- ℃ 11 تركيا
- 15 يناير 2025
د.أسعد جودة يكتب:مفهوم النصر الاستراتيجي
د.أسعد جودة يكتب:مفهوم النصر الاستراتيجي
- 15 يناير 2025, 11:41:46 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قد يتفاجأ القارئ من العنوان وقد يعتبر ذلك ترف سياسي وكلام في غير محله وعن أي نصر تتحدثون ؟! وهو يرى حجم المجازر المروعة وتحويل القطاع لمدن أشباح والحياة لم تعد تطاق فلا يلام بل محق من هذه الزاوية ولكن في البعد والتحليل الاستراتيجي القراءة تكون من زوايا أخرى.
لم يعد خافيا على أحد ان الحرب الدائرة اليوم رحاها على قطاع غزة والتي مضى عليها مئة وخمسين يوم ولا زالت مستمرة ، هدف أمريكا الاستراتيجي وابنه الغير شرعي والمدلل الكيان الصهيوني هو استمرار مسلسل الهيمنة المطلقة على منطقة الحوض العربي الاسلامي المسماه زورا وبهتانا الشرق الأوسط و المضي بالإجهاز على هذه الأمة بكل مكوناتها ورسالتها ودورها الحضاري وتمزيقها ونهب ثرواتها وتعطيل دورها وإبقائها ذيلية تابعة خانعة وكأن هذه الغدة السرطانية المسماه اسرائيل وجدت لتبقى وكأنها قدر لتظل الأمة ممزقة مشوهة.
إن اطلاق يد العدو وإعطائه الضوء الأخضر وتعطيل عمل مجلس الأمن وكل المؤسسات العالمية والوقت أن يفعل ما يشاء وكيفما يشاء هي رسالة لكل من تجرأ او يفكر بالتجرأ أن هذا هو مصيره إبادة جماعية وجرائم بنكهة عصرية عبر أدوات عسكرية لم تشهدها البشرية من قبل وتصعب على الوصف.
لم يكن ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م حدثا عابرا ولا بالشكل الذي صوره الإعلام الصهيوني وتبناه الإعلام الغربي أنه اعتداء من مجموعات قتلة شبهها بداعش تقتل الأطفال وتغتصب النساء وتأسر المدنيين كبار السن لكن الحقيقة الساطعة أن ما حصل هو ضربة القرن وبشارته لترسل رسالة لكل من يعنيه الأمر أن شعب فلسطين على مدار قرن من الزمان لم يكل ولم يمل ومصر على المنازلة وأنه صاحب حق ولن يرضى بغير العودة والتحرير ولا بأي وطن بديل عن وطنه العزيز والمقدس فلسطين.
بعيدا عن التهويل والتهوين كانت "طوفان الاقصى" المحطة الأعنف والأقوى وتتويج لقرن كامل من المنازلة والصمود الأسطوري، حينما قامت الثلة المؤمنة من كتائب القسام ومعها سرايا القدس ولحق بهما كل الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية التي أصرت على هذه الجولة أرادت تثبيت مجموعة محددات وايصال العديد من الرسائل.
للجمع المتآمر على فلسطين والأمة ان قوة الحق يجب أن ترفد بمنسوب من القوة المادية ولا يشترط التكافئ بل العمل ضمن منطق القرآن الكريم "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين لا تعلموهم الله يعلمهم"
وأيضا حسن التوكل والأخذ بالأسباب و اتخاذ كل ما من شأنه أن ينجح تلك العملية وهذا ما حصل.
أكدت أن ما جرى ويجري من مصطلح وحدة الجبهات و الساحات لم يكن من باب التهويل والإعلام بل أثبت محور المقاومة أنه صادق ومؤتمن وفعل ويفعل بحسب قدراته وموقعه لأنه يرى أن هذا واجب وتكليف شرعي رباني عملا بمضمون الآية الكريمة "إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون "
تحقق وسيتسع هذا المحور بإذن الله ،وخلاف ذلك انحراف في البوصلة والأفضل العودة قبل فوات الأوان.
"طوفان الأقصى" أكدت ان العمر الزمني للمشروع الغربي الاستعماري الامبريالي ورأس حربته تلك المستوطنة الملعونة المسماه اسرائيل بدأ بالسقوط والأفول لأن علم الحضارات يؤكد أن انهيارها يتأتى من انحطاط لمنظمة القيم الأخلاقية وهذا ما يشهده الواقع وتؤكده الأحداث.
السردية الصهيونية عن المظلومية والهولوكوست التي انفقت عليها الماكينة الإعلامية الجهنمية مليارات الدولارات قد تبددت وتلاشت اليوم يساقون لمحكمة العدل الدولية كمجرمي حرب ومرتكبي مجازر ابادة جماعية من نوع حديث غير مسبوق في تاريخ البشرية، وأن محاولة استبدال تلك السردية بتصوير ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م قد ماتت في مهدها وكشف الإعلام الصهيوني عن كذبها بأن طائرتهم هي من قتلت المدنيين ومعهم مئتان ممن دخلوا الحدود بعد فحص DNA.
للدول المطبعة من العرب والمسلمين ان استمرت في هذا المسار ستظل دول ذيلية وملحقة وتابعة مهما حاولت التبرير أنها مستقلة وذات سيادة لأنها قبلت التشرذم والتشظي ضمن منطق سايكس- بيكو التمزيقي المخالف للرسالة المحمدية النهج التوحيدي المتكامل، وإلى الدول التي لم تتطبع بعد أن تعيد النظر لأن هذا المشروع بكليته سائر الى الأفول والتراجع ، لذا يصبح لزاما على هذا التكتل العربي الإسلامي الضخم بما يملكه من ثروات ضخمة بشرية ومادية وأهمها رسالة التوحيد الخالدة ، اليوم ليس دوره الشجب والاستنكار بل عليها النصرة وتفعيل تلك التجمعات كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي الى أجسام قوية بينها برامج مشتركة عسكرية وإقتصادية لتأخذ موقعها الطبيعي في هذا العالم الظالم وتعيد مكانتها بين الأمم.
للكيان الصهيوني أثبت "طوفان الاقصى" بأنكم نمر من ورق وأوهن من بيت العنكبوت ووجودكم المؤقت ليس أكثر من أوهام وخزعبلات وأساطير وأنكم ليس اكثر من كيان وظيفي يقوم بمهمات قذرة وترس في مشروع كبير لذا عليكم أن تحزموا أمتعتكم وتعودوا من حيث جئتم، لا مكان لكم بعد مجزرة الابادة الجماعية التي ارتكبتموها بحق شعب فلسطين وأن ساستكم مراهقين ومزايدين يتاجرون بكم وهم منغمسون في الرذيلة .
للفلسطينيين أثبتم أنكم تستحقون هذا الاصطفاء الآلهى ان تكونوا من بيت أهل المقدس وأكنافه لا يضركم من خالفكم ولا من خذلكم ..
لكن يبقى السؤال الملح والعاجل لتلك الفئة التي راهنت على الشرعية الدولية ووعودها وقبلت الاعتراف بالكيان الصهيوني جاء الوقت للتخلص من تلك الاتفاقات المسمومة والالتحام مع قوى الشعب الحية الرافضة لهذا الهوان ،وما لقاء موسكو الأخير الا مؤشر ايجابي ،لأن الواقع يثبت أن فلسطين قضية وشعب في العقل الغربي والصهيوني لا مستقبل لها الا التذويب والشطب والتهجير.
ختاما هذه الحرب المسعورة والتي مضى عليها مئة وخمسين يوم يمكن القول أن أهدافها العلنية والسرية تلاشت او في طريقها ، الحرب العسكرية لإنهاء المقاومة وإستئصالها فشلت (دولة بحجم الكيان الصهيوني من أول يوم جسر الامداد من ذخائر وصواريخ لم ينقطع فكيف بالمقاومة مسلحة بأسلحة متواضعة ومحاصرة منذ سبعة عشر عام نعم أن تضعف وتفقد عديدا وعدة هذا منقطي )
بالمقابل العدو الصهيوني يتكبد كل يوم خسائر فادحة على المستوى البشري والمادي لم يخسرها منذ تاريخ نشأته ،حتى في المناطق التي يدعى انه أجهز عليها يجد نفسه واقع في وحل ومستنقع وكمائن ومصائد المقاومة الراشدة والمظفرة .
حرب التجويع وفصل الشمال عن الجنوب من أول يوم ومنع الامدادات والاغاثة عن غزة والشمال لإجبارهم على النزوح بالكامل، هذا الخيار فشل صحيح أن غزة وشمالها يتعرضون لمجاعة غير مسبوقة في التاريخ لكنهم مع الارتفاع الجنوني في الأسعار وندرة كل شيء الا أنهم اضطروا الى بدائل وخيارات صعبة جدا لسد الرمق واستنزفوا كل مدخراتهم و عبر الامداد الشحيح من ذويهم وأهلهم في الخارج ليخففوا من هذا الهول والجوع القاتل ، أمام هذه الواقع المأسوي اضطر حفنة من المتآمرين أن يقوموا باستعراضات جوية وانزال طرود بطريقة همجية رخيصة لإيصال رسائل أن وكالة الغوث الأونروا المسؤولة عن إغاثة وتشغيل اللاجئين أصبحت غير موجودة وغير مسؤولة وأيضا الحكومة القائمة حماس غير موجودة ،أيضا هذا الخيار أيضا فشل وسيضطرون لتعديله وتطويره لرفع العار عنهم امام شعوبهم على الأقل .
سياسة القتل الممنهج والتجويع المبرمج استراتيجية اتبعها العدو من اليوم الاول لإجبار الناس على اندفاع للجنوب (رفح)لإجبارهم على كسر الحدود مع مصر ويكون هذا الخيار تحقق ووضع المصريين بين خيارين لا ثالث لهما اما قتلهم او استيعابهم، هذا الخيار ايضا فشل لان الناس انتبهت وقبلت تنام بالشوارع والازقة ولا تقدم على هكذا خيار .
اعلانات نتنياهو المتكررة بأنه سيجلب النصر ويحرر الرهائن بالقوة العسكرية فشل وها هو يفاوض على اخراجهم بشروط المقاومة وحتى مسرحية اخراج رهينتين كانت عبارة عن فلم هوليدي.
خيار اليوم الأول بعد الحرب وطروحات نتنياهو ان يحكم غزة عسكريا هذا خيار يجلب الوبال وجربوه وهو اعلم بذلك، التعامل عبر شخصيات تحكم كروابط قرى او مجالس لن يجد، ان تحكم غزة بقوات عربية ودولية خيار استبعده الغرب والعرب، ان تعاد السلطة الفلسطينية فهي لا تقبل ان تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية الأمريكية ، واذا قبل بحكومة وحدة وطنية ملتزمة بخط المقاومة هذا انجاز وطني الكل يسعى لتحقيقه .
رسائل التهديد والوعيد لمحور المقاومة ووحدة الساحات باء بالفشل ، وقالت من اليوم الاول انه لا هدوء ولا أمان الا بوقف الحرب عن غزة ورفع الظلم واعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وكل التهديد والوعيد لإيران واليمن ولبنان وسوريا والعراق لم تجدي نفعا بل الكل يستجدي ويقدم عروض .
الواقع الصهيوني المنقسم اليوم والمطالب بانتخابات واقالة نتنياهو وهذا التشرذم غير مسبوق في تاريخ الكيان هو من تداعيات طوفان الاقصى .
واقع الانتخابات الامريكية والاستطلاعات تؤكد خسارة كبيرة للديمقراطيين في أهم الولايات ... كل ذلك بسبب الموقف الغير مسؤول في هذه الحرب المجنونة والدعم المطلق للإبادة الجماعية في غزة .
في اطار التقويم الموضعي للأهداف التي طرحتها المقاومة والأهداف التى طرحها العدو ،النتائج تشير بوضوح أن هذا هو نصر استراتيجي وسيؤسس لمرحلة قادمة مختلفة بامتياز لان القوى المتقاتلة بالمطلق غير متكافئة ،بل كل ما يجرى من محاولات هو فقط الخروج من المأزق الكبير وطرح سيناريوهات الهدن المتتابعة لانزال نتنياهو عن الشجرة رويدا رويدا لان وقف اطلاق النار دفعة واحدة قالها نتنياهو انها هزيمة لإسرائيل وانتصار للمقاومة .