عبدالعزيز عاشور.. يكتب : راضع معارضة

profile
  • clock 26 مارس 2021, 2:31:40 ص
  • eye 1369
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رمقنى بنظرة فاحصة تحمل من الود بقدر ما تحمل من التعجب وقال :

هو انت يا أخى راضع نقد ومعارضة ؟؟

كل حاجة تطلع فيها القطط الفاطسة ؟

انطلقت ضحكة مجلجلة منى فى زمن عز فيه الضحك من القلب وقلت له :

تصدق فعلا يا أخى وكأننى مفطور على ملاحظة الخلل والنقص قبل ملاحظة غيرهما ..

أمال لو عرفت اللى كان بيحصل زمان تقول ايه ؟

هو : زمان امتى يعنى ؟

انا : زماااان ..  

 فى الستينات وما أدراك ما الستينات ..

  كنت قد تدرجت فى التعليم الاعدادى 

  والثانوى وبدأ شعور الفتى المتمرد ينمو 

       بداخلى .

   كان أبويا الله يرحمه ينادينى بلقب :  زعيم حزب جاحال ..

هو : ايه حزب جاحال ده ؟؟

 أنا : حزب جاحال ده يا سيدى ساعتها كان حزب 

       المعارضة فى اسرائيل ..

       وكان زعيمه مناحم بيجين ..

       ( صديق السادات في السبعينات ) ..

        يعنى أبويا كان بيشبهنى وقتها بمناحم 

        بيجين باعتباره زعيم المعارضة !!! 

هو : عايز تقول لى إن عمى الحاج كان يعرف 

       حزب جاحال المعارض فى اسرائيل 

        ومناحم بيجين كمان ؟

أنا : فين المشكلة ؟

هو : معلوماتى ان أبوك مكانش له فى 

       السياسة ..

أنا : فعلا مكانش له فى السياسة لكن الظروف 

       تحكم ..

هو : ظروف ايه بقى ؟

أنا : شوف يا سيدى ..

       بقى أنا كنت فرد فى أسرة مكونة من سبعة 

       افراد ..

      الاب والام وأربعة من الأولاد وبنت واحدة ..

      كنت فى كثير من الاحوال رغم صغر سنى 

      معارضا لقرارات أبى ..

      وكانت معظم معارضاتى تأتى على هوى 

      أمى رحمها الله والتى كان يعتبرها أبى  

      شريكتى فى الحزب ..

      طبعا معارضة بكل أدب ..

      زى دلوقتى كده ..

ورغم ان المعارضة كانت ضد قرار أبى الا أنه دوما كان يعيد التفكير فى قراره وكثيرا ما كان يعدل عنه كليا او يعدل من بنوده ليتوافق مع طلبات المعارضة ..

ولم تكن تسميته لى بزعيم حزب جاحال استنكارا بل كانت زهوا بولده الذى لا يتقبل كل ما يملى عليه ولو كان من أبيه ..

على فكرة كان ترتيبى بين الإخوة الثانى ..

بس عشان أصحابنا اللى بيدافعوا عن كل حاجة وكل حد عمال على بطال يعذرونى زى ما أنا باعذرهم على مضض وأنا بأعصر على كلامهم كيلو ليمون ..

تقول بقى يا سيدى .. ايش عرف ابوك بحزب جاحال وانتو عايشين فى قرية صغيرة وابوك كمان لم يكن حاصلا حتى على شهادة الابتدائية  ؟

اقول لك ..

قريتنا كانت محرومة من الكهربا والكهربا لم تصل اليها الا يوم ٣٠ يونيو ١٩٧٠ ..

لكن كان فيه اربع او خمس بيوت فى البلد عندهم راديو سلك وبيتنا كان واحد منهم ..

هو : ايه راديو السلك ده ؟

أنا : أشنف آذان سعادتك ..

       تعرف الميكروفون الكبير اللى بيقولوا عليه 

      ( هورن )..؟؟

كان عندنا واحد متركب على سماعة صغيرة ..

والسماعة موصولة ب سلك نحاس ..

والسلك طالع على سطح البيت ومنه للحارة ومنها الى الغيطان ليتم ربطه أعلى أقرب نخله ..

أقرب نخلة كانت على بعد حوالى ١٠٠ متر ..

والسلك ده بيجيب لنا إرسال الاذاعة المصرية 

 اللى على فكرة كان بيننا وبين محطة الارسال فى ابوزعبل عدة كيلومترات ..

آى والله .. 

وكانت مشكلتنا لما الريح يشتد والسلك يتهز وصوت الراديو يروح وييجى على حسب الريح ما يودى الريح ..

ده غير ان جارنا الله يرحمه عم أحمد منصور صديق ابويا الصدوق كان رجل يحب الثقافة ويشترى جورنال الاهرام كل يوم ..

ويا سلام لما كنت تشوفه وهو قاعد الصبح فى الشمس يوم الجمعة وهو مستمتع بقراءة مقال حسنين هيكل ( بصراحة ) ..

مع انه برده مكانش متعلم زى صاحبه بالضبط ..

عشان كده كان ابويا عنده مصدرين للمعرفة ..

الراديو وصديقه ..

ومن هنا عرف ان حزب المعارضة فى اسرائيل اسمه حزب جاحال ..

عرفت الحكاية يا سيدى ؟

وعرفت ان الحكاية قديمة قوى منذ الصغر ..؟

هو : الله يكون فى عون اللى يقع تحت ايدك ..

انا : عايز اللى كان بيعمل كده مع أعز الناس عنده وهو لسه فى مقتبل العمر يعمل مش واخد باله من المصايب اللى بتحصل قدامه بعد ما كبر واتعلم وحصل على شهادتين جامعيتين واتمرمط وسافر واكتسب معارف وخبرات ؟

هو : مصايب ايه بس هو انت لازم تكبر كل 

       حاجة كده ؟

أنا : يا راجل خاف ربك ..

       مش شايف التفريط فى الارض حاجة 

       كبيرة ؟

هو: تفريط ايه يا عم ؟

انا : ايه ده هيا نار التفريط فى جزيرتين استراتيجيتين لصالح العدو الصهيونى عبر المحلل السعودى لسه بردت ؟

واللا منح الشرعية فى نفس السنة لبناء سد النهضة بالتوقيع على اتفاقية المبادئ وتعريض البلد والشعب لخطر وجودى شايفه أمر هين ؟

واللا إغراق البلد فى الديون وإنفاقها فى كل هذا العبث وتعريض البلاد لاحتمال الإفلاس شايفه مجرد جنحة مش جناية عظمى ؟

عايزنى أشوف كل ده وأكبر دماغى وأعمل أعمى ؟؟؟

هو : أنا يا عم مكبر دماغى أما انت بقى الله 

        يكون فى عونك ..

أنا : تشكر يا عم وعلى الله تتغاظ منى تانى عشان شايفنى دايما معارض ..

ونصيحة منى دايما انتبه لنصف الكوب الفارغ رغبة وسعيا لجعله ممتلئا  ..

ويا حبذا لو انتبهت للخدوش اللى فى الكوباية كمان ..

أدام الله عليك وعلينا نعمة اليقظة والإدراك ..

وانتهى حوارنا ولم يتوقف صاحبنا عن التعجب والدهشة ..

التعليقات (0)