د.إبراهيم جلال فضلون يكتب: الذكاء الاصطناعي ونهاية الحرب والسلام

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 2 نوفمبر 2024, 6:27:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

“الحرب والسلام” هي ملحمة ضخمة لأحد عمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق. ليو تولستوي، قمت بترجمتها لدار نشر مصرية عام ٢٠١٢م، تحكي أحداثًا ذات مستويات مختلفة: من الحياة الخاصة لكثير من العائلات، ومعارك عام 1812، إلى حركة الشعوب والتاريخ بشكل عام، بدقة الملاحظات النفسية وتنوعها، التي تذكرنا بالحروب الاليكترونية وقهر البشر لتظل ملحمة طوفان الاقصى وقبلها اكتوبر ١٩٧٣م في الذاكرة الثقافية بوصفها اعظم حرب..

فمن خلال التحفيز الصحيح وتنظيم البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة اللاعبين بوجهات نظر مختلفة من حلفاء مختلفين، وتوفير توزيع الاحتمالات ونقاط البيانات الأخرى في المناورات العسكرية، كما جرى استخدامها على نطاق متزايد في أماكن مثل غزة وأوكرانيا، فالأمر يتعلق باللاعبين، والفرق المختلفة، وأصحاب المصلحة في وقت تتصاعد فيه نسبة ومعدلات الصرف على مثل تلك الأنواع من الأسلحة، لمعرفة ما هي مجموعة خيارات السياسة الخاصة بهم، وما هي الفرص والتحديات المحتملة، ف في فبراير 2023، على سبيل المثال، سمح الجيش الأميركي للذكاء الاصطناعي بقيادة طائرة مقاتلة بنجاح والانخراط في محاكاة قتال جو-جو. ولفهم حدود ردود الفعل بين إيران وإسرائيل مستقبلا، نجد نظرية الألعاب (Game Theory) عبر الذكاء الاصطناعي وتطوير نموذج باستخدام هندسة الأوامر؛ وتحديدا أسلوب(+SAGE)، للتعرف على استراتيجيات الفريقين، والطبيعة الديمغرافية والجغرافية لكليهما، وعنصر التوازن، وطرق التصعيد حال تطور الوضع، حيثُ كانت ضربات إسرائيل متواضعة تضمنت ضرب بعض منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ومواقع تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، واختراق المجال الجوي والدفاعات لعدة دول، مقابل الرد الإيراني، متزامناً و رد (حزب الله، وحماس، والحوثيون، وسوريا).

إنها خوارزميات يستخدمها الجيش الأميركي للتنبؤ بالوقت الذي ستحتاج فيه مدافع الهاوتزر الأوكرانية إلى براميل جديدة، وغيرها في عالم الفضاء السيبراني وأرض التجارب لأسلحتها (غزة) بينما تستخدم بعض الجيوش الذكاء الصناعي في المساعدة في تقييم وتأهيل الجنود، وبالتالي طورت روسيا وأوكرانيا برمجيات لصنع طائرات مسيرة قادرة على التحليق إلى الهدف بشكل مستقل، مهما كان التشويش أو الرادارات، وهو ما تم في تطوير الأسلحة "الفرط صوتية" وتجربتها في الحرب الإيرانية الفلسطينية اللبنانية مع الصهيونية، كما استخدمت الذكاء الاصطناعي البحرية البريطانية في مارس الماضي، من خلال (وحدة اكتشاف الألغام) تجاربها في الخليج العربي، باستخدام قارب صغير ذاتي القيادة، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحديد إشارة وسط الضوضاء بحثاً عن الألغام في قاع البحر وتنبيه السفن أو الوحدات الأخرى عنها.

فإسرائيل وإيران قوتين كبيرتين متنافستين، بشخصيتين ريديكاليتين، فالأولى قوة إقليمية تتمتع بتفوق عسكري كبير، رغم صغر حجمها الجغرافي، حيثً تعتمد استراتيجيتها إلى استغلال هذا التفوق لفرض نفوذها دون الدخول في صراعات شاملة قد تستنزف مواردها. والثانية تعتمد على حجمها الجغرافي ونفوذها الإقليمي بدلًا من التفوق العسكري المباشر، لكن، ينبغي عليها الموازنة بين طموحها في توسيع النفوذ وبين مخاطر الاعتماد على قدرات عسكرية أقل تطورا، خاصة عند مواجهة خصم متفوق عسكريا.

ولأخطاء الذكاء الاصطناعي وخطره في تحييد العنصر البشري في مئات المهن والوظائف حتى احتل المهن العليا في التفكير والتخطيط... حذر حقوقيون وقانونيون من أن توظيفه واستخدامه في الحروب، مما سيجعل منها آلة تدمير بل وأكثر فتكا كونها لا تنظر للعواطف ومطالب الحياة البشرية، خاصة مع تزايد احتمال نشوب حرب بين القوى العظمى.

وبالتالي فنجد هناك إقبالا على نظام ستورم كلاود، كأحد أنظمة تطوير الأسلحة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تنفيذ العمليات العسكرية، وصيانة الآلات والطائرات الحربية كجزء من التقدم التكنولوجي، وهو ما دفع القوى العُظمى كالولايات المتحدة والصين للدخول في منافسة على التفوق في هذا المجال من أجل رسم المشهد العالمي المستقبلي، ليكون السؤال المُلح هو: "هل يمكن الاستغناء عن البشر في صنع القرار؟"

إن اعتماد الذكاء الاصطناعي استراتيجيات منها: "استراتيجية الردع والتصعيد المحدود"، تبدأ بمبادرة هجومية من إسرائيل والولايات المتحدة كوسيط وقوة موازنة، استهدفت شل حركة حلفاء طهران الإقليميين. ليُقابلها استراتيجية "تبادل الأفعال وردود الأفعال"، لردع تل أبيب وتأكيد قوتها، باستخدام تكتيكات غير مباشرة مثل الحرب بالوكالة، والقدرات السيبرانية، والمبادرات الدبلوماسية دون التورط في صراع طويل الأمد يستنزف الموارد ويضر بالمصالح القومية للفريقين، ويعرقل أهدافها الجيوسياسية الأوسع منعكساً على الاستقرار الإقليمي.

أما مصفوفة الخيارات الاستراتيجية، فيمكن تقييم نتائج اللاعبين عبر التحليل بناءً على تصرفاتهم المختلفة فبين التصعيد المدروس والتحالفات الدولية: فهم "توازن ناش" أي (استراتيجيات محدودة ومقيدة) في الصراع الإيراني-الإسرائيلي نراه في مناورات عسكرية لإسرائيل محسوبة تحسباً لتفاقم الوضع الإقليمي، بينما ترد إيران بشكل انتقائي للحفاظ على ماء الوجه.. وهنا لا يرغب أي من اللاعبين في تحمل التكاليف الباهظة لصراع شامل.

وفي استراتيجية "اللعبة المتكررة الديناميكية"، الذي يسمح بالنهج التدريجي في تعزيز دولة الاحتلال مكاسبها بمرور الوقت مع تجنب المخاطر المرتبطة بتصعيد شامل، عكس تكيّف إيران مع الظروف لتحافظ على استراتيجيات تقلل من التكاليف، وترك الباب موارباً لديناميكيات التفاعل المتكرر أي باب التفاهمات الضمنية.

وفي النهاية: يقول إريك ديفيس، مدير البرامج في الوكالة إن "الكثير من الأساليب التي يتم استخدامها في مشروع الاستراتيجيات والتخطيط لم تكن موجودة قبل عامين إلى خمسة أعوام"، مما الحرب محفوف بالمخاطر، إذ إن "الأنظمة الحالية لا يمكنها التعرف على النوايا العدائية للأشخاص، بل ولا تستطيع التمييز بين جندي قصير القامة يحمل مسدسا حقيقيا، وبين طفل يحمل مسدسا مصنوعا للترفيه واللعب، أو بين جندي جريح يرقد على بندقية، وقناص مستعد لإطلاق النار من بندقية قنص ، ليكون نسبة الخطأ للذكاء الاصطناعي أكثر من 90%، ويمكن أن تكون مدمرة وفظيعة، ولهذا نجد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، وفق التقارير أن استخدام الجيش الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي في حربه على غزة تثير "قلقا"، من أن تصبح "قرارات الحياة والموت" مرتبطة "بحسابات تجريها الخوارزميات".


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)