- ℃ 11 تركيا
- 26 ديسمبر 2024
د. ايمن منصور ندا يكتب : الخرافات والأساطير المؤسسة للإعلام المصري ( ٢ - ١٠)
د. ايمن منصور ندا يكتب : الخرافات والأساطير المؤسسة للإعلام المصري ( ٢ - ١٠)
- 5 يوليو 2021, 10:15:05 م
- 1221
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شهادة على العصر
الإعلام الناقص وسنواته العجاف!
"والذي يتبع الخرافات يتعب"!
على الرغم من أن العالم قد دخل بقوة في عصر المعرفة والانفجار المعلوماتي منذ منتصف القرن الماضي، فإنَّ هناك كثيراً من الأساطير والخرافات لا تزال تسيطر على تفكيرنا في عديد من القضايا.. وكل أسطورة/ خرافة تبرر ما تحتها من تصرفات، وتمهد لها.. ولأن الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً، وعَجولاً، فلا "ينبذ خرافة إلّا ليعتنق أكبر منها" على حدّ تعبير "ميخائيل نعيمة".. وإذا كان البعض "يناضل للتحرر من الخرافات"، فإن البعض الآخر كما يشير" فايسلاف برودزينسكي" " يناضل لتحرير الخرافات وتمكينها"، حتى أن "نابليون بونابرت" كان يعتقد أن "التاريخ في مجمله خرافات يصدقها الناس"..
كثير من الكيانات الفكرية القائمة في حياتنا الحالية هي نتاج بعض التصورات الأقرب إلى الأساطير والخرافات.. وهو ما أشار إليه المفكر الفرنسي الشهير "روجيه جارودي" في كتابه الشهير "الأساطير/ الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" (1995)، والذي أشار فيه إلى أن السياسة الإسرائيلية في مجملها تقوم على عدة أفكار خيالية (أساطير/ خرافات) لا دليل على وجودها في الواقع ولا أصل لها إلا في رؤؤس كتابها، مثل أسطورة الوعد، وأسطورة شعب الله المختار، وأسطورة معاداة السامية، وأسطورة المعجزة الإٍسرائيلية (على غرار المعجزة اليابانية)، وبالطبع أسطورة الستة ملايين يهودي في محرقة الهولوكست!!
والناس على دين وسائل إعلامهم، فإن استقامت وسائل إعلامهم استقاموا، وإن صلحت صلحوا.. وإن قامت هذه الوسائل على الخرافات والأساطير جعلت حياة الناس واقعاً مزرياً، وأصبحت العقلانية نسياً منسياً.. كان "فولتير" يرى أن "من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع"، ووسائل الإعلام تقوم بذلك دائماً وتجبرنا عليه، في عصر أصبح مليئاً بكثير من الخرافات، أو كما يشير الشاعر العراقي "أحمد مطر" في إحدى لافتاته: "والمذيعون خِرافٌ، والإذاعات خرافة، وعقولُ المستنيرين صناديقُ صرافة، كيف تأتينا النَّظافة؟"!
السياسات الإعلامية المصرية في السنوات الأخيرة تقوم أيضاً على عدة أساطير/ خرافات.. ليست المشكلة فيها في حدّ ذاتها، وإنما في النتائج والتطبيقات المترتبة عليها.. إذ تمثل هذه الخرافات "الأطر النظرية" المفسرة للممارسات، و"الخلفيات المرجعية" الموضحة لها.. وهي التي تحدد توجهات الإعلام وتحكم مخرجاته..
المخصي والمقصي والمنسي
أولاً: خرافة "الإعلام المخصي" ضرورة : كانت ظاهرة الإخصاء منتشرة في العصور القديمة والوسطى مع العبيد والخدم.. ذهبت الفكرة بمعناها المادي، وبقيت تطبيقاتها النفسية.. فكرة الحرملك والسلاملك لا تزال موجودة في مجال الاعلام.. الإعلاميون المخصيون هم من يستطيعون التعامل مع النظام ويدخلون غرفه الخاصة (منطقة الحرملك) دون خوف منهم أو تثريب عليهم.. الرجال (غير المخصيين) يظلون في (منطقة السلاملك)، هم المغضوب عليهم وهم الضالون..
فكرة إخصاء الآخرين خاصة المعارضين فكرة عادية عبر التاريخ، وقد تكون مقبولة لدى البعض في ظروف معينة.. غير أنَّ "النكتة" حالياً هي في شيوع مفهوم "الإخصاء الذاتي"؛ كأن يقوم البعض بعملية إخصاء لنفسه حتى يبدو مناسباً للمهنة .. والأدهى والأمر والأكثر إضحاكاً أنهم يدعون الآخرين إلى الاقتداء بهم وتقليدهم.. وفي ذلك يتم استخدام مصطلحات براقة.. بعضنا يستخدم مفردات من قبيل "الإكرامية" أو "الشاي" تعبيراً عن الرشوة.. و"الاستقرار" بديلاً عن "الجمود".. وبعض الإعلاميين يستخدمون مصطلحات "الوطنية"، و"مساندة الدولة"، و"الاصطفاف" في تبرير الإخصاء الذاتي المتعمد.. يافطات جميلة تعبر عن تصرفات قبيحة.. ولا مشاحة في الاصطلاح كما يشير أهل التراث!!
فكرة أن الإعلام المخصي مأمون العواقب غير صحيحة، والاعتقاد في أنه وبهذه الطريقة يتم حماية مقدسات السلطة وشرعيتها المصونة وهمٌّ وأكذوبة وخرافة.. التاريخ يقول لنا عكس ذلك.. ورغم ذلك تظل الأسطورة قائمة ومتجددة! وكأنه مكتوب علينا أن نجرب كل شيء من جديد!.. سُئِلَ "العقاد" عن فنانة مشهورة حينذاك: "هل صحيحٌ أنها لا تزال آنسة؟" فأجاب: "كلُّ من تزوجها قال ذلك"! .. ولسنا في حاجة لسؤال المسئولين عن جدوى سياسات الحجب والإقصاء في زمن الإخصاء، فكل من جربها قال إنها ناجعة وناجحة!!..
ثانياً: خرافة الوطنية تعني التأييد المطلق (المعارضة المقصية).. المناقشة والفهم خط أحمر بالنسبة للإعلام المصري في السنوات الأخيرة.. شعار "لا تناقش يا أخ على وإلا وقعت في المحظور" أصبح منتشراً في كل الموضوعات الجادة المصيرية.. إذا أردت أن تناقش فيمكنك مناقشة الموضوعات المتعلقة بالبوركيني في مقابل البكيني، وهل تقبل "شيرين" اعتذار والد "حسام حبيب" أم لا.. وغيرها من القضايا المهمة!! مناقشة استراتيجيات الدولة إزاء السد الإثيوبي ومدى نجاحها، ومناقشة أولويات الإنفاق الحكومي وجدواها، والسياسات الاقتصادية وتأثيرها على بنية المجتمع المصري، هي قضايا خارج نطاق النقاش في وسائل الإعلام.. ومطلوب الموافقة التامة والصريحة عليها.. وإلا كانت وطنيتك ناقصة.. الاتفاق التام أو الموت الزؤام..
نعيب على الإخوان كونهم خرافاً ينساقون وراء كلام قادتهم بلا نقاش.. ونقع في العيب نفسه.. "كَحامِلٍ لِثِيابِ الناسِ يَغسِلُها... وَثَوبُهُ غارِقٌ في الرِجسِ والنجس".. "لقد وقعنا في الفخ" يا سادة.. وأصبح المطلوب هو التوقيع على بياض، وإلا أصبحت السلعة خارج الضمان، وأصبحت الوطنية مشكوكاً في صحتها..
ثالثاً: خرافة الجمهور الراضي.. القانع .. الممتن.. (الجمهور المنسي).. في غياب القياسات الدورية المنشورة والمعلنة عن مستويات الرضا العام لدى الجمهور، تصبح أحكام المذيعين هي معيار رضا الناس وأساس الحكم.. من يحيطون بأحمد موسى يؤكدون له أن الأوضاع مية مية.. والقريبون من "الديهي" يكادون يقسمون بأنهم يعيشون أزهى فترات حياتهم.. ومعارف "تامر أمين" أعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما يتبرعون به للتعبير عن حبهم لمصر..
الجمهور المنسي في وسائل إعلامنا يظهر في غياب استطلاعات الرأي التي تقيس درجة رضاهم عما يقدم لهم، ودرجة تصديقهم للمضامين الإعلامية، وثقتهم فيها.. كل إعلامي يرى أنه يعبر عن الناس الأصليين وما عداه "باطلٌ وقَبْض الريح".. وكل مذيع يرى نفسه على وصال مع الجمهور الحقيقي، ويمني نفسه بالقرب منهم، وما يرى سوى سراب يحسبه الظمآن ماء (وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى... وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا)..
بعض صحفيينا يتحدثون بشغف عن جمهور الصحافة الذي يترقب بشكل دائم صدور صحفهم بحثاً عن الأخبار الصادقة، والتحقيقات الجريئة، والمقالات النارية في الصحف المصرية.. وبعضهم يتحدث عن النهضة غير المسبوقة التي حدثت للصحافة المصرية مؤخراً.. وما يدور في ذهني وأنا اسمع هذه التصريحات وغيرها هو محاولة تخمين نوع "حبوب الهلوسة" التي يتعاطاها هؤلاء، وهل سبق لهم زيارة أفغانستان والحصول على قطعة حشيش أفغاني معتبر أم لا؟!
هذه الخرافة المنتشرة لدى عدد غير قليل من الإعلاميين جعلتهم يعتقدون في أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.. وأنه إذا تم استبدالهم بغيرهم فلن يستطيعوا القيام أكثر مما يستطيعون.. إنها جرأة الجاهل لا شك، وخفة دم السكارى بلا جدال.. هل رأى الإعلاميون سكارى بيننا؟!!
أمجاد يا عرب أمجاد
رابعاً: خرافة إعلام الحرب الدائمة.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في وسائل الإعلام.. أية مطالبات على غير الهوى هي خروج على مقتضيات حالة الحرب.. أي معارض هو "طابور خامس" و"عميل" يفت في عضد الأمة.. المتخصصون في حروب الجيلين الخامس والسادس في وسائل إعلامنا أكثر من المتخصصين في كيفية مواجهة الآثار المترتبة على السد الإثيوبي أو النتائج المترتبة على اتساع دائرة الفقر والعوز بين المصريين.. الإعلام المصري أقرب إلى توصيف العبقري "سعيد صالح (مرسي الزناتي)": "مارشات عسكرية وقرآن".. جنرالات "التوك شو" وقادة البرامج الحوارية يرتدون زي الحرب ويعلنون النفير العام في كل مكان..
المؤكد يا سادة أننا لسنا في حالة حرب.. هي ظروف (طبيعية) تمر بها كلُّ الدول في كل الفترات التاريخية.. تشتد أحياناً، وترخو أحيانا.. "تَعَبٌ كلُّها الحياة" كما يشير "المعريُّ"، وتحدياتٌ كلُّها أمام الدول في إطار "لعبة الأمم" كما يشير "كوبلاند".. دلني على سنة واحدة أو فترة محددة لم تتعرض فيها دولة عبر تاريخها لما نتعرض له؟.. لا توجد مباراة ليس فيها فريقان متنافسان.. حتى "التقسيمة" تحتاج إلى فريقين! .. الغريب، أن الدول التي في حالة حرب حقيقية تحاول إيهام شعوبها بأنها تمر بظروف عادية، وأن "كلَّ مُرٍ سوف يَمُرُّ".. وأن الأحوال سوف تعود بسرعة إلى حالتها الطبيعية will return to normal .. وليس العكس.. كان "هارون الرشيد" يحج عاماً ويغزو عاماً .. ومجاهدونا الإعلاميون يغزون العمر كله!
خامساً: خرافة الولاءات المتعددة ضمانة للاستمرار.. لا يوجد نظام ينتمي أبرز مؤيديه إلى أكثر من نظام سياسي، ويرتبطون بمصالح مادية وسياسية مع أطراف داخلية وخارجية، ويعبرون بوضوح عن هذه المصالح والارتباطات مثل الإعلام المصري في وقته الحالي.. بعض أبرز المؤيدين يعملون في قنوات تابعة لدولة أجنبية واحدة، وبالتالي ينقسم ولاؤهم بين مصر وهذه الدولة الأخرى، ويتم تحاشي أية موضوعات خلافية بين الدولتين.. وبعض المؤيدين يعملون في قنوات لها مصالح مع أكثر من دولة أجنبية إضافة إلى مصر (الولاء الثلاثي أو الرباعي).. وبالتالي يتم القفز على الأشواك، وتجاوز أية موضوعات شائكة بين مصر وهذه الدول..
بعضُ من يعبرون عن النظام السياسي بشدة ويعتبرون لساناً رسمياً له، يخدمون أطرافاً أخرى داخلية.. وهنا تصبح المواءمة قائمة بين التوجه السياسي للمذيع ومتطلبات السبوبة الشهرية.. ونجاح المذيع تعتمد على قدرته على خدمة السيدين المتوافقين، وعلى توظيف علاقاته للتوفيق بين هذه المصالح المتعارضة أحياناً..
الوطنية لا تستقيم مع تعدد الولاءات.. ولا مع الحسابات المزدوجة والمتعددة.. لا تستطيع قناة مصرية أن تبث برنامجاً موجهاً لدولة عربية أخرى تتناول شئونها الداخلية.. ولا يوجد مذيع عربي واحد من أية دولة شقيقة يوافق على تقديم برنامج "توك شو" عن الأحوال في هذه الدولة من مصر.. هناك من الإعلاميين من يعتقد أن الاحتماء بدول أخرى أنفع وأجدى .. وهو ما ثبت جداوه بالفعل خلال السنوات الأخيرة..
حسابات "جحا"
سادساً: خرافة إدارة المشهد الإعلامي أمر سهل وميسور.. على الرغم من كون الملف الإعلامي هو أكثر ملفات الدولة تعقيداً وأكثرها تشابكاً مع جوانب الحياة كافة، وحاجته إلى شخصيات عابرة للتخصصات، ومتعددة المواهب والقدرات، فإن تحليل طريقة اختيار القيادات الإعلامية في مستوياتها كافةً يشير إلى أن الأمر قد أُوكِل إلى غير أهله.. القاسم المشترك في الاختيار هو الفشل الذريع لأصحابها في المواقع السابقة عليها، وتواضع الإمكانات الإعلامية لهم كتابةً وإدارةً وحضوراً.. والأهم إجادة إظهار الولاء حتى ولو كان زائفاً، والإصغاء حتى ولو كان بلا فهم .. ومن كان في "معية" النظام، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون!
يقولون إن الجلوس على الكرسي يجعل الأمور تدور تلقائياً.. ولن ينكشف الأمر إلا بعد حين.. ساعتها يمكن أن نختلق الأعذار المختلفة، أو نجهز التبريرات المناسبة منذ البداية.. كما فعل "جحا" حين وافق على تعليم "حمار الملك" اللغة العربية، واشترط مقابل ذلك راتباً كبيراً وفترةً زمنيةً طويلة: أمَلاً في موت الحمار، أو موت الملك، أو موته هو شخصياً قبل تحقيق المهمة!!
سابعاً: خرافة الإعلام لا يحتاج إلى دراسة أو تدريب.. تحليل أداء أبرز الأسماء الإعلامية الموجودة على الساحة قد يسمح لنا بالتعميم على كراهيتنا له: "ممارسة الإعلام لا تحتاج إلى موهبة أو شهادة، بل تحتاج إلى "ليونة"، و"خفة يد" .. المواصفات القياسية للأداء غير موجودة في كثير منهم، والسمات الإقناعية الأساسية غير متاحة لديهم.. هذه "الخيارات" لا توجد في هذه النسخة من المذيعين والإعلاميين الحاليين.. مؤكدٌ أنَّ من اختارهم للقيام بهذه الوظيفة له وجهة نظر، ولديه تصورات قد لا يدركها المتخصصون ممن أضاعوا عمرهم في دراسة الإعلام أو ممارسته.. ومؤكدٌ أيضاً أن هناك قصوراً مزدوجاً لدى كل من الخبراء الممارسين، والأكاديميين الدارسين.. وأن لديهم "عشى علمي" يحول دون إدراكهم للخصائص الحقيقية للإعلام الناجح.. حكى الأستاذ "عمرو أديب" في برنامجه مؤخراً أن فتاة طلبت منه إيجاد أية فرصة عمل لها معه، حتى ولو كانت أن تقوم بدور مذيعة!! لا فرق إن حدث ذلك!
الأصل أن يكون لكل وظيفة مسمى معين وتوصيف محدد.. كل مسمى وظيفي يتطلب مواصفات معينة، ويحقق غايات محددة.. ويستطيع أي شخص أن يحقق هذه الغايات ما دام لديه هذه المواصفات.. في بعض الاحيان تبرز أسماء بعض الشخصيات باعتبارها وظيفة في حد ذاتها.. الاسم وظيفة يختزل كثيراً من الأدوار والوظائف ويعتبر علامة مميزة.. "محفوظ عجب"، و"محجوب عبد الدايم"، و"الباز أفندي" ليست أسماء لشخصيات عابرة، بل هي تعبير عن نسق فكري، ونظام حياة، لكثيرين، بحيث يصبح كل اسم منها "علامة تجارية" دالة على المنتج..
في المجال الإعلامي.. هناك عديد من الأسماء التي لا ينطبق عليها لفظ "مذيع" أو "صحفي" بالتوصيف الوظيفي لهذه المهن.. كل اسم من هذه الأسماء هو وظيفة في حد ذاته .. فمثلاً يمكن أن تشتغل (اختر ما تشاء من أسماء مشهورة)؛ فكل اسم من هذه الأسماء وظيفة في حدّ ذاته.. صحيح هناك نقاط التقاء وقواسم مشتركة بينهم، غير أنه لا يوجد توصيف وظيفي رسمي ومقبول لوظيفة كل منهم.. وما يقوم به هؤلاء لا علاقة له بالإعلام.. له مسميات أخرى قد لا يكون من المناسب الإفصاح عنها على الملأ .. لأسباب رقابية!!
إعلام المهرجانات
ثامناً: خرافة المهرجانات أسلوب حياة.. في منشور للإذاعي القدير الأستاذ عمر بطيشة على صفحته على موقع الفيسبوك ( 22 مايو 2021) أشار إلى أنَّه " كما ظهر مطربو مهرجانات، ظهر أيضاً مذيعو مهرجانات، الأدهى ضيوفهم أيضاً مهرجانات"! .. الصوت العالي، والدوشة، والصراخ هي النغمة الغالبة في أداء الإعلام المصري الحالي على اختلاف وسائله وأشكاله وقوالبه.. هناك إحساس راسخ لدي الإعلاميين بأن الجمهور لا يسمع جيداً، ومن ثم يحتاج إلى تنبيه دائم، وإلى صراخ مستمر، وإلى "زغزغة" بالمدافع الثقيلة.. وقد تكون المشكلة الحقيقية لدى بعض الإعلاميين كونهم صُمَّاً وبُكْمَاً وعمياناً، أكثر من كونها لدى الجمهور.. في أدبيات الإقناع يقولون: ارتفاع الصوت أثناء النقاش "دليل عدم ثقة بالنفس، ودليل ضعف الحجة والبرهان"..
المشكلة أن المهرجانات امتدت إلى كل مجالات الحياة.. في السياسة هناك مهرجانات.. في الاقتصاد هناك مهرجانات.. في الثقافة هناك مهرجانات.. حتى في التعليم هناك مهرجانات.. غير أن انتشار الخطأ لا يعني صوابه أو قبوله، و"لا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها" كما أشار المهاتما غاندي.. وقد نصحنا الإمام عليّ "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه"..
يقولون" ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ".. ولابدَّ من الاعتراف بالخطأ ..المهرجانات أصبحت أسلوب حياة غير ناجح .. إذا تصورت أن "حمو بيكا" ، و"مجدي شطة" ، و"عمر كمال"، و"حسن شاكوش" و"سمية الخشاب" وغيرهم أكثر إقناعاً وإمتاعاً من "محمد منير"، و"على الحجار"، و"مدحت صالح"، و"شيرين"، وأنغام، فالمؤكد أن لديك مشكلة.. والمؤكد أنك تصلح أن تكون "إعلامياً مشهورا"!!
في مقولة شائعة لألبرت إينشتاين : "هناك شيئان لا نهائيان: الكون وغباء الإنسان؛ وبالنسبة للكون فأنا ما زلت غير متأكد تماماً".. وبالنسبة لي فأنا متأكد تماماً من غباء أدائنا في المجال الإعلامي!