د. رائد الشرقي يكتب: عودة الكاظمي: إشارات سياسية ورسائل دبلوماسية

profile
د.رائد الشرقي كاتب وأكاديمي عراقي
  • clock 27 فبراير 2025, 5:18:29 م
  • eye 57
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. رائد الشرقي

شهد العراق منذ عام 2003 تغيرات سياسية متلاحقة أثرت على استقراره الداخلي وعلاقاته الخارجية. وفي ظل الأزمات المتكررة برزت شخصيات سياسية حاولت إيجاد توازن بين القوى المتصارعة داخليًا وخارجيًا، ومن بينهم مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الوزراء في فترة حساسة من تاريخ البلاد (2020-2022). بعد خروجه من السلطة وانسحاب التيار الصدري من البرلمان، تفرد “الإطار التنسيقي” بالحكم لكن إدارته واجهت تحديات داخلية وخارجية عديدة لا سيما ضعف العلاقات الدبلوماسية وتمسكه بالفصائل المسلحة.


اليوم وفي ظل تحولات إقليمية ودولية مهمة، عاد الكاظمي إلى العراق، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عديدة مايطرح تساؤلات حول الدور الذي قد يلعبه مستقبلاً، سواء في ترتيب العلاقات الدولية أو التحضير لمرحلة سياسية جديدة داخل البلاد.


بعد خروج الكاظمي من السلطة، تولى “الإطار التنسيقي” مسؤولية الحكم، وهو تحالف سياسي يضم فصائل موالية لإيران ويؤمن بضرورة استمرار دعم الجماعات المسلحة كجزء من منظومة الحكم. ورغم محاولات الحكومة الحالية تحقيق استقرار داخلي، إلا أن هناك نقاط ضعف واضحة في سياساتها الخارجية، حيث تراجعت العلاقات الدولية للعراق مقارنة بفترة حكم الكاظمي، الذي كان يتمتع بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، سواء في المحيط الإقليمي أو الدولي.


كما أن العراق لا يزال يواجه تحديات أمنية وسياسية بسبب استمرار نشاط الفصائل المسلحة، التي ترفض نزع سلاحها أو دمجها بشكل كامل في الدولة، مما يُبقي البلاد في حالة من عدم الاستقرار. ومع تصاعد الضغوط الدولية وتهديدات ترامب بفرض عقوبات جديدة على العراق بات واضحًا أن هناك حاجة إلى إعادة النظر في سياسات العراق الخارجية خصوصًا في ظل التغيرات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا مثل التطورات في سوريا ولبنان وانخفاض نفوذ بعض القوى الإقليمية. فقد شهدت المنطقة تحولات استراتيجية كبيرة حيث فقدت إيران جزءًا من نفوذها التقليدي في سوريا ولبنان بعد تراجع قوة حلفائها هناك مما جعل العراق الساحة الأهم لمواصلة نفوذها الإقليمي. في المقابل يراقب المجتمع الدولي التطورات عن كثب ويضغط لإحداث توازن في العراق دون اللجوء إلى التدخل العسكري كما حدث في دول أخرى.


وصلت المفاوضات بين الحكومة العراقية والمجتمع الدولي بشأن قضايا مثل الحد من نفوذ الفصائل المسلحة وإعادة ترتيب العلاقات الخارجية إلى طريق مسدود، بسبب رفض بغداد تقديم تنازلات واضحة في هذا الملف. ومع تعقد المشهد برز اسم مصطفى الكاظمي كشخصية سياسية يمكن أن تلعب دورًا في إعادة ترتيب الأوراق، نظرًا لعلاقاته القوية مع دول غربية وعربية فضلًا عن خبرته في إدارة الأزمات.
خلال فترة حكمه كان الكاظمي يتمتع بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف حيث نجح في تعزيز الروابط مع دول الخليج والولايات المتحدة، مع الحفاظ على علاقة عملية مع إيران. هذه السياسة جعلت العراق يلعب دور الوسيط في بعض القضايا الإقليمية مثل التقارب السعودي-الإيراني، وهو ما أكسبه احترامًا دوليًا.


في ظل الحاجة الحالية لإعادة رسم السياسة الخارجية للعراق فإن عودة الكاظمي قد تكون خطوة لتجديد العلاقات مع الأطراف الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة ودول الخليج، التي تسعى إلى دعم حكومة عراقية أكثر توازنًا وأقل خضوعًا لنفوذ الفصائل المسلحة.


قد يسعى الكاظمي للعودة إلى المشهد السياسي من خلال خوض الانتخابات القادمة، سواء عبر تشكيل تحالف جديد أو دعم قوى سياسية ناشئة تسعى إلى تقديم بديل عن القوى التقليدية. هذا الخيار قد يكون صعبًا في ظل استمرار نفوذ الإطار التنسيقي، لكنه ممكن إذا حصل على دعم إقليمي ودولي .


وفي حال لم يترشح للانتخابات، قد يلعب الكاظمي دور المستشار السياسي أو الوسيط بين القوى المختلفة، مستفيدًا من علاقاته القوية مع المجتمع الدولي. هذا الدور قد يجعله شخصية مؤثرة في المشهد السياسي دون أن يكون في موقع تنفيذي مباشر. فهل سيكون قادرًا على التفاوض مع القوى المسيطرة حاليًا على الحكم؟ وهل لديه قاعدة سياسية كافية داخل العراق لدعمه في أي خطوة مستقبلية؟ وهل ستدعمه القوى الإقليمية والدولية بشكل كافٍ للعب دور مؤثر؟


عودة مصطفى الكاظمي إلى العراق ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل هي خطوة تحمل رسائل سياسية ودبلوماسية واضحة سواء فيما يتعلق بترتيب العلاقات الدولية أو بإعادة التوازن إلى المشهد الداخلي. في ظل الأوضاع الحالية قد يكون للكاظمي دور محوري سواء من خلال خوض الانتخابات القادمة أو عبر لعب دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة.


ويبقى السؤال الأهم: هل يستطيع العراق تجاوز أزماته السياسية عبر حلول سلمية، أم أن التغيير سيظل مرهونًا بمواجهات داخلية وصراعات إقليمية مستمرة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن ذلك.
باحث في الشأن السياسي


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)