سيد صابر في زيارة للكراسي السياسية

profile
سيد صابر كاتب صحفي
  • clock 25 يونيو 2021, 1:31:55 ص
  • eye 1284
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الكرسي هو " رمز " إلى القوة و النفوذ و احيانا " الملك " و احيانا " الحكم " و احيانا " الوزارة "

ما الدنيا الا كراسي يسعى الناس إليها أو تبحث عنهم الكراسي ، خاصة الكراسي غير المشهورة أو غير المرغوب فيها ، لذلك أتخيل ان هناك كرسي يشبه " الحصان البري " ، هذا الحصان بمجرد أن اي شخص يجلس عليه تنتابه حالة هياج رافضا ان يجلس عليه اي شخص ، مهما كانت قدراته ، اقواهم ل فترة زمنية قصيرة جدا ، لذلك تخيلته كرسي لا يمكن الجلوس عليه ، أطلقت على هذه اللوحة أسم (الكرسي المزعج  )

هكذا يعرف الفنان التشكيلي أمير وهيب رؤيته للكرسي والتي  يبدع فيهل نماذج  متعددة من أشكال  وانواع الكراسي في معرضه (كراسي سياسيه) ادهشني التعبير فكان لابد من الأستزارة منه وتركته يفتح عقله وقلبه فيعددها ويقول :

معرض " كراسي السياسي " ، هذا المعرض الحالي هو نتاج تفكير و حصاد ثمار ٢٨ سنة ابداع ، ف اول معرض كان سنة ١٩٩٣ ، مضمون هذا المعرض هو عن " حاجة " من ضمن الحاجات المهمة ب النسبة لي و الأخرين أيضا ، الا و هو " الكرسي " ، و الكرسي انظر له و بلغة أكاديمية و هي مادة تدريس أيضا اسمها " منظور " ، انظر له من منظور " وظيفته " و " شكله " ، و بحكم عملي ك " مصمم موبيليا " ، ف الكرسي هو أول و اهم المفردات الإنسانية الذي يتعامل ب شكل مباشر مع جسم الإنسان ك " تشريح " ، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي " يجلس " ، و بالتالي لابد في تصميم الكرسي ان تتحقق وظيفته ، فكل كرسي يأخذ شكله من وظيفته ، فمثلا الكرسي المخصص ل الجلوس لكي تأكل ، و المعروف ب " كرسي الطعام " أو " كرسي السفرة " ، ف ظهر الكرسي ليس به " درجة ميل " ، ظهر الكرسي زاوية حادة ، و يشبه الي حد كبير الكرسي المخصص ل الجلوس ل المذاكرة و المعروف ب " كرسي المكتب " ، في حين ان كرسي مخصص ل مشاهدة التليفزيون المنزلي يختلف تماما و يأخذ لقب " كرسي فوتيل " ( و هي كلمة فرنسية ) و المقصود كرسي منجد ذو مخادع بغرض الاسترخاء ، و ستلاحظ الفرق في ال كراسي المخصصة ل صالات العرض السينمائي و المسرحي ، بما أنها عامة ، تختلف بدرجة ما مع احتفاظها ل تحقيق الغرض ، و مع ذلك ، يختلف هذا المفهوم ، في كراسي المدرجات المخصصة ل الالعاب الرياضية و المعروفة ب " الاستاد ".

و كان لزاما عليا ان اخذ كل هذه الاعتبارات أثناء التفكير ل عمل " تصميم " كرسي ، و اهم هذه الاعتبارات و أصعبها ، لكي يكون " عمل فني " ، ان يكون جديد و جميل ، بمعنى " اصلي " و احيانا تستخدم ب " أصيل " ، اي ان يكون غير منقول أو مقتبس ، و هذه اهم نقطة في عالم الفن بشكل عام.

و قد كان ، و تفوقت و بشكل بارع في وضع تصاميم ل " الكرسي " ل تحقيق " وظيفة و شكل جميل " من خلال مجموعة تصميمات ل " كراسي " ، كان من ضمن معرض خاص و هذا المعرض منحني جائزة عالمية ك " مصمم " من مؤسسة أمريكية في " نيويورك " معنية ب " ريادة الأعمال ".

اما فيما يتعلق ب " الكرسي " ك " فكر و فلسفة " ، ف طبيعة عملي تجبرني على عمل " رسومات تحضيرية " و المعروفة ب " اسكتشات " ، اختار منهم ما يعجبني ل " تنفيذه " يا في " ورشة النجارة " او في " المرسم " ، و بناء عليه ، عند هذه النقطة ، انظر إلي الكرسي من منظور " روحه الملهمة " ، ف الكرسي له شخصية و يبحث عن شخص ، و العكس صحيح أيضا ، ف هناك شخصية تبحث عن كرسي ، و ب التعبير الدارج " يليق ب مقامها " ، اذن نحن أمام حالة توافقية ، سوف يحددها طبيعة عمل الكرسي مع قدرات و مهارات الشخص ، و الكرسي ضمنا هو يمثل " المكان " ، لأنه ليس هناك ابدا " كرسي في الفراغ " ، بمعنى آخر ، و بمثال توضيحي ، هناك شخص يحلم ان يكون " طبيب اسنان " ، طبيب اسنان ، يعني " كرسي " شهير ، خاص ب عيادة طبيب اسنان له مواصفات معينة ، و بالتالي هذا الكرسي محتاج شخص يوصف ب انه " طبيب اسنان " . في مستوى اخر ، هناك  شخص من الأرياف يحلم ب الوصول إلي المدينة بحثا عن " كرسي حارس عقار ".

و كما هناك شخص يبحث عن كرسي ، هناك أيضا كرسي يبحث عن شخص.

ف هناك كم غير قليل ل ناس وجدوا نفسهم على " كراسي " دون نية البحث و القصد.

و ب التالي ، اذا وجدت شخص جالس على " كرسي مراقبة " على شاطئ بحر أو حمام سباحة ، فنحن لا نعلم ، بيقين ، ما اذا كان هذا الشخص يحلم و يبحث عن هذا الكرسي ، أم أنه فرصة عمل ، كرسي شاغر و يبحث عن شخص يملؤه.

الكرسي ثابت و الشخص متغير ، ف نفس الكرسي يمكن أن يتعاقب عليه شخصيات و يمكننا أن نلاحظ الفرق ، ف بعض الشخصيات أبدعوا في مواقعهم و حققوا نجاحات و انجازات ، عن سائر زملائهم من خلال نفس الكرسي و أشهر مثال على ذلك هو " كرسي الوزير ".

الكرسي ب النسبة لي يمثل الذكر و الترابيزة تمثل الانثى و هي علاقة ازلية ابدية لا يمكن فصلهما ، اما المفارقة الجميلة ، فهي اننا نشاهد دائما مجموعة من  " الكراسي " حول " ترابيزة " واحدة ، و لن نشاهد ابدا عدد من ال " ترابيزات " حول كرسي واحد ، و هو ما دفعني ل تسمية هذا المعرض ب " كراسي السياسي " ، ف السياسة معناها تدبير الشئون ، و هذا معناه ان كل الناس تدير شئونها ، الا انه و بسبب الاعلام ، الكلام عن السياسة هو الكلام عن تدبير شئون الدولة ، تماما كما لو سمعت عن " الكرة " سوف تظن ان الكلام عن " كرة القدم " لأنها الأشهر ، في حين ان كل الالعاب تمارس ب " الكرة " ، نفس الكلام ب النسبة ل " الفن" تظن انهم يقصدون " التمثيل " في حين انه تاريخيا و علميا المقصود ب الفن هو الفن التشكيلي.

و بناء عليه ، السياسي ب النسبة لي ليس من يدبر شئون الدولة ، و لكن من يحسن تدبير شئون حياته و شئون حياة الأخرين ، اي ان يحسن تدبير شئون مجتمعه ، بمعنى أخر هو سياسي دولة " متطوع " هدفه رفع شأن وطنه ، لأن من هم في نظر الشعب و يوصف بأنه رسميا " سياسي دولة " معظمهم قدراته محدودة و انجازاته معدومة و لا نعلم هل هو على " كرسي السلطة " عن جدارة ، أم هو " كرسي شاغر " يبحث عن شخص ، عن اي شخص.

و مع ذلك لا ابخل ب تمرير " فكرة " قد تكون ملهمة ، كان سياسي رسمي أو سياسي متطوع ، وهي انك ايها السياسي عليك ب خلق " كراسي " ، بمعنى فرص عمل ، و استحداث كراسي ، و كيفية التعامل مع " الناس " و مع الكراسي ، و معرفة طبيعة كل شخص و ما يلائمه من طبيعة كل كرسي ،  خاصة فيما يتعلق ب اختيار " مسؤول " ، لأني لو شبهت " مشكلة " ب " مسألة " في علم الرياضيات ، حل المشكلة هو حل المسألة و عادة كي يكون صحيحا هو اتباع خطوات مرتبة متسلسلة و تكون اول خطوة هي اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب هي اول خطوة صحيحة ل حل " المسألة ".

هذا الشخص ، يمكن أن يكون ، و بكل ثقة ، " امرأة " ، ف المرأة على مدار التاريخ ، موجودة حاضرة دائما ابدا على كرسي من الكراسي.

" الكرسي " له سحر و اغراء ، و قد يتكالب الناس عليه خاصة " كرسي السلطة " و يدبرون المؤامرات مما يذهب ب بعضهم خلف القضبان ، أو الي الإعدام ب " الكرسي الكهربائي " 

تلك كانت الفلسفة التي ادهشني بها الفنان أمير وهيب وهو يتحدث عن معرضه المذهل بالوانه وتعابيره ..ربما لا يرى المشاهد والمتابع تعلك المعاني والتعابير وتاخذه والالوان ودقة العمل الفني لكن للأشياء دائما معاني ورموز اخري ينتبه لها دائما عشاق فن التشكيل 

وأمير وهيب فنان تشكيلي مصري ، من مواليد القاهرة في ١٥ يونيو ١٩٦٩ ، تخرج من كلية الفنون الجميلة في القاهرة قسم العمارة الداخلية  سنة ١٩٩٣ و المعروف بقسم " الديكور " ، هو من الفنانين القلائل في العالم الذي يوصف بأنه " فنان تشكيلي حر " ، يعمل كمصصم للديكور و الموبيليا و مصور زيتي و المعروف ب " رسام لوحات " ، له عديد من المعارض الفردية و الجماعية منذ ١٩٩٣ و حتى يومنا هذا في مصر و لبنان و ايطاليا و أمريكا بجانب معرضه الدائم في القاهرة ، و له مشاريع ديكور و معارض خاصة بالتصميم الداخلي و المعروف ب " انتريور دزاين " أيضا في مصر و نيويورك.

 حقق شهرة واسعة في مصر بعدها شارك في معارض دولية بدأ من سنة ١٩٩٧ ، و كان المعرض الجماعي " فن من القلب " في نيويورك و الذي تلقي دعوته بعد اسبوع من حادث البرجين في ٢٠٠١ و الذي انتقل بعدها للعيش في نيويورك هو بداية شهرته علي المستوي الدولي و شارك بعدها في العديد من المعارض الجماعية و اقام عدة معارض فردية في قاعات خاصة في مدينة نيويورك.

الا ان شهرته الحقيقية كفنان عالمي بدأت مع معرضه " رؤية معمارية " في مكتبة نيويورك العامة لمدة ٤ شهور و الذي زاره أكثر من ٢٥ الف زائر على مدار الأربع شهور.

ثم توج هذا المشوار الحافل بالإبداع و يشهد العالم علي تميزه من خلال معرض " ساعات في المدينة " و الخاص ب أبنية تحمل ساعات في نيويورك و الذى نال تغطية إعلامية غير مسبوقة من صحافة و تليفزيون و راديو في نيويورك و دول عديدة.

 الفنان أمير وهيب يعتقد أن أهم حاجة توصل إليها الإنسان هي العمارة ، و حياة الإنسان تعتمد بالدرجة الأولى على العمارة و العمارة مشهورة بالعمارة السكنية إنما العمارة هي كل ما هو مبنى ، و بذلك تكون المدرسة و المستشفى و استاد الالعاب و المطار و النادي و دور العبادة و اي مبنى تصادفه من ضمن " فن العمارة " و من مفردات العمارة " الباب " و " الشباك " و " الكرسي " و هي المادة الأساسية في أعمال الفنان من لقطات داخلية أو خارجية يظهر من خلالها الباب و الشباك و الكرسي.

ف حياة الإنسان ما هي إلا حركة و تحركات من خلال الأبواب بما تحمله من وظيفة مادية نحتاج اليها و معنى رمزي و دلالات ك " أبواب الجنة " و " باب الرزق ".

هذه المفردات هي مفردات إنسانية و تعكس روح الإنسان و شخصيته على المكان كما يعكس المكان شخصيته على الإنسان ، و لتوضيح المعنى المقصود يقول الفنان انه كان في زيارة لمكتب " وزير " و عندما وصل مبنى الوزارة كان هناك " بوابة " ضخمة بها أمن و حراس ، اصطحبه أحدهم إلى مكتب الوزير و عند دخول غرفة الوزير " باب " غرفته كان مصنوع من خشب فاخر و " الكرسي " الجالس عليه فخم و مصنوع من مواد طبيعية مكلفة بالإضافة ان " الشبابيك " تطل على منظر النيل البديع.

و لكن ، عندما زار الفنان عامل بسيط كان يعمل لديهم للاطمئنان عليه لغيابه فترة عن العمل ، لاحظ بساطة المبنى و باب شقته متواضع جدا و الكرسي الجالس عليه واضح عليه استخدام السنين و شباكه يطل على حائط مبنى عشوائي.

 لوحات الفنان أمير وهيب تدور دائما ابدا حول هذا المعنى ، فهو - كما يؤكد - يستطيع معرفة طبيعة و شخصية اي انسان من خلال رؤية هذا الشخص فالمفردات المستخدمة منعكسة على وجهه هذا الشخص ، اذا كان يستخدم كرسي مريح  فوجهه مريح كما يستطيع معرفة درجة جودة الحيز الداخلي الذي يحياه اي انسان من خلال سلوكه. 

بمعنى انك لو جالس في مكان مرتب و منظم سلوكك يكون مرتب و منظم و هذا هو المقصود ب انعكاس شخصية المكان على الإنسان ، أما إذا كنت انسان على درجة من الثقافة و الوعي ينعكس هذا و بوضوح على هذه المفردات في كيفية استخدامها و التعامل معها خصوصا ما يتعلق بالأماكن " العامة " .

التعليقات (0)