-
℃ 11 تركيا
-
13 أبريل 2025
:سجاد الياسري يكتب: (بين التخرج والبطالة المقنعة: حلم مؤجل وطاقة مُهدرة)
:سجاد الياسري يكتب: (بين التخرج والبطالة المقنعة: حلم مؤجل وطاقة مُهدرة)
-
9 أبريل 2025, 2:25:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يمثل يوم التخرج محطة فارقة في حياة كل شاب وفتاة، لحظة تتويج سنوات من الجد والاجتهاد، وبداية لانطلاق الأحلام نحو آفاق سوق العمل. لكن في واقعنا المعاصر، غالبًا ما تصطدم هذه الأحلام بجدار صلب اسمه "البطالة"، لتتحول الفرحة إلى قلق، والطموح إلى إحباط. والأكثر إيلامًا هو ذلك النوع الخفي من البطالة، "البطالة المقنعة"، التي تستنزف الطاقات وتؤجل تحقيق الذات.
البطالة المقنعة، أو "العمالة الناقصة"، هي حالة يكون فيها الخريج شاغلًا لوظيفة لا تتناسب مع مؤهلاته وقدراته، أو يعمل بدوام جزئي رغم رغبته في العمل بدوام كامل، أو يتقاضى أجرًا زهيدًا لا يكافئ جهده. هذه الوظائف غالبًا ما تكون هامشية، لا تساهم في تطوير مهاراته أو خبراته، بل قد تؤدي إلى تآكلها بمرور الوقت.
إن الخريج الذي يجد نفسه يعمل في مجال بعيد عن تخصصه، أو يقوم بمهام روتينية لا تتطلب شهادته الجامعية، يشعر بالإحباط واليأس. يرى أن سنوات الدراسة ذهبت سدى، وأن طاقاته وقدراته لا تُستغل بالشكل الأمثل. هذا الشعور لا يؤثر فقط على نفسيته، بل يمتد ليؤثر على إنتاجيته وولائه للمؤسسة التي يعمل بها، وعلى مساهمته في عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع ككل.
تتعدد أسباب تفشي ظاهرة البطالة المقنعة بين الخريجين. من بينها:
* فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل: غالبًا ما لا تتواكب التخصصات الجامعية مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، مما يخلق فائضًا في بعض المجالات ونقصًا في أخرى.
* ضعف آليات التوجيه المهني: يفتقر العديد من الطلاب إلى التوجيه السليم الذي يساعدهم على اختيار التخصصات المطلوبة في سوق العمل وتطوير المهارات اللازمة لذلك.
* الاعتماد على الواسطة والمحسوبية: في كثير من الأحيان، تلعب العلاقات الشخصية دورًا أكبر من الكفاءة والجدارة في الحصول على فرص العمل المناسبة.
* نقص فرص العمل النوعية: يواجه الخريجون صعوبة في العثور على وظائف تقدم رواتب مجزية وبيئة عمل محفزة وفرصًا للتطور والترقية.
* تحديات الاقتصاد الكلي: الأوضاع الاقتصادية العامة للبلاد تلعب دورًا حاسمًا في توفير فرص العمل للخريجين.
لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة، لا بد من تضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية:
* المؤسسات التعليمية: عليها تطوير المناهج الدراسية لتلبية احتياجات سوق العمل، وتفعيل دور وحدات الإرشاد المهني، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال بين الطلاب.
* الحكومة: يجب عليها وضع سياسات اقتصادية تهدف إلى خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة، ودعم القطاعات الواعدة، وتفعيل دور المؤسسات المعنية بتشغيل الخريجين.
* القطاع الخاص: عليه أن يكون شريكًا فاعلًا في استيعاب الخريجين وتوفير فرص تدريب وتأهيل مناسبة لهم، وأن يعتمد معايير الكفاءة والجدارة في التوظيف.
* الخريجون أنفسهم: عليهم تطوير مهاراتهم باستمرار، والبحث عن فرص التدريب والتطوع لاكتساب الخبرة، والانفتاح على مختلف الخيارات المتاحة، وعدم الاستسلام لليأس.
إن معالجة قضية البطالة المقنعة ليست مجرد مسؤولية اقتصادية، بل هي مسؤولية اجتماعية وإنسانية. فالطاقات الشابة المهدرة هي خسارة فادحة للمجتمع بأكمله. إن توفير فرص عمل لائقة للخريجين ليس فقط حقًا لهم، بل هو استثمار في مستقبل الوطن وازدهاره. يجب أن يتحول حلم التخرج إلى واقع ملموس، وأن تُستثمر طاقات شبابنا في بناء مستقبل أفضل.






