عبر الوسيطين المصري والقطري، بينما كوارث ومجازر الإبادة الجماعية تحكم خناقها على ملايين الشعب الفلسطيني في غزة، وعلى مشهد من العالم الذي يصمت ويتخاذل ويعجز عن وقف الإبادة، وفضحه حرق الطيار الأمريكي آرون بوشنل لجسده أمام سفارة الاحتلال في واشنطن، بينما تواصل المقاومة الفلسطينية ملاحم القتال البطولية مع جيش الاحتلال، من حي الزيتون بمدينة غزة، إلى شرق خان يونس، وتزيد نزيف الخسائر العسكرية البشرية الإسرائيلية، ومن نخبة الضباط في لواء غفيعاتي وغيره.
ثمة سباق لاهث بين تفاؤل حذر بالمفاوضات، وجولات الحرب، التي قد تتسع ميادينها أكثر على خرائط اللهب.
وتمضي التطورات إلى وضع حرج، يدفع الطرفين إلى طلب مصلحة ما في الهدنة الممتدة لستة أسابيع وقد تزيد، فالمقاومة الفلسطينية تسعى لتخفيف آلام الشعب الفلسطيني، وكسب فسحة وقت لتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة المحاصرة، وتعزيز الصمود الأسطوري للشعب، الذي يقتل ويباد ويجوع بالجملة، والمعضلة التي تواجهها حركات المقاومة في هذه الظروف، أنها تريد سيناريو متصلا لوقف عدوان الإبادة كليا، وكانت خطتها الأصلية، أنها لا ترغب بتجزئة ورقة الأسرى الإسرائيليين لديها، وهى ورقة ضغط رئيسية، لكنها اضطرت تحت وطأة الإمعان في التنكيل بالشعب وتدمير الاحتلال لموارد الحياة كافة، وبهدف إحداث شروخ في علاقتها بالشعب المعاني المذبوح، أن تتجاوب مع تصور المراحل الثلاث، التي بادرت إليها السياسة المصرية الرسمية قبل نحو الشهرين، وبدت الإدارة الأمريكية متجاوبة معه إلى حد ما في الظاهر، وبهدف البحث عن مخرج ما لإنهاء الحرب، وكانت الفكرة نفسها وراء إطار باريس الأول، وإن اختفى التصريح بها في تعديلات إطار باريس الثاني، ربما لجذب إسرائيل إلى انخراط في المداولات، وإن ظلت فكرة المراحل الثلاث قائمة، وهو ما تبدي المقاومة الفلسطينية مرونة وتجاوبا حذرا معه، لا يضيع التضحيات في مكائد السياسة، على حد تعبير إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وعلى نحو محسوب، ربما يأخذ في اعتباره ديناميكية وآثار تنفيذ المرحلة الأولى على داخل الكيان الإسرائيلي ، فرغم صراخ بنيامين نتنياهو وأركان حكومته وقادة جيشه ومجلس حربه، وتهديداتهم الملتاثة المتواصلة باجتياح رفح في جنوب الجنوب، سواء قبل سريان هدنة المرحلة الأولى أو بعدها، فإن مجرد سريان هدنة المرحلة الأولى لو جرى التوصل إليها، والقاضية مبدئيا بإطلاق سراح 40 من الأسرى الإسرائيليين المدنيين، مقابل مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم عدد كبير من ذوي المحكوميات العالية، وربما من القادة الكبار للفصائل الفلسطينية، إضافة لجلاء قوات الاحتلال عن مراكز المدن والتجمعات السكانية، وفتح طرق لإعادة النازحين الفلسطينيين من الجنوب إلى الشمال، فوق مضاعفة شاحنات المساعدات لمرات، وإعادة تأهيل المستشفيات، ونصب تجمعات خيام ومساكن إيواء متنقلة، وكل ذلك وغيره، مما قد يضاعف من خلافات الداخل في الكيان الإسرائيلي، مع فسح مجال لتزايد مظاهرات أهالي الأسرى، مع بقاء الأسرى العسكريين والجثث في يد المقاومة، كذا التطور المحتمل لمظاهرات تطالب بانتخابات مبكرة، والخلاص من حكومة نتنياهو وصحبه الأكثر تطرفا وعدوانية، وهو ما لا يريح نتنياهو، الذي يريد وضع العصي في عجلات التفاوض غير المباشر، وأقام من خلال مفاوضيه عقبات مضافة، من نوع اشتراط سن معين للنازحين المراد إعادتهم إلى محال إقاماتهم الأصلية، واستثناء الفلسطينيين الشبان في سن الخدمة العسكرية، وهو مصطلح لا تعرفه ساحة غزة أصلا، فليس من جيش نظامي هناك، إضافة لسعى نتنياهو إلى المصادرة الكلية على مسعى وقف الحرب، واستعراض اللاءات القطعية، على طريقة التصويت في الكنيست بأغلبية غير مسبوقة، ترفض إقامة أي دولة أو كيان فلسطيني مستقل ولو صوريا، مما تطرحه الأمم المتحدة، أو حتى الدول الغربية والولايات المتحدة نفسها أحيانا، وتحت عنوان الرفض الإسرائيلي لما يسمونه الإملاءات الخارجية، وكأن إسرائيل ـ وهي تفعل ـ تهزأ بالعالم كله، وتعتبر أن الأمر كله مرهون بالإرادة الإسرائيلية المنفردة، وبدعم واشنطن الإجباري، إلى حد أن نتنياهو وجه صفعة مضافة إلى بايدن، بعد إعلان الأخير عن هدنة الإثنين الموعودة، واستند نتنياهو إلى استطلاع رأي صحافي للأمريكيين، يؤكد كما قال أن أكثر من 80% بين الأمريكيين، يؤيدون إسرائيل بصفة مطلقة ويعارضون حماس، وكأنه يقول ويحذر بايدن، من أن رقبة الرئيس الأمريكي في يده، وبالذات مع إخفاق بايدن المحتمل جدا في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد شهور، التي قد تأتي بصديق نتنياهو الأوثق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بينما يحاول بايدن وإدارته الإفلات من مأزق السقوط، عبر اتباع سياسة مزدوجة، تفي تماما باشتراطات الدور الأمريكى كحكومة ثانية لكيان الاحتلال في واشنطن، وتحاول إنقاذ إسرائيل من طيش وانفلات أعصاب حكومتها الأولى في تل أبيب، بعد أن تبين للكل عجز جيش الاحتلال مع أمريكا عن تحقيق نصر أو شبهة نصر في حرب غزة، التي تتطاير الحروب ونذر الحروب من حولها، وتورط واشنطن في صدامات خاسرة ممتدة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وتزيد أوضاع الأنظمة العربية المتعاونة حرجا وضيقا وهزالا، وتكاد تنسف دور واشنطن في المنطقة، رغم احتشاد أساطيلها في بحار المنطقة وخلجانها، بما قد يجعل واشنطن عارية من أي تأثير بالضغوط اللينة والخشنة، ويدفعها أحيانا للتراجع لفظيا عن حالة التطابق الفعلي الكامل مع كيان الاحتلال، والحديث المرسل عن تطبيع وسلام يحقق صوريا بعض الأماني الفلسطينية، من نوع إحلال سلطة فلسطينية جامعة متجددة محل حكم حماس وأخواتها في غزة، والتلاعب المكشوف بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح الحربي، وهو ما رد عليه نتنياهو باستغراق في الأوهام، وبإعلان ما سمي «وثيقة نتنياهو»، التي وعد فيها بإدامة احتلال غزة بعد الحرب، وبإقامة مناطق عازلة أمنيا بعد غزو رفح، وبتنصيب إدارات مدنية متفرقة من عائلات وحمائل فلسطينية، ترتضى العمالة للاحتلال، وكلها أوهام رجل طار عقله، ولا يتعظ بالدروس القريبة والبعيدة، فقد جرى نسف فكرة روابط القرى الإسرائيلية في الضفة الغربية قبل أربعين سنة، فما بالك بالوضع في غزة، وأغلب سكانها من المهجرين أصلا من مدن وقرى فلسطين 1948، وتسود بينهم الروح الوطنية، التي تختزن محنة فلسطين بكل مراحلها وعذاباتها، ولا نفوذ مرئيا فيها لعائلات أو حمائل، وإن وجد شيء من ذلك عرضا، وقبل أحدهم خطيئة التعاون مع الاحتلال، فربما لا يستمر على قيد الحياة لساعات أو لأيام، يلقى بعدها مصيره المحتوم بطلقة في الرأس، ويذهب إلى حتفه الموعود مع خطباء الجمعة، الذين تصورهم نتنياهو في وثيقته العبثية، يصعدون أعواد المنابر، ويدعون لنصرة الإمام نتنياهو بصفته خليفة المسلمين، وينسى نتنياهو عظات سابقيه في تحدي غزة، من إسحق رابين الذي عاش يحلم أن يصحو يوما من نومه ليجد غزة غرقت في البحر، إلى آرييل شارون الذي كانوا يسمونه ملك إسرائيل، ولم يجد في النهاية ملاذا للتعامل مع غزة، إلا أن يقرر إجلاء قواته عنها، وتفكيك المستوطنات اليهودية فيها قبل نحو عشرين سنة، ونتنياهو قياسا إلى رابين وشارون، ليس أكثر من صبى أرعن.
ودعونا ننتظر ونرى ما سيجري في الأيام المقبلة، فثمة سباق لاهث بين تفاؤل حذر بالمفاوضات، وجولات الحرب، التي قد تتسع ميادينها أكثر على خرائط اللهب.