السودان بين طهران وتل أبيب: مَن يملأ فراغ «الحلفاء»؟

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 9 أبريل 2025, 2:34:02 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في مشهد إقليمي متغيّر تتداخل فيه الحسابات الأمنية والسياسية، تعود العلاقات السودانية الإيرانية إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من القطيعة، بينما تتحرك الخرطوم بخطى مترددة نحو استعادة مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وكأنها تحاول اللعب على حبلين في آنٍ واحد، وسط حرب أهلية مزقت البلاد، وأعادت تشكيل موازين القوى داخليًا وخارجيًا.

تقارب الخرطوم وطهران: خطوة اضطرار أم تحول استراتيجي؟

أوردت صحيفة تايمز أوف إسرائيل نقلًا عن هيئة البث الإسرائيلي "كان"، أن “إسرائيل” تشعر بقلق متزايد حيال ما وصفته بـ"تقارب خطير" بين السودان وإيران، منذ أن أعاد رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يوليو 2024، بعد انقطاع دام منذ 2016.

بحسب المصادر، جاء هذا التحول نتيجة خيبة أمل البرهان من عدم تلقي دعم عسكري من “إسرائيل” كما كان يأمل، لا سيما في مواجهة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقد أكدت مصادر سودانية لـ"كان" أن البرهان لم يكن يسعى بالضرورة وراء إيران، بل اضطر إلى ذلك حين تخلى عنه الحلفاء، وعلى رأسهم إسرائيل.

ولعل التعبير الأكثر دلالة على المأزق السوداني ورد على لسان مصدر مقرب من البرهان، قال: "من أجل مصلحة السودان، قد نبرم صفقة حتى مع الشيطان". 

وهو ما يعكس بوضوح براغماتية القيادة السودانية في ظل واقع أمني متدهور وعزلة دولية خانقة.

دور الطائرات المسيّرة والدعم العسكري الإيراني

لا تقف مؤشرات التعاون السوداني الإيراني عند حد التبادل الدبلوماسي؛ فقد كشف تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" في ديسمبر 2024 أن إيران بدأت بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة، وهي نفس التقنية التي استخدمتها في دعم روسيا في أوكرانيا، ما يعكس تصاعدًا في الدور الإيراني داخل القارة الأفريقية، وتحديدًا في منطقة حساسة مثل القرن الأفريقي.

إسرائيل والخذلان المتبادل

إسرائيل، من جهتها، تنظر بعين القلق إلى هذا التقارب، وتراه تهديدًا مباشرًا لمسار "اتفاقات أبراهام"، خصوصًا وأن السودان كان قد وافق عام 2020 على التطبيع بوساطة أمريكية، مقابل رفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلى جانب وعود باستثمارات ومساعدات اقتصادية وتقنية من إسرائيل، لم يتحقق منها الكثير.

وهنا يبرز سؤال مشروع: 

هل كانت إسرائيل جادة يومًا في دعم السودان، أم أنها اعتبرته مجرد ورقة دبلوماسية ضمن صفقة سياسية أكبر؟

زيارة سرية لإسرائيل: هل هي محاولة ترميم العلاقة؟

في خضم هذا التوتر، كشف موقع i24news الإسرائيلي، نقلًا عن موقع "الراكوبة" السوداني، أن مبعوثًا شخصيًا للبرهان، هو اللواء صادق إسماعيل، قام بزيارة سرية إلى تل أبيب الأسبوع الماضي، حاملاً رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "الخرطوم لا تزال مهتمة بإتمام مسار التطبيع ضمن اتفاقات أبراهام".

ووفقًا للمصدر، حاول المبعوث تبرير التقارب مع إيران بأنه جاء تحت وطأة الضرورة لا أكثر، وأن السودان لا يزال يأمل في وساطة إسرائيلية لإعادة العلاقة مع الإدارة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة. وهذا ما يعكس بوضوح أن البرهان لم يغلق الباب نهائيًا في وجه تل أبيب، بل يسعى إلى إعادة تفعيل المسار الإبراهيمي عبر البوابة الإسرائيلية.

رسائل الزيارة: ضغط دبلوماسي أم استغاثة؟

هذه الزيارة السرية تعكس أحد أمرين: إما أن الخرطوم تمارس نوعًا من الضغط الدبلوماسي على إسرائيل والغرب، من خلال التلويح بالتقارب مع إيران، أو أنها بالفعل في مأزق وتبحث عن "قشة النجاة" عبر استعادة علاقات التحالف السابقة. وفي الحالتين، فإن الرسالة واضحة: السودان لا يزال لاعبًا فاعلًا في المعادلة الإقليمية، وإن كان في وضع هشّ.

ما بين طهران وتل أبيب: البرهان في مفترق طرق

يمكن القول إن البرهان يجد نفسه اليوم بين خيارين صعبين:

الاستمرار في التقارب مع إيران، مع ما يحمله ذلك من دعم عسكري وميداني فوري، لكنه محفوف بمخاطر فقدان الدعم الغربي والخليجي، وربما مواجهة عزلة أعمق في المستقبل.

أو العودة إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي-الإماراتي، بما يتطلب تقديم تنازلات سياسية وإعادة تموضع إقليمي، وربما القبول بشروط قد لا تكون مواتية في ظل المعطيات الميدانية الحالية.

أي مصير لاتفاقات أبراهام؟

أمام هذه المعطيات، يبقى مصير اتفاقات أبراهام معلقًا بخيط رفيع. فالتطبيع بين السودان و"إسرائيل" لم يكتمل فعليًا رغم الإعلان الرسمي عام 2020، وظلت العلاقات تراوح مكانها في ظل الفوضى الداخلية. واليوم، مع دخول إيران على خط المعادلة، قد يتحول السودان إلى ساحة صراع غير مباشر بين أطراف إقليمية ودولية، تدفع ثمنه شعوبه المنهكة.

خلاصة: مَن يملأ فراغ الحلفاء؟

السؤال الأهم الذي يفرض نفسه اليوم هو: 

هل تخلت إسرائيل والولايات المتحدة فعليًا عن السودان؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فهل ستترك الساحة لإيران دون مقاومة؟

وفي المقابل، هل ينجح البرهان في تحقيق توازن صعب بين طهران وتل أبيب، أم أن هذا التذبذب سيدفعه إلى خسارة الطرفين في نهاية المطاف؟

ما هو مؤكد حتى اللحظة، أن السودان أصبح ورقة مهمة في صراع النفوذ الإقليمي، وأن سياساته الخارجية تُعاد صياغتها تحت ضغط البندقية، لا الدبلوماسية.

ملحق زمني: السودان بين إيران و"إسرائيل"

 

1991-2015

توثّقت العلاقات بين السودان وإيران، حيث قدمت طهران دعمًا عسكريًا وأمنيًا كبيرًا لحكومة البشير، وشكّلت ميناء بورتسودان مركزًا لنقل الأسلحة إلى حماس عبر السودان.

2016

السودان يقطع العلاقات مع إيران تضامنًا مع السعودية بعد الهجوم على سفارتها في طهران، ويبدأ تقاربه مع المعسكر الخليجي والغربي.

أكتوبر 2020

إعلان رسمي عن اتفاق تطبيع بين السودان و"إسرائيل"، ضمن "اتفاقات أبراهام" بوساطة أمريكية، مقابل رفع السودان من قائمة الإرهاب.

2021-2022

العلاقات بين السودان و"إسرائيل" تبقى فاترة وغير متطورة، في ظل تعثر الانتقال الديمقراطي في السودان وغياب الدعم الدولي.

أبريل 2023

اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما يعيد السودان إلى دائرة النزاعات الداخلية ويضعف علاقاته الخارجية.

يوليو 2024

البرهان يعلن رسميًا عودة العلاقات مع إيران. تقارير لاحقة تؤكد تزويد طهران للجيش السوداني بطائرات مسيّرة.

أبريل 2025

الكشف عن زيارة سرية لمبعوث البرهان إلى تل أبيب، في محاولة لإحياء مسار التطبيع وطلب وساطة "إسرائيلية" مع واشنطن وأبوظبي.

التعليقات (0)